جريدة الجرائد

التجنيد الإجباري في مواجهة البطالة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

محمد عبد اللطيف آل الشيخ

مَنْ عاصر فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الميلادي المنصرم لا بد أنه يتذكر أن (ثقافة العمل) والبحث عن الرزق كانت شائعة بين أوساط الشباب ومتوسطي العمر كذلك. كانت كل فئات المجتمع العمرية تعمل في الأعمال كافة، سواء في قطاع الخدمات، أو في القطاع الزراعي، أو في الأعمال المهنية الأخرى. وعندما ظهرت الطفرة الاقتصادية التي عرفتها البلاد في منتصف السبعينيات من القرن الماضي كان من أهم سلبياتها وفود الأيدي العاملة الرخيصة من الخارج، وتفضيل السعوديين العمل المكتبي الإداري أو الريعي أو الاستثماري المريح، وترك الأعمال الميدانية للأجانب. آنذاك لم تكن (البطالة) مفردة اقتصادية معروفة في المجتمع؛ فالفرص متوافرة للجميع، والدخل المُجزي لا يحتاج إلى كثير عناء. وخلال ثلاثة عقود من طفرة السبعينيات، ونتيجة للانكماش الاقتصادي الذي عرفه العقد الأخير من القرن الميلادي الماضي، بدأت مشكلة البطالة تمد عنقها وتتفاقم معدلاتها شيئًا فشيئًا. كانت من أهم عوائق عمل السعوديين، وبالذات الشباب منهم، وتفشي البطالة، غياب (ثقافة العمل). الجيل الجديد ينفر من المهن التي كان آباؤه وأجداده يعملون فيها، ويجد أنها تعيبه، وتُنقص من قدره، ويفضل عليها المهن الإدارية، وإذا اضطر فالعمل مجرد (سيكيورتي) حتى ولو كان الراتب زهيدًا. إعادة ثقافة العمل إلى ما كانت عليه قبل الطفرة هي الخطوة الأولى والأهم لمواجهة البطالة، دونها سنظل نرى هذه المعضلة تكبر وتتضخم حتى تعصف باستقرار المجتمع وتوازنه ونحن لا نحرك ساكنًا.

ولا أجد في رأيي حلاً عمليًّا لإعادة ثقافة العمل و(انضباطية) الشاب والتزامه في أداء عمله مثل اعتماد (التجنيد الإجباري) لمدة لا تقل عن سنة على شريحة الشباب، بحيث يجري تدريبهم - إضافة إلى التعامل مع السلاح الخفيف للدفاع - على بعض الأعمال الخدمية المساندة للمؤسسات العسكرية، مثل: قيادة الشاحنات، صيانة الطرق والتعامل مع معدات هذه الصيانة، صيانة المنشآت والمباني ومحتوياتها، أعمال الإعاشة وتوفير الغذاء، وغيرها من الخدمات المساندة؛ فالمؤسسات العسكرية، وكذلك الأمنية، تحتاج من الخدمات ما يجعلها مجالاً مثاليًّا للتدريب على كيفية مواجهة الحياة بالنسبة إلى الشاب، وأهمها على الإطلاق (الانضباطية) في أداء المهمات؛ وغنيٌ عن القول إن ضعف الانضباطية والالتزام في أداء الأعمال هو أحد العوائق الرئيسة التي يشكو منها أرباب الأعمال في الشباب السعودي؛ زرع الانضباطية في نفوس الشباب سيكون له بلا شك دور قوي في محاصرة البطالة، هذا إضافة إلى أن التدريب في هذه المجالات سينعكس - أيضاً - على محاصرة (الترف) وتعويد الشباب على الخشونة والجديّة، امتثالاً لقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم".

أعرف أن هناك من ستقفز إلى ذهنه وهو يقرأ مثل هذا الاقتراح معضلتنا مع العنف والإرهاب؛ على اعتبار أن تدريب الشباب على السلاح قد يصب في مصلحة الإرهابيين ويقرب الشباب من العنف والإرهاب. قد يبدو هذا التحفظ للوهلة الأولى صحيحاً، غير أن التفكير بعمق في قضيتنا مع الإرهاب يجعل من هذا التحفظ غير ذي قيمة؛ فالإرهاب هو في المقام الأول فكر وثقافة، قبل أن يكون تعاملاً مع السلاح. وعندما يعتنق الشاب مفاهيم التشدد (الحركي)، وينوي الانخراط في العمل الإرهابي، فسيجد من يُدربه على السلاح سواء داخل المملكة أو خارجها، وتجاربنا في هذا المجال تثبت صحة ما أقول، بل إن مثل هذه المعسكرات الشبابية قد تكون مجالاً جيدًا لتوعية الشباب وتحصينه (ثقافيًّا) من هذه الآفات التدميرية، المهم أن يتم إبعاد (الحركيين) من هذه المعسكرات التدريبية تمامًا، وأكرر تمامًا.

وختامًا أقول: هذه مجرد فكرة يجب أن نفكر فيها بعمق، ونعمل على تطويرها، ولا تثنينا بعض المحاذير الشكلية من توظيفها في ترسيخ وتجذير (ثقافة العمل) بين الشباب؛ فالبطالة ونتيجتها الحتمية (الفقر) هما على المديَيْن المتوسط والطويل أهم الأخطار على الإطلاق التي تواجه مجتمعنا.

إلى اللقاء.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
اختلف معك
الشاوي -

اسف سيدي ليس العسكر الحل الامثل للبطاله . البطاله نتيجة طبيعيه للنمو السكاني . المشكله الحقيقيه هي ضعف تعليم وتاهيل طالبي العمل .ارجو البحث عن اموال صندوق الموارد البشريه وما الت اليه واللتي يمولها القطاع الخاص . لماذ ذهبت اموال الصندوق لدعم شركات كبري تربح مئات الملايين . ولم توجه اموال الصندوق الي انشاء مراكز تدريب حتي لحراس الامن .او قيادة الشاحنات. لماذا لايبتعث طالب العمل للدراسه في مهن اداريه مثل السكرتاريه والحسابات والمبيعات ليدرس باللغه الانجليزيه ومن ثم يتقبله سوق العمل . خريجي جامعة الامير سلطان كمثال في التسويق والماليه تتخاطفهم البنوك بمرتبات عاليه لان تاهليهم عالي .لماذ لايبتعث خريجي اللغه العربيه او العلوم النظريه لدراسة تخصص اخر مثل التسويق او الماليه او صيانة الحاسب . للمعلوميه اليوم ومن تجربه قائمه مرتب سائق الشاحنة الذي يحمل رخصة قياده عمومي يصل الي اربعة الاف ؟

اختلف معك
الشاوي -

اسف سيدي ليس العسكر الحل الامثل للبطاله . البطاله نتيجة طبيعيه للنمو السكاني . المشكله الحقيقيه هي ضعف تعليم وتاهيل طالبي العمل .ارجو البحث عن اموال صندوق الموارد البشريه وما الت اليه واللتي يمولها القطاع الخاص . لماذ ذهبت اموال الصندوق لدعم شركات كبري تربح مئات الملايين . ولم توجه اموال الصندوق الي انشاء مراكز تدريب حتي لحراس الامن .او قيادة الشاحنات. لماذا لايبتعث طالب العمل للدراسه في مهن اداريه مثل السكرتاريه والحسابات والمبيعات ليدرس باللغه الانجليزيه ومن ثم يتقبله سوق العمل . خريجي جامعة الامير سلطان كمثال في التسويق والماليه تتخاطفهم البنوك بمرتبات عاليه لان تاهليهم عالي .لماذ لايبتعث خريجي اللغه العربيه او العلوم النظريه لدراسة تخصص اخر مثل التسويق او الماليه او صيانة الحاسب . للمعلوميه اليوم ومن تجربه قائمه مرتب سائق الشاحنة الذي يحمل رخصة قياده عمومي يصل الي اربعة الاف ؟

Wrong
Abdulateef -

Even though I always read your articles with interest, but this is the only time I totally disagree you with you. The right draft is only done by very well to do countries and they lack the number of slodiers. Norway and Canada just announced that they do not have enough military men or women. This is not the case with us. You need Wastah just to go in the saudi military. If you introduce the draft in Saudi Arabia, then you will have a very unbalanced society in regard to civilian-military ratio.We hear about mega projects in the Kingdom without any increase in job openning. In the U.S.A. the minute you annonce a project, there is a chart to show the number of jobs the project is making. We in Saudi Arabia, announced the alharamain railroad project with an announcment of bringing in the Kingdom one thousand egyptian workers....no Saudis

سيدي
أبوزياد -

مشكلة البطالة اقتصادية و ليست سلوكية ، فمن المستحيل ان ينافس الأغلى و الأقل الجودة الأرخص و الأكفاء. الحل بمزيد من التدريب و التعليم و رفع تكاليف الاستقدام حتى لا تكون بلادنا مستوردة لبطالة الأخرين أيضا .

فكرة جديرة بالإهتمام
سيف الحق العربي -

إنها حقاً فكرة تستحق الدراسة المتعمقة من جميع الجوانب بلا إبطاء وإبراز إيجابياتها ومعرفة سلبياتها وتلافيها , بل أكاد أجزم أنها ستحل كثير من المشاكل وستكون رافداً للتقدم والتطور والأمن وتدريباً مفيد وستكون وطنية وداعمة لمكافحة الإرهاب والقضاء على البطالة المصنعة وسيكونوا خير ذخر للوطن فشكراً لكاتبنا الكبير والحريص سدد الله خطى حكومتنا الرشيدة ونفع بها الوطن والمواطنيين