قمة العرب في سرت و"عمارة الأمن الإقليمي"
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
محمد السعيد ادريس
من المقرر أن تشهد مدينة سرت الليبية يوم السبت (التاسع من اكتوبر/ تشرين الأول الجاري) أعمال القمة العربية الاستثنائية على أن تعقبها قمة عربية إفريقية، وإذا كان هناك بندان أساسيان على جدول أعمال تلك القمة هما مشروع الهيكلية الجديدة لجامعة الدول العربية الذي تقدمت به اللجنة الخماسية الرئاسية المؤلفة من ليبيا ومصر والعراق وقطر واليمن، إضافة إلى دراسة الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى حول تأسيس رابطة الجوار العربي، فالمؤكد أن بند ما يستجد من أعمال سيكون هو الآخر وارداً، وليس هناك ما هو أهم وأخطر ليفرض نفسه على تلك القمة كموضوع أولى بالبحث واتخاذ القرارات السريعة من تلك الضمانات الأمريكية غير المسبوقة للكيان الصهيوني والتي تتجاوز حدود ما يمكن اعتباره من متعلقات الصراع العربي الصهيوني، وبالذات ما تضمنته حزمة الإغراءات والحوافز التي عرضها الرئيس الأمريكي باراك أوباما على رئيس حكومة الكيان لمجرد القبول بتمديد تجميد الاستيطان في الضفة الغربية، وتتعلق بهيكلية الأمن الإقليمي في المنطقة .
فما عرضه أوباما على نتنياهو يتجاوز كل الحدود، لأنه يقرر، في هذه المقترحات، ما يجب أن يقبل به العرب في إدارة مصالحهم وعلاقاتهم الإقليمية وأمنهم الوطني والقومي، وماذا عليهم أن يفعلوا وأن يقبلوا؟ وماذا عليهم أن يرتضوا من دون استشاراتهم ومن دون أي احترام لإرادتهم الوطنية، ما يجعله رئيساً وزعيماً للمنطقة وحاكماً متفرداً أو مندوباً سامياً ضارباً عرض الحائط بحقيقة أن هذه المنطقة هي لشعوبها ولدولها وسلطاتها وسيادتها الوطنية .
فإذا كان أوباما قد سبق أن تعهد بقبول تحويل ldquo;إسرائيلrdquo; إلى ldquo;دولة يهوديةrdquo; أي دولة لا يعيش فيها غير اليهود أو دولة لليهود، كل اليهود، أياً كانت جنسياتهم وأوطانهم قبل أن تبدأ المفاوضات المباشرة التي فرضها عنوة على الفلسطينيين والعرب، وهي الشرط الأول من شروط نتنياهو لقيام دولة فلسطين، فإنه قبل في تلك الصفقة من الحوافز والتعهدات الجديدة بالشرط الثاني وهو ضمان أمن ldquo;إسرائيلrdquo; أو جعل هذا الأمن شرطاً حاكماً لكل ما يتعلق ب ldquo;عملية التسويةrdquo;، وضمان استمرار سيطرة الجيش ldquo;الإسرائيليrdquo; على غور الأردن عند التوصل إلى الاتفاق النهائي، كما أنه تعهد بتزويد الكيان بأسلحة جديدة متطورة من بينها سرب إضافي من طائرات ldquo;إف 35rdquo; التي لم تحصل عليها أي دولة في العالم، ناهيك عن تعهده بإحباط أي محاولة من المجموعة العربية بطرح الموضوع الفلسطيني على مجلس الأمن، ورغم ذلك لم يقبل نتنياهو بالصفقة ورفضها، وهو الرفض الذي لم يتصوره أو يصدقه أعتى الشيوخ والنواب المتشددين في دعمهم للكيان داخل الكونغرس الأمريكي، لدرجة أن 11 عضواً يهودياً من هؤلاء أصيبوا بصدمة كبرى لدى سماعهم تفاصيل الصفقة من دنيس روس أقرب المقربين للكيان ومستشار الرئيس الأمريكي وقالوا ldquo;من كتب رسالة الضمانات هذه يبدو كمن فقد صوابه . . إذا كان الرئيس أوباما على استعداد لتقديم هذه الضمانات في مقابل تجميد البناء 60 يوماً، فماذا سيقدم ل ldquo;إسرائيلrdquo; في حال التوصل إلى اتفاق سلام شامل؟ هل سيعطيها بورت نوكس؟rdquo; .
لكن ما خفي كان أعظم، وهو ما يخص هيكلية الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط، فقد تعهد أوباما في رسالة الضمانات التي احتوت تلك الحوافز والتعهدات أن يطالب الدول العربية للاحتشاد بشكل مشترك في مواجهة الخطر الإيراني وبلورة اتفاق للأمن الإقليمي يتم التوقيع عليه بعد قيام الدولة الفلسطينية ضمن منظومة أمن إقليمية جديدة أعطاها مسمى ldquo;عمارة الأمن الإقليميrdquo; وهدفها المركزي هو اختيار كافة الخيارات في مواجهة إيران، ضمن شراكة أمنية عربية ldquo;إسرائيليةrdquo; .
إدراج رسالة الضمانات الأمريكية على جدول أعمال قمة سرت المقبل أمر مهم وضروري وحيوي، لكن ما هو أهم منه وأكثر ضرورة وحيوية بحث منظومة العلاقات العربية الأمريكية في ظل كل هذا الازدراء الأمريكي للعرب وسيادتهم الوطنية والقومية، خاصة أن فضح رسالة الضمانات الأمريكية جاء بعد أسبوع واحد تقريباً من المواجهة التي خاضتها الولايات المتحدة ضد العرب في المؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا ونجحت في إخفاق مشروع القرار العربي الذي كان يطالب الكيان الصهيوني بالتوقيع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية والخضوع لترتيبات الوكالة الخاصة بالتفتيش على منشآت الكيان النووية خطوة أولى للبدء في تنفيذ القرار الخاص بجعل الشرق الأوسط إقليماً خالياً من الأسلحة النووية .
إن إسقاط الأمريكيين لهذا المشروع يعني أنهم ضد دعوة منع الانتشار النووي، أي بفرض دولة الكيان دولة نووية كأمر واقع، وها هم يخططون للعرب لفرض هيكلية جديدة للأمن الإقليمي تربط بين العرب وrdquo;إسرائيلrdquo; النووية المتفوقة عسكرياً ضد إيران، مع تمكين الكيان من فرض مشروعه للسلام مع العرب على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني .
مطلوب مراجعة إدارة العلاقات العربية مع الولايات المتحدة وأخذ مواقف حاسمة بهذا الخصوص .