هل العيب في الجامعة أم في النظام العربي؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
محمد قيراط
في كل قمة من قمم جامعة الدول العربية، سواء كانت عادية أم استثنائية، تُثار فكرة الإصلاح والتطوير ووضع آليات جديدة لبعث العمل العربي المشترك، وتمر الشهور والسنوات ودار لقمان على حالها.
فالتناقضات عديدة والمشاكل تتفاقم، والجامعة على حالها دون فاعلية أو استراتيجية لتفعيل العمل العربي المشترك. فالعمل المشترك يتطلب مستلزمات وشروطا على مستوى كل دولة، وما يفرق الأنظمة العربية أكثر بكثير مما يجمعها، مع الأسف الشديد.
والغريب أن الجميع بات يركز على انعقاد القمة في حد ذاته، بغض النظر عن النتائج والتوصيات التي تفرزها القمة. وهذا أمر يثير الدهشة والحسرة في آن، فالقمة ما هي إلا وسيلة لوضع الاستراتيجيات وسبل التعامل مع التطورات والأحداث التي يعيشها العالم العربي.
فعلى مدى أكثر من نصف قرن من عمر النظام الرسمي العربي، ما زال العمل العربي المشترك حبرا على ورق أو مجرد كلام، حيث أنه أثبت فشله قبل أن يولد. فشروط ومستلزمات نجاح العمل العربي المشترك، كانت وما زالت غائبة، وما زال العرب لم يتعلموا الدرس، حيث أن الديمقراطية والعمل المشترك والاستراتيجية المشتركة، كلها ثقافة وسلوك ونمط حياة، قبل أن تكون اجتماعات وبروتوكولات وتقليعات إعلامية.
وربما وجد في جامعة الدول العربية، الشماعة المناسبة لإلقاء اللوم والمسؤولية عما يعيشه النظام الرسمي العربي من عجز وتناقضات وتآكل. فالجامعة العربية ما هي إلا المحصلة النهائية لمواقف وممارسات أعضائها، وهي بمثابة المرآة التي تعكس حال العرب المهزوم والوضع المترهل.
والتي لا تستطيع في أي حال من الأحوال أن تعطي صورة غير صورة صاحبها. المشكلة إذن، ليست في النصوص والتصريحات بقدر ما هي في غياب الفعل وفي عدم الالتزام بالاتفاقات والقرارات والتوصيات، وخاصة ما يتعلق بالقضايا المصيرية التي لا تقبل القسمة على اثنين، ولا تقبل التأويل أو التأجيل.
وفي السنوات الأخيرة كثرت الانتقادات الموّجهة لجامعة الدول العربية، ومعظمها مع الأسف الشديد نسي أو تناسى أن المشكل ليس في جهاز المنظمة، بقدر ما هو في الأنظمة العربية. فمن المستحيل أن تكون للعرب جامعة قوية وأنظمتهم هشة ضعيفة، فهذا تناقض صارخ.
فالجامعة ما هي إلا إطار مؤسسي للنظام العربي تعكسه وتعبر عنه، وقدرتها على اتخاذ القرار والفعل مرهونة برغبة وإرادة الدول العربية. فقوة الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، تنبع من قوة الدول الأوروبية نفسها، سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي أو العلمي أو التكنولوجي أو العسكري.. الخ. والجامعة العربية ما هي إلا ضحية لتناقضات وأمراض وضعف النظام الرسمي العربي، الذي يعاني من:
1. انعدام المجتمع المدني في معظم الدول العربية، وغياب ثقافة الممارسة السياسية والمشاركة في صنع القرار.
2. حاجة جامعة الدول العربية نفسها إلى الديمقراطية والشفافية وإلى التخلص من الروتين والبيروقراطية.
3. الأنانية القطرية وحب الزعامة والصراعات والنزاعات الجانبية بين العديد من الدول الأعضاء.
4. معضلة الإجماع العربي الذي يتعذر في الكثير من الأحيان، نظرا لأن كل دولة بإمكانها أن تستعمل الفيتو وبذلك تقضي على العمل الجماعي المشترك.
5. تفتقد قرارات الجامعة لآليات الإلزام والتنفيذ، وهذا يضرب في الصميم فاعلية المنظمة.
6. ضعف التعاون الاقتصادي، وغياب آليات التكامل والتبادل التجاري بين الدول العربية.
7. معضلة شرعية السلطة وغياب التداول السلمي على السلطة في معظم الدول العربية.
8. الاستحواذ على النظام الإعلامي والسيطرة عليه من قبل السلطة، الأمر الذي يعيق العمل الديمقراطي وتكريس مبدأ النقد والنقد الذاتي واحترام الرأي والرأي الآخر.
الفعل الديمقراطي في العالم العربي مغيّب، وهناك طاقات هائلة، مادية وبشرية، غير مستغلة بطريقة جيدة، والفجوة كبيرة جدا بين السلطة والجماهير. فكيف تنجح هذه الدول في تكريس عمل عربي مشترك، وهي عاجزة على إرساء قواعد الديمقراطية داخل حدودها؟
لقد حان الوقت لتعي الدول العربية أنها أمام اختيارين لا ثالث لهما؛ إما الإصلاح والتغيير والشروع في الديمقراطية وتداول السلطة وإشراك الجماهير في الفعل السياسي، والتخلي عن الآليات السلطوية التعسفية..
أو المحافظة على الوضع الراهن، ما يعني الموت البطيء والخنوع والخضوع للقوى الخارجية التي تتربص بالوطن العربي، وعلى رأسها الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية.
حان الوقت لمراجعة الذات العربية، من أجل انطلاقة سليمة تضع ترسبات الماضي جانيا، وتبدأ على أسس جديدة سليمة، قوامها الديمقراطية واحترام الفرد في الوطن العربي، لأن السلطة الحقيقية تكمن في الشعب، وليس في أجهزة البوليس والمخابرات وقوات الردع الأمر يتطلب إعادة ترتيب أوضاع النظام العربي، بإجراء إصلاحات حقيقية، على المستوى الداخلي لكل قطر عربي.
وعلى مستوى العلاقات العربية، بما يحقق التنمية الشاملة والإصلاحات السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية والفكرية، في إطار نظام عربي متكامل يقوم على احترام شعوبه بالدرجة الأولى، واحترام الدول الأعضاء دون مزايدة ولا مساومة.
فالشعوب العربية تحتاج اليوم إلى أنظمة عربية قوية تستمد قوتها من شعوبها، كما تحتاج إلى عمل عربي مشترك قوي وفعال، لمواجهة الظروف الصعبة التي تمر بها الأمة العربية، وللوقوف أمام التكتلات والقوى العالمية التي تتربص بها.