أخرق العام في مصر؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
فهمي هويدي
من يكون أخرق العام في مصر؟ فعلوها في الولايات المتحدة الأمريكية، حين اختارت "جمعية الشرق الأوسط الفكاهية" رجلا اسمه دان فينيللي عضو الكونجرس عن ولاية فلوريدا لكي يكون أخرق العام هناك، بعدما وجدوا أن سجله حافل بالمواقف الموغلة في التطرف التي عبر فيها عن عدائه للعرب والمسلمين الأمريكيين.
حين قرأت الخبر وجدت أننا نستطيع أن نعيد طرح السؤال بشكل جاد في مصر، شجعني على ذلك أمران، أولهما أن في حياتنا خصوصا هذه الأيام أكثر من نموذج مناسب للغاية يمكن أن نختار من بينهم أخرق العام. الأمر الثاني أن ترشيحات النماذج السيئة هي الوحيدة التي تستطيع أن تطمئن إلى أن أهل السلطة لن يتنافسوا على الاستئثار بها، وبالتالي فإن عملية الاختيار فيها يمكن أن تتم بقدر عال من النزاهة.
قبل التفكير في ترشيح من يفوز باللقب يتعين أن نتفق أولا على تعريف الشخص الأخرق.
وقد رجعت في ذلك إلى ما توفر لدي من معاجم وإلى بعض أهل الذكر من بين أعضاء مجمع اللغة العربية، وخلاصة ما خرجت به أن الأخرق شخص اتسمت تصرفاته بفساد الرأي وقلة العقل وغياب الرشد، الأمر الذي يجعله عاجزا عن تقدير نتائج فعله.
والأخرق غير الأحمق، والخلاف بينهما في الدرجة وليس في النوع، بمعنى أن الاثنين يشتركان في المواصفات التي ذكرتها، ولكن الأخرق يمثل حالة قصوى في التعبير عنها.
في ذهني ثلاث حالات ترشح كل واحد منها صاحبها لحمل اللقب في مصر، حالة الرجل الوقور والمحترم الذي يحاط بهالة من التقدير والإجماع، وينتظره مستقبل واعد في مسيرته، لكنه يخرج على الملأ فجأة بما يستفز الخلق ويفجر مشاعر الغضب ويشعل نار الفتنة، فيهدم صورته ويفقد اعتباره ويفض الناس من حوله، ومن ثم يضع بنفسه ولنفسه عقبة كأداة تحول دون المستقبل الواعد الذي ينتظره.
النموذج الثاني لرجل يلمع نجمه في مجاله، فيزداد ثراء ونفوذا، ويغريه ذلك بأن يتطلع للانتشار في مجال آخر يثبت فيه حضوره ويوسع نفوذه، فيصادف نجاحا ساعدته عليه إمكاناته المالية الوفيرة، ثم يشجعه ذلك النجاح على أن يتمدد أكثر لتحقيق مزيد من الحضور واللمعان، وتنفتح شهيته لبلوغ ما يشتهيه من مآرب أخرى، ويظل طوال الوقت محافظا على سمت يرفع أسهمه ويعزز من رصيده كنجم صاعد وواعد، لكنه وهو يسبح في الأضواء ويركض على درج الصعود يتعثر فجأة في مطب من فعل يده، فإذا به يحرق الصورة التي بناها، ويطل على الملأ بوجه آخر على النقيض تماما مما تفنن في رسمه وأنفق الملايين لأجل تجميله.
وثالث المرشحين لتبوء مقعد أخرق العام هو الذي أراد أن يكحلها ويحتفي بها، ففضحها وأعماها، كما يقول المثل العامي، هو أحد المهرجين في السيرك، الذي لقلة حيلته لم يشغله ما يقدمه للجمهور يوما ما، لكنه وجد أمانه في نذر نفسه لخدمة صاحب المحل. وحين زار السيرك ذات مرة واحد من أكابر القوم ساحبا وراءه الأضواء الآتية من كل صوب. فإن صاحبنا عز عليه ذلك، وظن أن ولاءه لسيده يفرض عليه أن يلوي الأضواء ليجعلها مسلطة على صاحب السيرك دون غيره. ففعلها بما اعتبر فضيحة تحدثت بها الركبان، وإمعانا في الخرق فإنه اعتبر الكارثة ذروة إبداعه وإنجاز حياته الأكبر!
تحضرني نماذج أخرى مؤهلة للفوز باللقب، ولست أشك أن غيري لديه مثل ما عندي وربما أجدر.
وإن كنت غير مطمئن إلى إمكانية اقتباس الفكرة في مصر، لظني أن أجهزة الأمن لن تترك الفرصة تفلت من أيديها، وأنها سوف تستخدمها لأجل "شيطنة" غير المرضي عنهم. لكن المناخ مختلف في الولايات المتحدة إذ سمح لمجموعة من الفنانين والأدباء الأمريكيين من ذوي الأصول العربية بأن يقيموا ذلك المهرجان الفكاهي ابتداء من العام الماضي، ربما لامتصاص مشاعر النفور من العرب والمسلمين التي سادت عقب أحداث 11 سبتمبر، لذلك فإنه حتى إشعار آخر، فبوسعنا أن نمارس قدرا كافيا من الحرية لتشجيع الفكرة عن طريق الانضمام إلى الجمعية المسجلة في الولايات المتحدة، لكي ندلي بدلولنا في اختيار أخرق العام هناك، وربما سمحت الظروف بعد عمر طويل في أن نختار أخرق العام في مصر.