نجاد والسيد والرئيس
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
نبيل بومنصف
قد تكون القاعدة الذهبية الأقرب إلى الخلاصات المنطقية حيال زيارة الرئيس محمود احمدي نجاد للبنان، "مطمئنة" لجهة ان من بات يحظى بهذا الكثير من الفائض لا يمكن ان يغامر بتبديده في اي تفجير لبناني مدمر للرابحين والخاسرين على حد سواء. وهي في النهاية قاعدة ثابتة في السياسات الاستراتيجية كما في مفهوم النفوذ المتسع لايران التي شكلت زيارة رئيسها للبنان احد ابرع عروضها الديبلوماسية والنفوذية في مواجهة خصومها الاقليميين والدوليين، مهما قيل في هذه الزيارة. ولعله يسجل للبنانيين هنا انهم تفوقوا هذه المرة على انفسهم في معزل نسبي واسع عن التفاعلات الخارجية للحدث، وكأنهم يتبعون قاعدة ذهبية اخرى هي انهم "ينفخون اللبن لان الحليب كواهم"، ولذا برز فارق شاسع للمرة الاولى بين التعامل اللبناني الخالص مع الضيف المثير للجدل وتعامل سائر الجهات الخارجية معه.
ومع ان "الحكمة" تقضي مزيدا من تبريد الرؤوس وانتظار بعض ما يمكن ان تدخله الزيارة من اثر محتمل على الوضع اللبناني المأزوم، لا بد من معاينة دلالات ثلاث دفعت بها الزيارة الى سطح الواقع اللبناني، ولو ان معظمها ليس من النوع المباغت، غير انها تغدو في الظروف المثيرة للجدل حول الزيارة بمثابة تثبيت المثبت.
من هذه الدلالات ان الرئيس احمدي نجاد لم يجد حرجا كبيرا في تقديم صورة "الرئيس الرسمي" و"القائد الثوري" على طبعة واحدة، وبدا في المقلبين كأنه يخص المتوجسين من النفوذ المتعاظم لبلاده في لبنان بلفتة مهدئة، فيما هو لم يتخلَّ اطلاقا عن احتضان المحتفين به بلهفة استثنائية بما يودون سماعه منه. وهو في الخلاصة قدم "ثورته" مقولبة بقفازات.
ولكن الامر لا يرقى فقط الى مفاهيم الجمهورية الاسلامية الايرانية وحدها، فالواقع اللبناني نفسه وفر لاحمدي نجاد ايضا الاتكاء على ظاهرة الازدواجية المباحة في التعامل مع ازمته. لذا لا يختلف الخطاب الرسمي المقنن في ناحية والخطاب الثوري اللاهب في ناحيته الاخرى عن تلك المعادلة التي "يصدرها" لبنان الى العالم، معادلة جمع "الدولة والمقاومة" على سطح السلطة الواحدة.
الدلالة الاخرى تتصل بالشفافية المطلقة وغير المسبوقة في رمزية التعبير السياسي والشعبي والتعبوي وحتى الديني التي اتبعها "حزب الله" في الاستقبالات المتدحرجة للرئيس الايراني. هنا تماما يكمن اثر هذه الزيارة من زاوية نفي السيد حسن نصرالله وجود "مشروع ايراني" خاص مختلف عن "مشروع الشعب اللبناني" او العرب. ما لم يقله صراحة الامين العام لـ"حزب الله" هو ان ايران تمرّ عبر مشروع "حزب الله"، وليس العكس. اذاً عليكم المرور بنا اولا وليست ايران هي المشكلة بل نحن المشكلة والحل معا. وبذلك لم يجد السيد نصرالله ادنى حرج في تذكيره بإيمان الحزب بولاية الفقيه، ومعنى ذلك انه تقصد إقران اوسع تعبئة شعبية لقواعد الحزب و"امل" والطائفة الشيعية قاطبة بأصرح بوح مع تصاعد الازمة الداخلية واضعا سائر الافرقاء اللبنانيين امام "لحظة الحقيقة" بلا اي قفازات.
واما الدلالة الثالثة فتتصل بموقف الدولة اللبنانية، ولعلها لا تقل اهمية عن الدلالتين السابقتين.
الجميع تساءلوا عن موقف ايران، ورصدوا بدقة "حزب الله" ولم يتوقف معظمهم ليسأل عن موقف "الدولة"، ولكن هذه المرة كان ثمة موقف للدولة.
المرتكزات الثلاثة التي اعلنها الرئيس ميشال سليمان ليست امرا عابرا في ظروف هذه الزيارة والتباساتها بوجهيها الايجابي والسلبي. لو لم يكن الامر كذلك، ولو لم تكن طهران تدرك ان ثمة موقفا للدولة اللبنانية يختلف عن الايديولوجيا الايرانية لما ميز احمدي نجاد بين خطاب رسمي وخطاب ثوري تبعا لمكان اطلاق كل منهما. والتذكير الرئاسي اللبناني بالقرار 1701 وبمنع الفتنة خصوصا، الى جانب ابراز اهمية التنمية الاقتصادية يدلل على الاقل ان ممر "النفوذ الايجابي" هو الدولة اللبنانية اولا واخيرا، ولو استحالت الدولة بواقعها اضعف اللاعبين بين الاقوياء.
اقله كان للشرعية صوتها وسط هذا الهدير.