جريدة الجرائد

مَنْ تَخَلَّى عَنْ مَنْ: إيران أم الحكيم؟

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

محمد عبدالله محمد

قلتُ قبل أيام إن إيران تعمل بمسارَيْن في العراق. محور وهامش، لكن الاثنين معاً يُمثلان بُعدَيْن رئيسيين لها هناك. في المسار الأول (وهو ما يهمّنا) بدا أنه متحرّك وبراغماتي كاسِرٌ لثوابت "تاريخية" جمعت إيران بحلفائها طيلة العقود الثلاثة الماضية، وإلى ما بعد العام 2006.

فقد فضّلت طهران حليفاً "طارئاً" على حليف "أصيل". الأول كان المالكي، والثاني كان الحكيم. وهي ذات السّاقية التي أتت بمقتدى الصّدر إلى واجهة "التفضيل" الإيراني على غيره من الحلفاء التاريخيين. هذه بالضبط توليفة التحالفات الجديدة بين إيران والداخل العراقي.

كيف تعمل هذه الآلية "الإيرانية" هناك؟ لننظر جيداً. أولاً نُحقِّب للأحداث بشكل يُفضي إلى نتيجة مقروءة. لقد جَمَعَت طهران الأحزاب الشيعية في الائتلاف الوطني المُوحّد الذي نال أغلبية المقاعد النيابية في انتخابات العام 2005 فشكّل الحكومة "الجعفرية" و"المالِكيّة".

ثم عزّزت من المجلس الأعلى (للثورة الإسلامية سابقاً) في الحُكم. وسيّجَت حكومة حزب الدعوة بدعم سياسي واقتصادي قوي بوجه النفوذ العربي. ثم احتوت الصّدريين بِبُعْدَيهِما الشعبي والعسكري عبر المرجع الديني في مدينة قم آية الله العظمى السيد كاظم الحائري.

ثم أعادت تقييم وتقويم أداء جيش المهدي، فجمّدت نشاطاته لكي لا تُقلِق المرجعية ولا حكومة الدعوة ولا المجلس الأعلى ونقلت قياداته إلى أراضيها، ومَنْ تطرّف منه أحالته إلى مجاميع عسكرية "نوعيّة" كعصائب الحق ولواء اليوم الموعود لكي تضرب التواجد الأميركي فظفرت بالحُسْنَيَيْن.

أما الأطراف، كتيار الإصلاح بزعامة إبراهيم الأشيقر الجعفري، وحزب الدعوة - تنظيم العراق بزعامة عبدالكريم العنزي، وحزب الفضيلة بزعامة محمد اليعقوبي وغيرهم، فقد خصّتهم بعناية مماثلة، لكنها أذابتهم في المجموع الشيعي، تكميلاً مرة، وإعاقة مرة أخرى، لكن كلاهما في نهاية الأمر يصبّان في إناء واحد.

بعد أن استقرّت القاطرة على هكذا حال، بدأ الإيرانيون في جردة الحساب. على المستوى الشعبي قاربوا نتائج الانتخابات ما بين حليف وآخر، تارة عبر مَجَسّ القاسم الانتخابي، ومرة أخرى بغيره. وحين تبدّى لهم أن هذا الحليف أكثر حضوراً من غيره منحوه تأييدهم ودعمهم.

وهذا ما حصل بعد الانتخابات الأخيرة. فحين نال الحلفاء مقاعدهم (المالكي 89، الصدر 40، الحكيم 20، الإصلاح 1 ... إلخ) بدأت المفاضلات الإيرانية تعمل بجدّية. فهي تطمح في تسويق اسهمها بين القطاعات الشعبية التي تتوزّع على متنافرات عشائرية عصيّة على الكسر.

وما بين حكومة عراقية يترأسّها الشيعة، وبين ضم الأجزاء إلى الأجزاء، سَعَت طهران إلى جعل المالكي محوراً ولكنه مُكَمَّلاً بالهوامش الشيعية الأخرى. فضغطت على مقتدى الصّدر الذي يعتاش على أراضيها وعبر مُرشده الروحي المرجع الحائري لدعم المالكي ونجحت في ذلك.

ثم جاءت إلى حليفها التاريخي (المجلس الأعلى) وضغطت عليه لكي يدعم المالكي، لكنها لم تُفلِح فاضطرت إلى فَتِّ أحد عَضُدَيْه بقضم المجلس عبر جرّ منظمة بدر التي يتزعمها هادي العامري والذي يمتلك نصف مقاعد المجلس إلى تحالف دعم نوري المالكي الذي جرى قبل أيام.

كما أن طهران استخدمت نفوذها القوي داخل المرجعية الشيعية في النجف الأشرف لممارسة دور لرفع الغطاء أمام أيّ اعتراضات قد يُبديها طرف شيعي أمام ترشيح المالكي. ويُمكن رؤية هذا الموقف في خطبة الجمعة لممثل المرجع الديني السيد علي السيستاني في مدينة كربلاء.

في البُعد السياسي، فإن إيران حازت من حكومة المالكي على ثلاثة أمور هي غاية في الأهمية. الأمر الأول: هو مُناكفته (على الأقل في مرحلة سابقة) للنفوذ العربي في العراق والذي كانت طهران أصلاً قد دخلت في مواجهة إقليمية مفتوحة معه في مناطق مختلفة كلبنان وفلسطين.

الأمر الثاني، أن حكومة المالكي مَنَحَت طهران فرصة لعب دور الوسيط بينها وبين عدد من الأطراف في المنطقة، كتركيا وسورية التي ساءت العلاقات معها بشدّة، الأمر الذي منحها (أي إيران) فرصة اللعب كبوابة "حصريّة" في ملفات حسّاسة ومحدّدة في الداخل العراقي.

الأمر الثالث، أن حكومة المالكي أفردت لطهران حصّة لا تُعوّض في شئون سياسية واقتصادية وثقافية في داخل العراق وبدون مُنغّصات، وهو ما يعني مُتنفساً حيوياً لها في ظل مساعٍ غربية لخنقها بالعقوبات المتدحرجة بسبب برنامجها النووي ورؤيتها لأمن المنطقة.

هذه الأمور لا يُمكن أن تساوم عليها طهران أمام علاقات تاريخية مع المجلس الأعلى والذي بات الإيرانيون ينظرون إلى موقفه من المالكي على أنه حالة طوباويّة مُصاحبة لخلاف على المصالح كان يُمكن ترشيقه وإعادة تأهيله عبر "المجموع" المذهبي الشيعي في الحكومة.

بالنسبة للمجلس الأعلى فإنه اليوم أمام خيارين. إما أن يقِف موقف "المُقاطِع الإيجابي" عبر الابتعاد عن إجماع "أغلبية التحالف الوطني" مع إبقاء علاقته بطهران، وهو ذات المنطق الذي عبّر عنه عمّار الحكيم في الملتقى الثقافي الذي عُقِدَ في مكتبه الخاص قبل خمسة أيام، والذي أوضحه أكثر عضو المجلس الأعلى جمعة العطواني عندما قال "المجلس ليس لديه تحفظات على المالكي، فإذا استطاع تشكيل حكومة شراكة فنحن معه وسنشارك فيها، وأن عدم حضورنا الاجتماع لا يعني رفضنا المطلق أو القبول المطلق".

أما الخيار الثاني، فهو السير باتجاه "القائمة العراقية" بزعامة إياد علاوي وبالتالي المضي أكثر نحو القاطرة العربية التي تتهيّأ للدخول في العراق ولكن بتوجّس، مع أنها لم تُقدّم الدعم اللازم لكتلة علاوي رغم مناشداته المتكررة لها بعد حصوله على أكبر عدد من المقاعد النيابية.

وإذا ما عُرِفَ أن عدداً من الدول العربية تنتظر تشكيل الحكومة لإتمام اتصالاتها بالحكومة العراقية وتسمية سفراء معتمدين لها فيه ومنه لديها، فهذا يعني أن فرصة المجلس الأعلى لنيل دعم عربي ستكون ضائعة، مع إضافة كونه حليفاً طارئاً لها وغير مضمون الجانب.

في المحصّلة فإن موقف المجلس الأعلى من ترشيح المالكي هو موقف مبدئي وأخلاقي يُحسَب له برفضه التشكيل على أسس مذهبية وبغالبية سياسية، لكنه بالتأكيد لم ولن يكون "واقعياً" يُحاكي مشروعه رغم أنه بات قوياً على المستوى السياسي والأمني والعسكري، إلاّ إذا جاءت زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى دمشق يوم السبت بجديد ولصالح القائمة العراقية.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف