جريدة الجرائد

ماذا جرى للمصالحة العربية؟!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

مشاري الذايدي

لم تجف كلمات سعد الحريري مع جريدة "الشرق الأوسط" التي بعث فيها بإشارات إيجابية "جدا" تجاه سورية، لدرجة أثارت طمع حزب الله ومن معه بطلب صك براءة من سعد الحريري من دم أبيه والبقية، حتى ردت دمشق التحية "بأسوأ" منها، من خلال ما أخبرنا به الجنرال جميل السيد من صدور 33 مذكرة توقيف بحق أسماء، جلها من فريق وحلفاء الحريري، الأب والابن.

ماذا جرى للمصالحة العربية إذن؟!

هذا هو السؤال الذي يتبادر إلى الذهن بعد هذه التطورات "العدوانية" تجاه فريق الحريري وبقية أركان تحالف "14 آذار".

ماذا تغير، إيجابيا، في سياسة دمشق تجاه لبنان، إذا كان المطلوب من جملة هذه الخطوات هو ضرب كل فريق "14 آذار" وكل من يملك رؤية مختلفة عن رؤية حزب الله وحلفاء سورية وأتباعها في لبنان تجاه ملفات السلام والحرب والدولة اللبنانية؟ ماذا يراد من جملة هذه الخطوات، بما فيها إطلاق جميل السيد كأداة تشويش سياسي وإعلامي وقضائي، وتليها "ربما"، خطوات أخرى، تتمثل بانضمام السيد نبيه بري، رئيس البرلمان اللبناني، الذي قد يتخذ في المرحلة المقبلة خطوة ذات "بعد تشريعي مفصلي"، سيتجلى بإعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري أن "المحكمة الدولية غير موجودة قانونيا بالنسبة لمجلس النواب اللبناني"، مستندا في ذلك إلى أن الاتفاقية الموقعة من الجانب اللبناني بشأن هذه المحكمة لم تخضع لمصادقة مجلس النواب، وقد جرى تمريرها إبان عهد "حكومة لبنانية فاقدة للشرعية الدستورية" كما دأب بري على وصفها في معرض تأكيد عدم اعترافه، بوصفه رئيسا للبرلمان، حسب تحليل موقع لبنان الآن (NOW Lebanon).

في يناير (كانون الثاني) من العام الماضي 2009، عقدت قمة الكويت والتأم شمل القادة العرب في أجواء ملبدة بالغيوم، وكانت الخلافات الواضحة بين محوري سورية وإيران مع السعودية ومصر وبعض الدول العربية على أشدها، خصوصا في الساحتين اللبنانية والفلسطينية؛ حيث انشطر اللبنانيون والفلسطينيون تبعا لهذا الانقسام الإقليمي العربي، إضافة لأسباب داخلية طبعا، وتحدث كثيرون عن "التشرذم العربي" ووجوب توحيد الصف من أجل الذهاب بموقف عربي موحد تجاه القضية الفلسطينية وملف السلام، ومن أجل "إراحة" لبنان وتحييده عن جبهة المواجهة الإقليمية الكبرى؛ حيث كانت المواجهة الخفية تغلي بين إيران والدول العربية الكبرى، خصوصا بعد الهجمات الإيرانية المنسقة على الجبهات العربية الداخلية (يكفي التذكير بملفي الحوثيين في اليمن، وإثارة النعرات الطائفية في بعض بلدان الخليج)، وفي المقابل كانت إيران، بشكل غير مباشر، تهاجم من تعتبرهم أعداء لها من العرب، بذريعة القضية الفلسطينية طبعا، وهي القضية التي كان العرب فيها دوما بلا أفق ولا رؤية ولا شجاعة قرار، وهذا موضوع آخر.

في ظل هذه الأجواء المكفهرة، عُقدت قمة الكويت، وأطلق العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز مبادرة المصالحة العربية، ومد غصن الزيتون لبقية الفرقاء العرب، من أجل رأب الصدع، ومساندة القضية الكبرى، قضية فلسطين، وأيضا من أجل الإمساك بما تبقى للعرب من أوراق في العراق ولبنان والسودان والصومال واليمن... إلخ.

تفاءل كثيرون بأن تكون الاستجابة العربية، خصوصا من قبل سورية، على مستوى جرأة المبادرة وشجاعة الخطاب الذي تعالى على الجراح، والبعض، وأنا منهم، لم يكن متفائلا بأن تكون الاستجابة بالمستوى ذاته. والسبب واضح، فما بين الخطابين العربيين السياسيين في المنطقة فرق كبير وبون شاسع؛ لأن الخلافات "كثيرة وعميقة الجذور، والفرز مطلق"، كما قالت جريدة السفير اللبنانية نفسها صبيحة اليوم التالي للقمة.

كثير من الصحف اللبنانية القريبة من خط حزب الله أو سورية، أو منهما معا، مثل السفير والأخبار، وحتى بعض الصحف السورية "المستقلة" شككت بالمصالحة حينها، ورأت أنه يجب أن "تبنى على أسس"، حسب جريدة الأخبار اللبنانية، والآن اتضح لنا ما المقصود بـ"الأسس"، أي: الاندراج الكامل في الرؤية التي تمثل فريق حزب الله وحلفاء سورية في لبنان تجاه موضوع المحكمة الدولية لقتلة رفيق الحريري ومن معه، وتجاه وضع سلاح حزب الله، وتجاه التنمية والسلام أو المقاومة والحرب.

مذكرات الجلب السورية هي إشارة سيئة للمناخ المقبل في لبنان؛ فهو مناخ أمني تخويني، يكفي أن يقوده، إعلاميا وشوشرة قضائية، رجل مثل جنرال الأمن في عهد الوصاية السورية جميل السيد.

ليست مذكرات الجلب فقط، بل حتى أجواء زيارة الرئيس الأسد إلى طهران ترسل إشارات بهذا الاتجاه، وتؤكد ما ذكره حسن نصر الله قبل فترة قريبة عن توثق العلاقات وتعمقها بين دمشق وطهران في هذا الوقت بالذات، زيارة الأسد لطهران، تليها الزيارة "الإلهية" المرتقبة لأحمدي نجاد إلى لبنان، وبالذات مرافق ومربعات دولة حزب الله في لبنان، وهذه هي أيضا إشارات سلبية أخرى.

الخلافات بين سورية وإيران ومن معهما من طرف، والسعودية ومصر ومن معهما من طرف آخر، هي خلافات استراتيجية حقيقية، يجب أن ينظر إليها من هذه الزاوية، لأهل الحكم في دمشق رؤيتهم الخاصة تجاه ما يجري في المنطقة، منذ مفاعيل (11 سبتمبر/ أيلول 2001) وصولا إلى الزلزال الأكبر وهو اغتيال رفيق الحريري (14 فبراير/ شباط 2005) وما تبع ذلك من الهبة الشعبية اللبنانية و"ثورة الأرز" كما سميت، وإخراج الجيش السوري والوجود الأمني الرسمي له من لبنان، وما جرى في العراق المجاور لسورية، وكيفية التعامل مع إيران، وحزب الله وحماس، في هذه الملفات الكبرى كلها، لدى دمشق رؤيتها وتفسيرها ومصالحها أيضا، ولمصر والسعودية رؤية وتفسير وقراءة ومصالح مختلفة تماما، هل يمكن جسر المسافة بين قمتي الجبل؟ ربما، أو ربما يمكن على الأقل التوصل إلى "حد أدنى" يمكن التوافق عليه، في العراق مثلا، كان هناك، في الفترة الأخيرة موقف سعودي - سوري - مصري متقارب تجاه وحدة العراق وعروبته، وفي اليمن كان الموقف السوري "المعلن" هو مساندة الحق السعودي في محاربة الميليشيا الحوثية على الحدود الجنوبية، لكن في لبنان وفلسطين من الواضح أن هناك "تصادما" في الرؤية السعودية والمصرية مع الرؤية السورية.

من الغلط، طبعا، أن نهمل العامل الأميركي في الأزمة، هو فاعل دولي أكبر، فنمط إدارة الرئيس أوباما للأزمات في الشرق الأوسط نمط غير حاسم، قائم على التسويف والمبادئ الأخلاقية العامة وشراء الوقت، وعدم وجود رؤية واضحة تجاه المخاطر التي تهدد الأمن "من وجهة نظر المخطط الأميركي طبعا"، وهذا، ربما، هو ما شجع الآخرين، وأولهم إيران، على عدم المبالاة، ليس هناك ما يخسر ولا ما يربح من قبل أميركا.. لذلك عادت اللعبة الإقليمية إلى قواعدها التي كانت قبل 11 سبتمبر 2001 وقبل 14 مارس (آذار) 2005 بالنسبة لسورية في لبنان.

نعم، هناك خلافات حقيقية وجوهرية في الرؤية السياسية والمستقبلية للمنطقة، ولا مناص من تقدم إحدى الرؤيتين على حساب الأخرى؛ لأن ما يحدث هو "اختلاف تضاد وليس اختلاف تنوع"، هذا حسب المشهد الآن، ربما يختلف الحال، ربما تأتي معطيات أخرى، ربما تحصل أحداث كبرى تخلط الأوراق من جديد، ربما تتغير ثقافة القرار، ربما تهدأ "القلوب والعقول".. هنا اعتبارات كثيرة تجعل من الصعب القول "بثبات" الحال وجوهرانيته، ولكن حسب المشاهد فإننا، للأسف، أمام مشهد متوتر وخلاف مقيم وعميق، حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الساحة
Dania -

سيكون لبنان هو المفعول به وهو الساحة وهو كبش المحرقة في صراع إيران مع العرب ليس لأن العرب أو بالأحرى السعودية وحلفائها يريدون ذلك، بالعكس، فهم من أشد الحريصين على إستقرار هذا البلد، ولكن بسبب طيش وغباء عملاء إيران في لبنان الذين لا يتوانون عن بيع وطن وتاريخ بكاملهما من أجل راتب شهري وجعبة سلاح تزوده بها إيران. ما أغبى من يعتقد أن إيران يهمها مصلحتنا في لبنان والأغبى من يعتقد أن هناك شيء إسمه مقاومة. مقاومة ماذا وأرضنا محررة بكاملها وليس بسبب حزب الله بل بسبب رغبة إنسحاب أحادية الجانب اتخذها باراك، فقد بقي الإسرائليون ما يقارب العقدين في جنوب لبنان ولم تنفع معهم لا مقاومة بائسة ولا عنتريات وعندما قرروا الإنسحاب انسحبوا، فيكفي صدع رؤوسنا بأسطوانات المقاومة وما إلى ذلك وما هي سوى مطية للسيطرة على هذا البلد. أما للمصرين على هذا الإنتحار الجماعي فليذهبوا وليقاوموا عند أسيادهم السوريين فهناك الجبهة أكبر والأرض المحتلة فعلاً محتلة ومن أكثر من 30 سنة، فليفتحوها لكم أسيادكم المتاجرين بدماء ومستقبل وطننا وابنائه ولا تنسوا أن تحملوا معكم زعيمكم المجاهد من الحفرة نظرأ للضرورات الأمنية وبعد....

to Dania
كركوك أوغلو -

الله حيو دانية كيف الجو بنهاريا الشباب هون بحيفا كلهن مشتاقين

to Dania
كركوك أوغلو -

الله حيو دانية كيف الجو بنهاريا الشباب هون بحيفا كلهن مشتاقين

السياسة الجيدة
سيف الحق العربي -

السياسة الجيدة أحياناً قد تعطي نتائج سلبية والأكيد أن المشكلة ليست في السياسة المتبعة لكنها في العقول الأخرى التي لم تقدر ولم تعي حقيقة هذه السياسة وأقصد من السعودية تجاه سوريا أو من أوباما تجاه إيران , المعلوم ألأكيد أن السياسة الجيدة ستستمر وأن العقول الأخرى يجب عليها الإنفتاح والفهم الحقيقي للواقع والمسارعة للإنسجام مع الواقع والعقل بلا شعارات وأعمال تدل على عدم الفهم والتمادي في السياسات الرعناء (( من يبني على أوهام ستصدمه الحقائق ))

الساحة
Dania -

سيكون لبنان هو المفعول به وهو الساحة وهو كبش المحرقة في صراع إيران مع العرب ليس لأن العرب أو بالأحرى السعودية وحلفائها يريدون ذلك، بالعكس، فهم من أشد الحريصين على إستقرار هذا البلد، ولكن بسبب طيش وغباء عملاء إيران في لبنان الذين لا يتوانون عن بيع وطن وتاريخ بكاملهما من أجل راتب شهري وجعبة سلاح تزوده بها إيران. ما أغبى من يعتقد أن إيران يهمها مصلحتنا في لبنان والأغبى من يعتقد أن هناك شيء إسمه مقاومة. مقاومة ماذا وأرضنا محررة بكاملها وليس بسبب حزب الله بل بسبب رغبة إنسحاب أحادية الجانب اتخذها باراك، فقد بقي الإسرائليون ما يقارب العقدين في جنوب لبنان ولم تنفع معهم لا مقاومة بائسة ولا عنتريات وعندما قرروا الإنسحاب انسحبوا، فيكفي صدع رؤوسنا بأسطوانات المقاومة وما إلى ذلك وما هي سوى مطية للسيطرة على هذا البلد. أما للمصرين على هذا الإنتحار الجماعي فليذهبوا وليقاوموا عند أسيادهم السوريين فهناك الجبهة أكبر والأرض المحتلة فعلاً محتلة ومن أكثر من 30 سنة، فليفتحوها لكم أسيادكم المتاجرين بدماء ومستقبل وطننا وابنائه ولا تنسوا أن تحملوا معكم زعيمكم المجاهد من الحفرة نظرأ للضرورات الأمنية وبعد....

السياسة الجيدة
سيف الحق العربي -

السياسة الجيدة أحياناً قد تعطي نتائج سلبية والأكيد أن المشكلة ليست في السياسة المتبعة لكنها في العقول الأخرى التي لم تقدر ولم تعي حقيقة هذه السياسة وأقصد من السعودية تجاه سوريا أو من أوباما تجاه إيران , المعلوم ألأكيد أن السياسة الجيدة ستستمر وأن العقول الأخرى يجب عليها الإنفتاح والفهم الحقيقي للواقع والمسارعة للإنسجام مع الواقع والعقل بلا شعارات وأعمال تدل على عدم الفهم والتمادي في السياسات الرعناء (( من يبني على أوهام ستصدمه الحقائق ))

to Dania
كركوك أوغلو -

الله حيو دانية كيف الجو بنهاريا الشباب هون بحيفا كلهن مشتاقين

السياسة الجيدة
سيف الحق العربي -

السياسة الجيدة أحياناً قد تعطي نتائج سلبية والأكيد أن المشكلة ليست في السياسة المتبعة لكنها في العقول الأخرى التي لم تقدر ولم تعي حقيقة هذه السياسة وأقصد من السعودية تجاه سوريا أو من أوباما تجاه إيران , المعلوم ألأكيد أن السياسة الجيدة ستستمر وأن العقول الأخرى يجب عليها الإنفتاح والفهم الحقيقي للواقع والمسارعة للإنسجام مع الواقع والعقل بلا شعارات وأعمال تدل على عدم الفهم والتمادي في السياسات الرعناء (( من يبني على أوهام ستصدمه الحقائق ))

السياسة الجيدة
سيف الحق العربي -

السياسة الجيدة أحياناً قد تعطي نتائج سلبية والأكيد أن المشكلة ليست في السياسة المتبعة لكنها في العقول الأخرى التي لم تقدر ولم تعي حقيقة هذه السياسة وأقصد من السعودية تجاه سوريا أو من أوباما تجاه إيران , المعلوم ألأكيد أن السياسة الجيدة ستستمر وأن العقول الأخرى يجب عليها الإنفتاح والفهم الحقيقي للواقع والمسارعة للإنسجام مع الواقع والعقل بلا شعارات وأعمال تدل على عدم الفهم والتمادي في السياسات الرعناء (( من يبني على أوهام ستصدمه الحقائق ))