جريدة الجرائد

الرجل الذي عثر على اللبناني الآخر

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

سمير عطا الله

هاجر اللبنانيون إلى أميركا الجنوبية بالآلاف، كما هاجروا إلى أميركا الشمالية، منذ أواخر القرن التاسع عشر. وبلغوا الرئاسة في عدد من الدول، مثل الإكوادور وكولومبيا. وشاركوا في انقلابات عسكرية سمجة، وخدموا أسوأ أنواع الطغاة، كما فعلوا في أفريقيا. ونجحوا وبرزوا في العلوم والاقتصاد وعمل الخير. وبسبب أعدادهم وطموحهم المعروف تحولوا إلى أشخاص في روايات الأدب اللاتيني. وترى واحدا منهم دائما عند غابرييل غارسيا ماركيز وإرنستو ساباتو وألفارو موتيز، خصوصا عند إيزابيل الليندي، التي عاشت أيضا جزءا من صباها في بيروت، فعرفت اللبناني مقيما في بلده ومواطنا في بلاد الغير.

ماريو فارغاس يوسا، الذي نال نوبل الآداب هذا العام، رسم للبناني صورة مختلفة. فهو ليس التاجر الشاطر، ولا "التوركو" الذي لا هم له سوى جمع المال، بل هو المناضل الذي يلعب دورا رئيسيا في العمل ضد الديكتاتورية التي عمت القارة منذ القرن التاسع عشر. في كتابه الشهير "حفلة التيس" يروي يوسا، بين الخيال والتوثيق، حكاية التآمر للإطاحة بديكتاتور جمهورية الدومينيك، رافاييل تروخيلو. ويضع القارئ في سرده الجميل بين مشهدين: الفظاظة المطلقة التي يمارسها الديكتاتور على مدى السنين، ومحاولة عدد من الضباط للخلاص منه، يتقدمهم لبناني مهاجر من بلدة بسكنتا، بلدة ميخائيل نعيمة. ويعطينا عن الضابط صورة رب عائلة فاضل يكره الظلم الذي يتعرض له البشر. وبدل أن يكون في زمرة المتملقين لتروخيلو، يختار الوقوف إلى جانب المسحوقين، وينتهي إلى الموت.

في "حفلة التيس" يسود ذلك المناخ الروائي اللاتيني المليء بالتفاصيل، والذي عرفناه من قبل مع غابرييل غارسيا ماركيز. لكن يوسا لم يبق رواياته في دائرة الدراما وحدها. ففي روايته "في مديح زوجة الأب" نراه روائيا ساخرا يسعى إلى حبكة مضحكة. وبدل أن يهشم بطله بالقسوة على طريقة ماركيز، يسعى إلى تدميره في مناخ دعابي، لا يخلو من حبكة بوليسية.

للأسف، هذا كل ما قرأت من عمل يوسا الروائي، بالإضافة إلى كتاب ضخم ثالث هو "قاموس البيرو التي أحب"، وهو بالفرنسية فقط، لم يترجم مثل أعماله الأخرى إلى عدد كبير من اللغات، بينها العربية. ومن الممتع متابعة المقال الذي يكتبه مرتين في الشهر، في عدد من صحف العالم. ولا أنسى للرجل أنه فور الاحتلال الأميركي للعراق فعل ما لم يفعله أي صحافي عربي، بمن فيهم هذا الخائف. فقد ذهب إلى بغداد (ومعه ابنته) ووضع سلسلة من 5 تحقيقات جميلة عن العراق.. الجديد. وقد نشرتها يومها "الموند"، على أنها حدث في الصحافة والكتابة: أديب عالمي متقدم في الشهرة وفي السن، يستعيد شبابه في تغطية حدث تاريخي مزلزل.



التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف