العراق : عدم مشاركة السنّة يعزز الخوف من قيام "الهلال الشيعي"
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الأزمة العراقية خلال هذا الشهر أو سقوط تداعياتها المتفجرة على لبنان والمنطقة
بغداد - أسعد حيدر
"لو كان يوجد جيش عراقي قوي، لقام بانقلاب عسكري". هذه المعادلة التي يقولها سياسي وباحث عراقي لعب دوراً في "ماكينة" غزو العراق ثم عاد إلى واشنطن "يأساً" من "اللعبة السياسية"، وربما لأنه لم يأخذ موقعاً يستحقه هي من أكثر من واقعة قائمة، إنها جرس إنذار حقيقي للسياسيين العراقيين مستقبلاً. يضيف الباحث العراقي حالياً: لقد تقدم وتطور الجيش العراقي كثيراً. خلال السنوات الأربع الماضية. قفز قفزات كبيرة. لكنه حالياً لا يستطيع أكثر من مواجهة أحداث أمنية في هذه المحافظة أو تلك.
لا يستطيع هذا الجيش رغم ان عديده حالياً نحو 650 ألف جندي، المحافظة على العراق في مواجهة حركة انفصالية كردية أو باختصار حرب كردية. وهو بطبيعة الحال لا يمكنه مواجهة أي هجوم خارجي. الجيش العراقي بحاجة إلى السلاح. حتى الآن تسليحه مثل تسليح القوى الأمنية الداخلية. يلزمه سلاح طيران وسلاح مدرعات. يتطلب هذا سنوات، خصوصاً وان العتاد وحده لا يصنع جيشاً. المطلوب التدريب وتراكم الخبرات.
السؤال الذي يطرحه العراقيون بقوة رغم انهم يخشونه في الوقت نفسه: متى يصبح عندنا جيش قوي يحمي العراق الموحد، وكيف لا يتحول إلى "سلاح" ضد الداخل من أجل السلطة، وفي الوقت نفسه لا يعيد احياء قلق ومخاوف الجيران حتى لو انه بعضهم "يغرس السكين" حالياً في "جسد العراق الضعيف". الاجابة عن هذا "الخطر المحتمل"، متروك للمستقبل. الاجابة الملحة حالياً هي على "الخطر القائم" وهو "لبننة العراق".
هذه "اللبننة" أصبحت تخيف العراقيين مثل خوف اللبنانيين حالياً من "العرقنة". لا يخفي العراقيون ارتياحهم من أن "عرقنة" بلادهم تراجعت رغم تقدم "فيروس اللبننة" وتطوره. عام 2006 كان العراقيون يتقلبون يومياً على نار تفجير 17 سيارة مفخخة. اللبنانيون يعرفون أكثر من غيرهم مآسي انفجار سيارة أو سيارتين في اليوم فكيف بـ17 سيارة. حالياً توجد "موجات" تهز "الهدنة" القائمة لكنها لا تطيحها. العراق يعيش حالياً فترة ما قبل صناعة "اتفاق الطائف"، الذي أقام الدولة اللبنانية التي ترقص على وقع رغبات بالانقلاب عليه من كل الطوائف بالسر أو علانية.
العراق "الملبنن"، ترجمته المباشرة انه "ليس من القوة ليعزل نفسه عن تداعيات ما يجري في منطقة الشرق الأوسط والعكس صحيح أيضاً لا يمكن عزل ما يجري في العراق عن المنطقة". حل الأزمة العراقية يجب أن يتم خارجياً أي بالتوافق بين القوى العربية والاقليمية زائد التفاهم مع الولايات المتحدة الأميركية. حصول هذا التوافق على حل الأزمة العراقية، يعني مباشرة خروج لبنان من دائرة الخطر، لأنه لا يمكن الفصل بين الدوائر المتداخلة في المنطقة خصوصاً العراق الذي يشكل "المركز" ولبنان الذي كان دائماً وأبداً نقطة "القطع والوصل" في المنطقة، يمرر عبرها مختلف القوى والأطراف "رسائلهم" المضمونة في أغلب الأوقات.
استمرار الأزمة في العراق لأكثر من ستة أشهر، خلق "مأزقاً تشريعياً" يتطلب حله فوراً. خلاصة المأزق ان الفصل التشريعي للبرلمان انتهى أو يكاد ينتهي في ايام. نوري المالكي لا يستطيع حالياً تقديم الميزانية. واذا ما كلف رئاسة الحكومة رسمياً يبقى تشكيل الحكومة، وهذا لن ينتهي في أيام، ربما يتطلب ذلك عدة أسابيع، لأن التنافس والتزاحم على "الحقائب" سيكون أكثر تعقيداً وحرارة من تسمية رئيس للوزراء. ما يعزز هذه المخاوف، وجود "فيتو" أميركي على تولي وزراء من "الصدريين" أي وزارة أو مناصب أمنية في وقت يقال إن الاتفاق المعقود بين المالكي والسيد مقتدى الصدر يتناول مواقع أمنية ووزارة سيادية. أيضاً ماذا عن "السنة" يشاركون أو لا يشاركون بوجود "العراقية" أو بدونها؟.
اياد العلاوي مصرّ على عدم المشاركة ضمن المسار الحالي لعملية حل الأزمة. يؤكد علاوي وانصاره ان "الأساس هو في البرنامج وليس في الحصص". يبدو حتى الآن ان التوافق الأميركي الإيراني السوري فاعل لكنه غير حاسم. لتركيا والسعودية "كلمة" في صياغة الحل وتثبيته. مشاركة كل القوى واجبة لأصحاب الحل والربط. دمشق وان كانت تتفق مع طهران وواشنطن، الا انها تتقاطع مع أنقرة والرياض حول أن تضم الوزارة المشكلة كل الأطياف العراقية السياسية والقومية والعرقية والمذهبية.
ليست المشكلة أحادية محصورة في السنّة وما سيفعلونه إذا "قاطعوا" أو "دُفعوا" إلى المقاطعة وهل يكون انزلاقهم نحو العنف هو الخيار الذي في بعض جوانبه "حل انتحاري" من نوع "عليّ وعلى أعدائي". أيضاً الشيعة في العراق يشكلون الوجه الآخر للأزمة. الشيعة بعد أن سقط نظام صدام حسين ودخلوا بقوة السلطة إلى درجة يكادون يمسكون بها، وحدهم خارج اقليم كردستان العراقي، هم "أكثر المتضررين من غياب الدولة". من التحولات العميقة "للبننة" في العراق، ان الدولة وحدها هي تحمي الشيعة وتقويهم، في حين ان غيابها يعزلهم ويجعلهم مصدر خوف مزدوج داخلي خارجي.
انخراط جميع الأطياف الشيعية العراقية في الحل التوافقي الشامل، وترجمته الفعلية المشاركة الحقيقية لكل الطوائف واجب خصوصا في ظل ارتفاع منسوب الخوف مما ينسب لبعضهم أو للقوى الخارجية التي تدعمهم ومركزها إيران إقامة "الهلال الشيعي". مجرد تحول هذه "الفزاعة" إلى "خطر محتمل"، في العراق الى لبنان يعني "تجييش" القوى الاقليمية السنّية بصريح العبارة المؤلمة ضد هكذا "خطر"، الذي يعادل "الخطر المحتمل" الآخر وهو امتلاك إيران للسلاح النووي. لذلك كله ليس أمام العراق والعراقيين سوى "طائف" لأزمته بانعقاد مؤتمر مشابه له في دمشق أو غيرها أو بدونه المهم، النتائج.
مأساة الوضع العراقي الحالي، أنه لا يدع للساسة العراقيين وقتاً للتفكير بهدوء لمدة ساعتين في اليوم الواحد لمواجهة الأوضاع وتطوراتها". هذا دون الكلام حول قدرات وكفاءات الطبقة السياسية التي تشكلت بعد الغزو الأميركي للعراق. مهما كانت هذه القوى تمتلك كفاءات وقدرات في مرحلة المعارضة فليس بالضرورة أن تنجح في إدارة السلطة ومفاعيلها وارتداداتها.
إذا لم تحل الأزمة العراقية خلال شهر تشرين الأول الجاري، فإن الأزمة مرشحة لأن تطول اشهراً عديدة، لأن المفاوضات بين الأطراف والقوى الاقليمية والخارجية ستزداد صعوبة وتعقيداً خصوصاً مع انهيار "ساعة الرمل".
المأساة انّ لبنان سيكون في "قلب" تداعيات استمرار الأزمة العراقية، يضاف إليها طبعاً "ألغام" الخريطة اللبنانية الداخلية، ليصبح في المنطقة "كوكتيل" لبناني متفجر خارق وحارق يتلاقى مع كل مخاطر انزلاق العراق من جديد نحو "العرقنة".