ميليس «كبرت براسو»
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
جهاد الخازن
الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يعطي مجلس الأمن حق التدخل العسكري في بلد موضوع تحت مظلته يعني عملياً إلغاء استقلال البلد المعني أو تجميد الاستقلال لأنه يمنح هيئة خارجية سلطات فوق تلك التي تمارسها حكومته.
العراق أوضح مثل على معنى الفصل السابع فهو يبقى مسلوب الاستقلال ما بقي تحت هذا البند، والرئيس جلال طالباني في خطابه في الدورة الخامسة والستين للجمعية العامة ركّز على الوضع العراقي، ووعد بأن تعمل الحكومة المقبلة كل المطلوب، بما في ذلك حل القضايا العالقة مع الكويت، للخروج من تحت الفصل السابع الذي "يشرعن" استمرار الوجود العسكري الأميركي، ويترك دخل العراق النفطي المتراكم، وهو بمئات بلايين الدولارات، تحت سيطرة البلد المحتل، أي الولايات المتحدة.
لبنان تحت الفصل السابع، ولكن باختياره وفي موضوع محدد هو المحكمة ذات الطابع الدولي التي شملها القرار 1664، وشكّلها مجلس الأمن في 30/5/2007 بموجب القرار 1757. هذه المحكمة افتتحت رسمياً في 1/3/2009، وهو تاريخ مهم لأن الأمم المتحدة عيّنت سنة 2005 مسؤولاً لقبه مفوض لجنة التحقيق الدولية المستقلة بدءاً بالألماني دتليف ميليس، ثم البلجيكي سيرج براميرتز والآن الكندي دانيال بلمار. وقد شاب عمل المحكمة شوائب، خصوصاً عمل ميليس في البداية، إلا أن هذا لا يلغي حق اللبنانيين في معرفة الحقيقة وفي معاقبة الجناة.
أسماء المحققين يعرفها كل لبناني، غير أنني أريد أن ازيد هنا نقطة من تعاملي مع الأمم المتحدة وزياراتي السنوية لمقرها في نيويورك، فقبل تشكيل المحكمة ذات الطابع الدولي رسمياً، كان عمل المحقق أن يجمع المعلومات ويسلمها الى الأمين العام الذي يحولها الى مجلس الأمن. هذه النقطة تعني أن بلمار وحده يستطيع أن يؤدي دور المدعي العام وأن يصدر قراراً ظنياً.
السيد حسن نصرالله رفض من اليوم الأول محكمة دولية بموجب الفصل السابع، وجاءت تصرفات المحقق الأول ميليس لتعزز شكوكه ومخاوفه.
ميليس أحيط بهالة في لبنان لم تكن له أبداً في الأمم المتحدة، فقد كان موظفاً من دون مكتب أو سكرتيرة، ثم أعطي مكتباً صغيراً لم يدم. وعندي على التفاصيل التالية متابعات الصديق سمير صنبر، الأمين العام المساعد السابق لشؤون الإعلام، وما راجعت معه من معلومات متوافرة لي.
باختصار، ميليس "كبرت براسو" كما يقولون في لبنان، وهو يسمع اللبنانيين يهتفون له إذا دخل مطعماً أو يرى قمصاناً عليها "أنا أحب ميليس". وهو أطلق تهماً ضد مسؤولين كبار من لبنانيين وسوريين، ما أثار شكوك الأمين العام كوفي أنان الذي طالبه دائماً بإثبات التهم فكان ميليس يرد بما ترجمته لبنانياً "ولا يهمك". وأعتقد أن سمير صنبر يذكر قول أنان الدائم لميليس "يجب أن تكون حذراً".
وأرجّح أن ميليس استقال في النهاية لأن الأمين العام "لم يقبضه جد" وأعتذر عن استعمال اللهجة اللبنانية مرة أخرى. وكان أن ميليس سرّب أسماء وتجاوز الأمين العام في الحديث مباشرة مع أعضاء مجلس الأمن. وآخر ما أذكر ويذكر سمير صنبر من أيام ميليس يوم جمعة وهو في مقر الأمم المتحدة، ويطلب أن ترسل الأمم المتحدة بالفاكس الى الرئيس بشار الأسد رغبته في أن يحقق مع مسؤولين سوريين. ورفض مكتب الشؤون السياسية الاستجابة الى طلبه، وأصرّ فأرسلوا اليه سكرتيرة مع رقم الفاكس ليرسل ما يريد باسمه لا باسم الأمانة العامة.
وانتهى النهار وميليس يريد سيارة "ليموزين" لنقله الى المطار، فيقال له إن الأمم المتحدة ليس عندها سيارات، ويحتج لأنه كان يسير في لبنان في موكب من عشر سيارات أو 15 سيارة. وهو اضطر الى جرّ حقيبته من الطابق السابع والثلاثين، حيث الإدارة السياسية، الى الشارع ليبحث عن سيارة تاكسي في السادسة مساء، أو ساعة الزحام، توصله الى المطار.
ربما كان ميليس حسن النية إلا أنه لم يكن حسن التصرف، وهو زاد من شكوك حزب الله في محكمة تحت الفصل السابع. وقد تصرف براميرتز وبلمار بعده في شكل مختلف تماماً.
أنا أرفض أن يكون بلدي تحت الفصل السابع لأي سبب، إلا أنني أصر على أن الوضع اللبناني محدود بالمحكمة، في حين أنه في العراق يغطي البلد كله، والى درجة أنني أعتبر العراق مستعمَراً الى حين خروجه من استعباد الفصل السابع.
وهكذا فاعتراض حزب الله على صلاحيات المحكمة صحيح، إلا أن هذا لا يبرر تهديد أمن البلد كله، أو طلب المستحيل أي إلغاء المحكمة، وقد اغتيل رئيس للوزراء وبعده بعض أبرز رموز البلد، فالقرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي لا يسحب، والأميركيون في كوريا الجنوبية لا يزالون بقبعات زرق كجنود دوليين بعد 60 سنة على صدور قرار إثر انسحاب المندوب السوفياتي من جلسة لمجلس الأمن غاضباً.
أقول إذا كان حزب الله بريئاً فليس عنده ما يخشاه، والقرار الظني، كما يدل اسمه، ليس إدانة البتة، وقد يرفضه القضاة لمجرد الشك، فالشك يصب في مصلحة المتهم، لأنه يعني عدم كفاية الأدلة.