لبنان: العنف وسيلة السياسة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عبدالله اسكندر
لقي "اتفاق الدوحة" إجماعاً من الأطراف اللبنانيين المتنازعين المجتمعين في العاصمة القطرية بعد أعمال حربية شهدتها بيروت والمناطق المحيطة بها في السابع من أيار (مايو) 2008، بفعل تضمنه بنداً يستبعد العنف من العمل السياسي. وكان هذا البند الذي تعهده الأطراف، بمن فيهم قوى "8 آذار" وقوتها الضاربة "حزب الله"، وراء التنازلات السياسية التي قدمها فريق "14 آذار" في هذا الاتفاق، خصوصاً أنه كان عاجزاً عن مواجهة العنف بالعنف، رغم حيازته حينذاك غالبية برلمانية.
في مقابل التخلي عن العنف، استطاعت قوى "8 آذار" أن تحصل على مكاسب في السلطة، وحتى في النظام السياسي، بما شكل خروجاً عن التسوية التاريخية المعروفة باسم "اتفاق الطائف".
وأدركت هذه القوى حجم هذه المكاسب حتى بات "اتفاق الدوحة" مرجعيتها في نظرتها الى السلطة، وحكم تمسكها بالبنود السياسية فيه التوافق على رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة الأولى بعد الانتخابات النيابية التي أحرزت فيها قوى "14 آذار" تقدماً في التمثيل، وكذلك مرجعيتها في إدارة شؤون الدولة.
وربما كانت هذه الطريقة وكيفية تقاسم السلطة وراء فقدان العمل الحكومي فعاليته، وزيادة تدهور الوضعين الاجتماعي والمعيشي، بعدما باتت البلاد تواجه معضلة بين التوافق المستحيل والمواجهة الداخلية. وجرى، عملياً، تحييد دور رئيس الجمهورية وتعطل عمل مجلس الوزراء ورئيسه. وبات كل وزير صاحب "اقطاعية" يعمل فيها ما يشاء مستمداً قوته ليس من صفته الوزارية، ووقوف الحكومة ورئيسها معه كما يقتضي العمل الوزاري الدستوري، وانما من انتمائه السياسي أو الطائفي، كما يفرضه ميزان القوى على الأرض.
وبدا خلال الشهور الأولى من عمر الحكومة الحالية، وحتى بدء مصالحة رئيسها مع السلطة السورية، أن الجميع في لبنان باتوا قابلين بحدود اللعبة التي ارتسمت بعد "اتفاق الدوحة"، رغم ما تركه من سلبيات على عمل الدولة. لكن هذه المصالحة لم تصل بعد الى حدود التراجع عن المحكمة الدولية لمقاضاة المشتبه بهم في اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري. لتصبح هذه القضية، وما تفرع عنها من مطالب متعلقة بإلغائها وشهود زور وإستدعاءات، المبرر للتخلي عن بند العنف في "اتفاق الدوحة"، ما دام المعترضون على المحكمة يخيّرون مؤيديها بينها وبين السلم الأهلي.
أي إن السياسة فقدت قيمتها كوسيلة لحل الخلافات وأصبح العنف هو وسيلتها. وفقدت التسويات والتوافقات صفتها كأدوات لإرساء السلم الأهلي، ما دامت مهددة دائماً بالعنف ما لم تستجب لرغبات الطرف الأقوى على الأرض.
هذا العنف لا ينحصر في إدارة الوضع الداخلي فحسب، وانما يتجاوزه الى كل العلاقات الدولية للبلد التي تصبح مرهونة لمساعي تفادي المواجهة، وتالياً غير خاضعة للمصالح التي يمكن أن تنتج منها، خصوصاً تلك المتعلقة بالحماية التي يمكن أن توفرها الشرعية الدولية للبلدان الضعيفة المعرضة للتهديد، مثل لبنان.
في هذا المعنى، يُفرض على البلد نمط آحادي وسياسة فئوية، من دون الأخذ في الاعتبار التنوع والتعدد اللذين يُنظر إليهما في هذه الحال على انهما تهديد تنبغي مواجهته بالعنف، بغض النظر عن الشكل الذي يتخذه هذا العنف وصولاً الى أعلى مراتبه، أي القوة المسلحة المتوافرة والمتزايدة.