جريدة الجرائد

كرم أوباما على الفلسطينيين وكرمه على عدوهم

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

ياسر الزعاترة

خصص الرئيس الأمريكي أوباما أكثر من ربع خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة للملف الفلسطيني، ولذلك دلالة واضحة على الأزمة التي يعانيها الرجل مع اللوبي الصهيوني الذي يريد منه تقديم المزيد من الأدلة على حرصه على الدولة العبرية وأمنها ومستقبلها، وذلك بعد فاصل من التوتر أدى إلى تشكيك البعض بنواياه حيالها، والأرجح أنه لن يسمح لنفسه بتكرار تلك التجربة، ليس فقط من أجل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في شهر تشرين ثاني/ نوفمبر القادم، بل إدراكا منه لضعفه وقدرة اليهود على إثارة المتاعب له ولإدارته طوال ولايته، فضلا عن حرمانه من ولاية ثانية إذا كان يحلم بها من الأصل.
في الخطاب قدم أوباما للفلسطينيين بعض المقبلات ممثلة في مطالبة نتنياهو بتمديد تجميد الاستيطان في الضفة الغربية (لم يحدث ذلك كما يعلم الجميع)، إلى جانب الوعد التقليدي لسائر الرؤساء الأمريكيين منذ عقود ممثلا في الدولة الفلسطينية، لكنها هنا، وربما في محطات سابقة ليست الدولة المستقلة كاملة السيادة على حدود الرابع من حزيران كما تنص قرارات الشرعية الدولية (لم تذكر تلك القرارات في الخطاب لأن التفاوض هو المرجعية وليس شيئا آخر)، وقد ورد ذكر الدولة في عبارة تقول "يجب أن يفهم الذين بيننا ممن هم أصدقاء إسرائيل أن الأمن الحقيقي للدولة اليهودية يتطلب قيام دولة فلسطينية مستقلة، دولة تسمح للشعب الفلسطيني بالعيش بكرامة وتحقق له الفرص".
هنا لا ذكر لماهية تلك الدولة وحدودها ومساحتها وعاصمتها، لأن كل ذلك منوط بالتفاوض كما أسلفنا، وإذا كان الرئيس الأمريكي يرجو نتنياهو تمديد تجميد الاستيطان في الضفة الغربية، رغم أنه استيطان على الأراضي المحتلة عام 67، فكيف ستكون تلك الدولة وعلى أية أرض؟!
في مقابل هذا الوعد الغامض، على الطرف الفلسطيني بحسب أوباما أن يحقق الأمن للدولة العبرية، ولا يتوقف الأمر على الفلسطينيين، فقد قال أوباما بالحرف: "إن الكثيرين من الموجودين في هذه القاعة يحسبون أنفسهم أصدقاء للفلسطينيين (يقصد العرب)، ولكن يجب أن تدعم الأفعال هذه التعهدات الآن. وينبغي على أولئك الذين وقَّعوا على المبادرة العربية للسلام اغتنام هذه الفرصة لجعلها حقيقة واقعة من خلال اتخاذ خطوات ملموسة نحو التطبيع الذي وَعدت به المبادرة إسرائيل".
اللافت هو استخدام الرئيس الأمريكي لمصطلح الحكم الذاتي في وصف السلطة، ومطالبة العرب بدعمها لإنشاء الدولة حيث قال: "على أولئك الذين يجاهرون بدفاعهم عن الحكم الذاتي الفلسطيني مساعدة السلطة الفلسطينية سياسيا وماليا، لأنهم بذلك يساعدون الفلسطينيين على بناء مؤسسات دولتهم".
ومع أن ذلك كله، أعني دعم السلطة من أجل بناء المؤسسات يشكل مصلحة إسرائيلية صرفة، وتطبيقا لبرنامج نتنياهو (السلام الاقتصادي)، إلا أن أوباما قدم للإسرائيليين هدية أخرى، حيث قال: "إسرائيل دولة ذات سيادة، وهي الوطن التاريخي للشعب اليهودي. وينبغي أن يكون واضحا للجميع أن الجهود الرامية للنيل من شرعية إسرائيل سوف تواجه معارضة لا تتزعزع من جانب الولايات المتحدة". وكان أوباما في رسالته لنتنياهو بمناسبة ما يسمى عيد الاستقلال قد قال: "إن فلسطين التاريخية هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي".
كان لافتا بالطبع أن هذا الإصرار على ما يعرف بيهودية الدولة العبرية قد وجد استجابة من طرف الرئيس الفلسطيني الذي قال لزعماء اللوبي الصهيوني إنه "إذا أراد الشعب الإسرائيلي أن يسمي نفسه بما يشاء فهو حر في ذلك"، من دون أن ينسى القول إن "أمن إسرائيل هو أمننا". ونتذكر في رحلته الماضية كيف قال للصهاينة أنفسهم إنه "لن ينفي حق الشعب اليهودي على أرض فلسطين المحتلة"، وذلك لا يعني فقط إسقاط حق العودة، وإنما تعريض وجود فلسطينيي 48 في أماكنهم للخطر.
هل ثمة غموض في هذا البرنامج الذي يتحرك على الأرض برعاية دايتون وبلير وفياض، ويُراد اليوم دعمه بمواقف عربية تؤدي إلى دولة فلسطينية بشروط نتنياهو مع صفقة نهائية تنهي النزاع، أو صفقة من نوع آخر تبقي تلك الدولة في حالة نزاع حدودي مع جارتها لعدم إمكانية التوصل إلى حل لملف القدس واللاجئين؟ ليس ثمة غموض، لكن تسويقه يحتاج بعض "البروباغندا"، إلى جانب شيطنة الطرف الفلسطيني الآخر (حماس)، وبالطبع حتى ييأس الناس ويقبلوا أي شيء، الأمر الذي لن يحدث بإذن الله، لأن شعب فلسطين سيعرف كيف ينقلب على هذه اللعبة ورموزها ويستعيد وعيه وبوصلته.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف