جريدة الجرائد

بريطانيا ومرحلة الابتعاد عن الحروب الأميركية..

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

خيرالله خيرالله

يعطي المؤتمر السنوي لحزب العمال في بريطانيا فكرة عن التحولات التي يشهدها العالم عموما والمملكة المتحدة على وجه الخصوص. فالانتقادات التي وجهها اد ميليباند الزعيم الجديد للحزب الى بلاده بسبب قرارها القاضي بالمشاركة في الحرب على العراق تعطي فكرة عن عمق الازمة التي تواجه السياسة الخارجية البريطانية بسبب انسياقها خلف السياسة الاميركية. لم يتردد ميليباند في وصف السياسة البريطانية تجاه العراق بانها كانت "خطأ" ارتكبه رئيس الوزراء السابق توني بلير الذي انجر الى الحرب في العام 2003 عندما قبل ان يكون وزيرا للخارجية في ادارة بوش الابن، اي مجرد موظف كبير في تلك الادارة.
يكتشف اد ميليباند، ابن الاربعين عاما، ان السبيل الوحيد لاعادة حزب العمال الى السلطة في يوم من الايام يتمثل في الانقلاب على توني بلير وعلى السياسات الخاطئة التي اتبعها والتي حولت بريطانيا الى تابع للولايات المتحدة ليس الا. ما لا يمكن تجاهله في هذا المجال ان بلير الذي اعاد العمال الى 10 داونينغ ستريت بعد غياب طويل اعتمد سياسة تقوم على تقليد مارغريت تاتشر التي اعادت الحياة الى حزب المحافظين واحدثت ثورة اقتصادية في بريطانيا مستندة الى افكار ليبيرالية قبل اي شيء اخر. لم تكن تاتشر، في اثناء وجودها في موقعها مجرد رئيسة للوزراء في بريطانيا. كانت زعيمة من زعماء العالم الحر. استطاعت ان تفرض سياساتها على الولايات المتحدة عندما وقفت الى جانب الرئيس بوش الاب في العام 1990 ودعته الى عدم التهاون في موضوع الاحتلال العراقي للكويت. وقد استمع بوش الاب الى نصيحتها وعمل ما كان عليه عمله بصفة كونه زعيم العالم الحر الخارج من انتصار ساحق على الاتحاد السوفياتي وكل ما كان يمثله ايام الحرب الباردة.
يكمن الفارق بين بلير وتاتشر في ان الاول اتبع سياسة من كانت تسمى "المرأة الحديد" ولكن من موقع مختلف. قبل بلير لدى توليه رئاسة الحكومة ان يكون تابعا للولايات المتحدة وليس صاحب اجندة سياسية خاصة يستطيع فرضها على واشنطن وعلى المقيم في البيت الابيض. الان، جاء وقت محاسبة بلير على كل ما ارتكبه. هذه المحاسبة تبدو شرطا لا بدّ منه كي يستعيد حزب العمال اي امل في العودة الى السلطة بعد ثلاث او اربع سنوات من الان حين يحل موعد الانتخابات العامة.
في بداية اي محاسبة لبلير يأتي العراق. لماذا ذهب الجيش البريطاني الى العراق وما هي الاسباب الحقيقة التي دفعت بلير الى قبول التورط في حرب ذات نتائج كارثية على غير صعيد؟ مثل هذا النوع من الاسئلة بدأ يطرح حاليا في بريطانيا. اكثر من ذلك، يعرف اد ميليباند، الزعيم الجديد لحزب العمال، ان لا امل له في اعادة حزبه الى الواجهة يوما من دون عملية نقد للذات في العمق تؤدي الى ادانة تصرفات توني بلير.
كان الاعتقاد السائد في مرحلة معينة سبقت الحرب الاميركية على العراق ان البريطانيين يعرفون البلد جيدا وانهم سيعيدون ترتيب الاوضاع فيه بعد اسقاط النظام العائلي- البعثي الذي اقامه صدّام حسين. كان الامل كبيرا في ان يلعب البريطانيون، بسبب خبرتهم الطويلة في شؤون التركيبة العراقية وتفاصيلها، دورا في مجال اعادة ترتيب الاوضاع في هذا البلد بما يحافظ على التوازنات الداخلية من جهة وما يحول دون تمدد النفوذ الإيراني فيه من جهة اخرى. تبين في ما بعد ان الخبرة البريطانية في العراق محدودة جدا... كل ما في الامر ان توني بلير قرر ان يسير في ركب جورج بوش الابن من دون طرح اي نوع من الاسئلة.
ما يدل على حجم الكارثة التي ادت اليها حرب العراق الطريقة التي انسحب بها البريطانيون من البصرة. هناك جنرال اميركي معروف يدعى جاك كين يعمل حاليا مستشارا في البيت الابيض يقول الاتي :" اعتقد ان انسحاب القوات البريطانية من البصرة وتجمعها في مطار المدينة في العام 2007 شكل خطأ فادحا. جعلت تلك الخطوة سكان المدينة يخضعون لتبعية إيران التي عاملتهم بوحشية وارعبتهم وهددتهم". خرج البريطانيون من العراق وبقي الإيراني يسرح ويمرح في الجنوب وفي مناطق اخرى... بعدما تحقق ما كان يحلم به دائما وهو انهيار السلطة المركزية في بغداد، وذلك من دون ان يخسر جنديا واحدا!
كان من بين شروط النجاح لمارغريت تاتشر اعادة ترتيب الاقتصاد وبنائه على اسس جديدة عصرية بدءا بالتخلص من نفوذ نقابات العمال. كان من بين شروط النجاح لتوني بلير الظهور في مظهر القادر على السير على خطى تاتشر، على الرغم انه يتزعم حزب العمال المنافس، وهو حزب اشتراكي في الاصل.
في السنة 2010، يبدو ان الشرط الاول لنجاح اي زعيم لاي حزب بريطاني، يتمثل في الانقلاب على توني بلير وما كان يرمز اليه. لهذا السبب، فاز اد ميليبند على شقيقه الاكبر ديفيد ميليباند الذي كان اسمه مرتبطا ببلير وبخليفته غوردون براون. تبحث بريطانيا حاليا عن سياسة خاصة بها. على الرغم من انها مضطرة للمشاركة في حرب افغانستان، ليس امام الحكومة التي يرئسها ديفيد كاميرون والمعارضة التي بات يتزعمها اد ميليباند سوى التفكير مليا في كيفية الخروج من الرمال المتحركة الافغانية. انها بكل بساطة مرحلة جيدة تدخلها الامبراطورية السابقة التي لم تكن تغيب عنها الشمس. اسم هذه المرحلة الابتعاد قدر الامكان عن الولايات المتحدة وعن حروبها...

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لماذا لم تهاجم عون؟
elie karam -

ما يشغل بالي كثيرا ان الكاتب هذا لم يهاجم الجنرال عون في مقالته هذه وهذا يدعو للعجب لأن خيرالله حتى عندما يكتب عن الصين يهاجم العماد عون، هذا الرجل الشجاع بشهادة خصومه قبل حلفاؤه. نأمل ان خيرالله اختار الحق ولو حتى متأخرا...

شو جاب لجاب
علي -

ما دخل النائب ميشال عون بالمقال؟ المقال عن السياسة البريطانية وليس عن شخص معين لا علاقة له بشيء باستثناء...