أين تقف واشنطن من «أراضي الشرق الأوسط المحتلة»؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
إياد أبو شقرا
"الحقيقة جميلة.. وكذلك الأكاذيب" (ايمرسون)
مهما حاول المرء أن يحسن الظن في نيات الإدارة الأميركية الحالية، فلا بد أن يصل إلى استنتاجين لا ثالث لهما إزاء مقاربتها أزمات منطقة الشرق الأوسط.
الاستنتاج الأول، أنها عاجزة عن حسم المسائل الإقليمية، لأسباب ذاتية وموضوعية. وهذا مع أن لهب الشرق الأوسط وما يتصل بمكوناته وصل يوم 11 سبتمبر (أيلول) 2001 إلى "عاصمتي" أميركا السياسية والمالية.
والاستنتاج الثاني، أنها قليلة الصدق في ما تدعيه من مبادئ، فهي رغم كلامها الكثير عن الحقوق والأخلاقيات، فإنها لا تعني تماما ما تقوله.
اليوم يمسك بملف الرعاية الأميركية للمفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية، رجل محنك ومحام ناجح وسياسي ذو تجربة ضخمة في دهاليز الكونغرس الأميركي.. اسمه جورج ميتشل، الزعيم السابق للأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، وراعي مسار المفاوضات الآيرلندية.. الآيرلندي - اللبناني الأصل.
ميتشل، بفضل الشق الآيرلندي من هويته، كان يتمتع بفهم عميق لجذور الأزمة الآيرلندية. وحقا أصاب نجاحا في تسويتها لم يحققه غيره. وهو اليوم، من خلفيته "العربية" الواعية لتعقيدات أزمات الشرق الأوسط، يحاول تحقيق اختراق ما في الموضوع الإسرائيلي - الفلسطيني.
طبعا، لا ميتشل، ولا جيمس بيكر من قبله، ولا أي شخصية أميركية اضطلعت بعملية تفاوضية بين الإسرائيليين والفلسطينيين تستطيع أن تزعم أن واشنطن على مسافة واحدة من طرفي العملية التفاوضية، ففي حين كانت إسرائيل دائما، ولا تزال، الحليف الاستراتيجي الوحيد لواشنطن في الشرق الأوسط، ظلت واشنطن تعتبر منظمة التحرير الفلسطينية، التي هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، منظمة إرهابية.. وذلك حتى "مفاوضات أوسلو".
واليوم مطلوب من الطرف الفلسطيني "التفاوض من أجل التفاوض"، والوثوق بحكومة إسرائيلية لا تؤمن بمبدأ "الأرض مقابل السلام"، ولا تقبل البحث في مصير القدس، ولا مناقشة مسألة حق العودة.. بل إنها لا تقبل حتى وقف عمليات هدم المنازل وبناء المستعمرات، بينما يتفاوض معها الفلسطينيون. والويل كل الويل إذا اعترض المفاوض الفلسطيني أو استنكف. وهذا مع التذكير بأن "شرعية" هذا المفاوض تشكك بها قوى "أمر واقع" في غزة تصر - ولها بعض الحق في ذلك - على أنها تحظى بالشرعية الانتخابية، وتحظى أيضا بدعم إقليمي معروف.
وهنا، نصل إلى المجال الجغرافي والبعد الزمني المحيطين بهذه الحالة الكارثية، فنحن في بقعة من العالم تترابط فيها الحساسيات وتتقاطع الولاءات، وعاشت منذ قرون تراكم أحقاد وولاءات خطيرة.
اليوم تحمل إيران، أحد أضلاع "الثلاثي غير العربي" في المنطقة - مع تركيا وإسرائيل - شعار تحرير فلسطين تحت قيادة الملالي في ظل عجز عربي شبه كامل. كذلك تنهض تركيا أيضا من "سبات" الأتاتوركية تحت رايات إسلامية وتباشر تفتيشها المستحق عن دور في العالم العربي اليتيم. أما إسرائيل، التي أسسها أوروبيون علمانيون واشتراكيون، بعضهم صدق حلم "أرض الميعاد"، وسعى حقا لشكل من أشكال التعايش مع "سكان الأرض الأصليين"، فيحكمها يمين فاشي وعنصري يتذرع بمطالب جماعات المستعمرين التوراتيين ويستقوي بهم لرفض أي صيغة سلام.
إزاء واقع كهذا، يفترض أن العقل العملي الأميركي متنبه لوجود علاقة سببية تربط كل الخيوط، وتتحكم في المبررات. غير أن واشنطن تبدو اليوم، كما كانت دائما، إما عاجزة عن فرض حل على إسرائيل يسحب البساط من تحت أولئك الذين كانت تسميهم "أعداء السلام"، وإما متجاهلة تماما لأهمية فرض الحل، بل ثمة الآن من بات مقتنعا بأنها ضالعة في تواطؤ فظيع مع صيغة تفجيرية يريدها مخططو اليمين الإسرائيلي.
ولكن هذا التواطؤ لا يقتصر على الأراضي الفلسطينية، بدليل "توارد الخواطر" الغريب بين واشنطن وطهران إزاء إبقاء نوري المالكي على رأس الحكومة العراقية. وهو تطور غريب، لأن واشنطن التي حكمت العراق منذ 2003 تتفهم كل تعقيداته وحساسياته. ومع هذا، يبدو أنها تسلمه اليوم تسليم اليد كأرض محتلة إلى إيران.. وإلا فالفوضى.
وهذا هو أيضا الخيار نفسه تقريبا الذي تقدمه واشنطن للبنان، بالرغم من ترديد سفرائها تعهد "الدعم الكامل لسيادة لبنان"، فتهديدات حزب الله، ومن خلفه طهران ودمشق، في موضوع المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رفيق الحريري، واضحة تماما، وهي إما أن يسلم لهم البلد، وكفى الله المؤمنين شر القتال.. وإلا فالفتنة المستيقظة جدا.