أزمة "بحر الشرق"
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
محمد خليفة
أثار جوف موريل الناطق باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، احتجاجات كورية جنوبية حينما استخدم مسمى ldquo;بحر اليابانrdquo; عوضاً عن ldquo;بحر الشرقrdquo;، أثناء حديثه عن المناورات العسكرية بين البلدين التي أجريت في أواخر يوليو/ تموز2010 . كما كشف دبلوماسي كوري جنوبي أن بلاده تعتزم مطالبة الحكومة الروسية بإعادة ترسيم الخرائط الروسية لتغيير اسم ldquo;بحر اليابانrdquo; إلى ldquo;بحر الشرقrdquo; .
وتعود الخلافات بين اليابان وكوريا الجنوبية حول تسمية البحر الذي يفصل بين البلدين إلى إطلاق الجيش الياباني على ذلك البحر مسمى ldquo;بحر اليابانrdquo; خلال فترة استعمار اليابان لشبه الجزيرة الكورية بين 1910 و1945 . وتمّ حذف تسمية ldquo;بحر الشرقrdquo; الكوري في المؤتمر الأول للمنظمة الدولية للهيدروغرافيا، حيث اتخذ المؤتمر قراراً بإنشاء تسميات حدود البحار والمحيطات، ووفقاً لهذا القرار فإن تسمية ldquo;بحر الشرقrdquo; تغيرت وسجلت رسميا بتسمية ldquo;بحر اليابانrdquo; منذ عام 1923م . وفي إبريل/ نيسان من عام 1997 طلبت كوريا تغيير تسمية ldquo;بحر اليابانrdquo; إلى ldquo;بحر الشرقrdquo;، وحصل ذلك في المؤتمر الدولي الخامس عشر للهيدروغرافيا الذي عقد في موناكو . وقد أعلن المؤتمر قراره النهائي بشأن الطلب الكوري في عام ،2002 وذلك بعد موافقة المنظمة الدولية لمسح مسطحات البحار على طلبها المقدم لحذف صفحة خاصة عليها اسم ldquo;بحر اليابانrdquo; من مسودة إرشادات يستخدمها الناشرون في رسم الخرائط البحرية . وشنّت اليابان حملة دبلوماسية لإحباط محاولة كوريا الجنوبية تغيير اسم البحر الذي يفصل بين البلدين، قائلة إن كفة التاريخ ترجح اسم ldquo;بحر اليابانrdquo;، وطالب المسؤولون اليابانيون المنظمة الدولية لمسح مسطحات البحار، بصرف النظر عن التغيير المزمع في الخرائط البحرية ل ldquo;حدود المحيطات والبحارrdquo;، وأكدوا أن اليابان لا يمكنها على الإطلاق قبول مثل هذا التعديل .
ويأتي هذا التحرك الكوري في إطار المساعي لإنهاء الحقبة اليابانية من تاريخ تلك المنطقة بشكل كامل، وهي حقبة كانت مليئة بالمآسي، لا سيما على الشعبين الكوري والصيني .
ويعدُّ بحر اليابان بحراً شبه مغلق لأنه محاط بقوس الجزر اليابانية من الجنوب، وبجزيرة سخالين الروسية من الشمال، ومن الغرب توجد روسيا في الشمال وشبه جزيرة كوريا في الجنوب . وتعود تسمية هذا البحر باسم اليابان إلى المرحلة التي كانت فيها اليابان سيدة الشرق الأقصى بلا منازع، وذلك منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى انتهاء الحرب العالمية الثانية عام ،1945 فقد استطاعت اليابان أن تفلت من ربقة الاستعمار الغربي الذي جثم على الشرق الأقصى، فاستعمر شبه جزيرة الهند الصينية والصين، والفلبين، وإندونيسيا، وكل الجزر الأخرى الواقعة في المحيط الهادئ، بالإضافة إلى أستراليا .
وقد أفلتت اليابان من الغربيين لأنها أخذت زمام المبادرة وسارعت إلى انتهاج النهج الغربي في التصنيع . ولم يدخل العقد الثامن من القرن التاسع عشر إلا كانت اليابان تبني المصانع وتنتج الآلات والأسلحة . واحتاج اليابانيون إلى المواد الأولية فتطلعوا إلى جوارهم فوجدوا روسيا القوية، وكوريا والصين الضعيفتين . وكانت كوريا تعترف بسيادة الصين عليها، وكان ملوكها يتقلدون مناصبهم على أيدي أباطرة الصين . ولكن نفوذ الصين ضعف هناك بعد وقوعها في قبضة المستعمر الغربي منذ خسارتها في ldquo;حرب الأفيونrdquo; أمام بريطانيا عام 1842 . فقد أصبح لبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة ودول غربية أخرى، وجود على الأراضي الصينية . وتطلع المستعمرون نحو كوريا، لكن الشعب الكوري قاوم جميع السفن الأجنبية التي حاولت اقتحام البلاد . إلا أن اليابان نجحت في ما فشل فيه الغربيون، فقد حدث أن أطلق الكوريون النار على سفينة حربية يابانية فأنزل اليابانيون في كوريا سنة 1876 حملة تأديبية وفرضوا معاهدة صداقة وتجارة .
ومنذ ذلك الحين بدأ اليابانيون يتهيّؤون لمحاربة الصين لقطع رجلها من كوريا ولإخضاعها للهيمنة اليابانية . وفي سنة ،1894 اندلعت الحرب بين اليابان والصين حول كوريا، وانتهت تلك الحرب بهزيمة الصين وانفتاح المجال أمام اليابان في كوريا وحتى في الصين . وقد أخاف هذا النصر روسيا التي كانت تتطلع للتقدم نحو الشرق وخاصة نحو منشوريا وكوريا، ولم تلبث أن وقعت الحرب بين روسيا واليابان عام ،1904 وانتهت عام 1905 بهزيمة الروس، وبترسيخ وجود اليابان كقوة عظمى في الشرق الأقصى . وأصبح البحر الذي يفصل بينها وبين روسيا وكوريا بمثابة البحر الداخلي فيها بسبب وجود المستعمرات اليابانية في كوريا والصين وفي بعض سواحل روسيا، ولهذا سمّي هذا البحر ldquo;بحر اليابانrdquo; .
لكن بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية عام ،1945 اختفت الإمبراطورية اليابانية وتغير الوضع الجيوسياسي في الشرق الأقصى، فقد انقسمت كوريا إلى دولتين، واحدة رأسمالية تابعة للولايات المتحدة في الجنوب، وأخرى شيوعية تابعة للاتحاد السوفييتي السابق في القسم الشمالي من شبه الجزيرة . ومن ثم حدث الانتصار الشيوعي في الصين عام 9194_ وأصبح الاتحاد السوفييتي قوة عالمية عظمى . ومع ذلك، لم يكن بوسع الكوريتين أو الصين أو الاتحاد السوفييتي محاسبة اليابانيين على ما فعلوه، لأن الولايات المتحدة هي التي حسمت المعركة ضد اليابان وباتت لها اليد العليا في هذه الدولة .
وعلى الرغم من أن كوريا الجنوبية حليفة للولايات المتحدة فإنها على غير وفاق مع اليابان الحليفة للولايات المتحدة أيضاً، فالعداوة ما تزال مستمرة بين الدولتين ولا يدلّ طلب كوريا من روسيا تغيير خرائطها وإلغاء اسم ldquo;بحر اليابانrdquo;، إلا على أن كوريا تريد أن تبقى هناك قطيعة دائمة مع اليابان .