النقاب: إشكالية عالمية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
عبدالحميد الانصاري
هللت المواقع السلفية الإلكترونية لماتناقلته الصحف البريطانية من قيام 3 مدارس إسلامية في بريطانيا بفرض النقاب على التلميذات اللاتي لم يبلغن الzwj;11عاما واجبارهن على ارتدائه ومن تخالف الزي الرسمي ـ النقاب الاسود والبرقع ـ سواء عند الخروج أومن وإلى المدرسة تعاقب، مؤسسات تعليمية خاصة تتقاضى رسوم تسجيل للفتيات من سن 11 إلى 18عاما، أبدت المواقع السلفية غبطتها بهذه الاخبارووصفتها بالمفرحة جدا، كونها خطوة مضادة لقطارحظر النقاب المنطلق عبر أوروبا، ورغم ان بريطانيا استبعدت حظر النقاب عندها على إثرالجدل الذي ثاربعد حظر النقاب في فرنسا وصرح وزيرالهجرة البريطاني ردا على قيام نائب محافظ بعرض مشروع لتنظيم ارتداء النقاب في بريطانيا، بان فرص إقرارالمشروع شبه معدومة لأن غالبية الاعضاء ترفض اصدار قوانين حول النقاب د. كمال الهلباوي ـ المتحدث السابق باسم إخوان اوروبا وعضولجنة الشؤون الخارجية بالمجلس الاسلامي الاوروبي ـ وقال: النقاب ليس فرضا بإجماع جمهورالعلماء والمذاهب الاربعة، وقديكون من التقاليد المستساغة في بلاد المسلمين، أما أن يفرض النقاب على فتاة صغيرة في لندن اوبرمنغهام اولانكستراوفي اي مدينة اوروبية، فهذا دليل جهل بالفقه وبواقع الحياة العامة في الغرب؟! لا أدري كيف سمحت السلطات البرطانية لهذه المدارس بأن تجبر الفتيات على النقاب مع أن الإجبار أسلوب مرفوض في الحياة العامة في أوروبا؟! لقد مملنا وسئمنا من تكرار و تأكيد القول بأن النقاب عادة من العادات الاجتماعية لبعض الشعوب وليس سنة أو فريضة أو حتى أفضلية، ولن يأتي الإسلام بالنقاب فقد كان النقاب موجوداً لدى العرب في الجاهلية، وعند بعض الشعوب، وتاريخ النقاب يشير إلى أن الآشوريين هم أول من نقبوا نسائهم كما يقول الكاتب الإماراتي محمد الحمادي، وهذا يعني أنه دخيل على الإسلام وليس من أصوله وأنه من العادات التي انتشرت في شبه الجزيرة العربية، وعندما جاء السلام وجد طائفة من النساء في المجتمع ينتقبن فلم يأمر به ولم ينه عنه, ويكشف الباحث الشرعي نجيب عصام يماني عن أن أول إلزام للنقاب بدأ في عهد الدولة العثمانية, وأنه على مر التاريخ الإسلامي كان ينحسر في بعض المجتمعات ثم يعاود الظهور تبعاً لتحكم العادات والتقاليد.
ولذلك فإن غالبية علماء المسلمين متفقون على أن النقاب ليس فرضاً, و المدافعون عنه عاجزون عن تقديم نص صحيح صريح بوجوب النقاب لذلك يتعلقون بأفهام موهومة, مثل قولهم أن الآية في سورة الأحزاب (يا أيها النبي قل لأزواجك و بناتك و نساء المؤمنين يدنين عليهن من جلبابهن) يزعمون أنها في وجوب النقاب مع أن كل من لديه أدنى فهم للكتاب وللغة العرب يدرك أن إدناء الجلباب على الرأس غير تغطية الوجة بالكامل ( النقاب ) ويستنتجون منه القول بأن أمر الرسول للمرأة بأن تكشف وجهها في الحج, يفيد أنها في خارج الحج مأمورة بتغطية وجهها! وهذا فهم سقيم لا يقول به من درس أصول الفقه وعرف دلالات المفاهيم, لأن الأمر بالشيء في وضع معين إنما يفيد إباحة هذا الشيء في خارج هذا الوضع, ولا يفيد وجوبه, فإذا قال الإسلام للمرأة: اكشفي وجهك وأنت في الحج فهذا معناه - بدلالة مفهوم المخالفة - أنها خارج الحج هي مخيرة بين حرية الكشف أو عدمه لا وجوبه, ولهذا سخر الشيخ الغزالي - رحمه الله تعالى - من هذا الفهم وقال:
(هل إذا أمر الله الحجاج بتعرية رؤوسهم في الإحرام, كان ذلك يفيد أن الرؤوس تغطى وجوباً في غير الإحرام؟! من قال ذلك؟ من شاء غطى رأسه ومن شاء كشفه - السنة النبوية - ويضيف الشيخ القرضاوي قائلاً (ونحن لا نعارض أن يكون بعض النساء في غير حالة الإحرام يلبسن النقاب و القفازين ااختياراً منهن, ولكن أين في هذا الدليل على أن هذا كان واجباً ! بل لو استدل بهذا على العكس لكان معقولاً, فإن محظورات الإحرام أشياء كانت في الأصل مباحا، مثل: لبس المخليط و الطيب و الصيد و نحوها, وليس منها شيء كان واجباً ثم صار بالإحرام محظوراً, ولهذا استدل كثير من الفقهاء بهذا الحديث نفسه: أن الوجه و اليدين ليسا عورة, وإلا لما أوجب كشفهما - يقول الشيخ القرضاوي, ولو كان الله يريد فرض النقاب لأمر به في نص صريح ولكنه عزوجل قال: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) ولم يقل (على وجوههن) وعندما يأمر القرآن جمهور المؤمنين و المؤمنات بأن يغضوا من أبصارهم, فهذا يفيد - بيقين - أن الوجوه مكشوفة, رجالاً ونساءً, ولذلك كان الأمر بالغض, إذ لو كانت وجوه النساء مغطاة, فمم يغض المؤمنون أبصارهم؟! والعجيب في أمر دعاة النقاب أنه عندما لا تسعفهم النصوص و يعجزون, يقفزون فجأة إلى منهج (سد الذرائع) ليعيدوا تشغيل اسطوانة: وجه المرأة فتنة ويجب تغطيته سداً للفساد و الانحراف! ونحن إذ نحترم وجهات نظر دعاة النقاب ونقدر دوافعهم ومنطلقاتهم في الحرص على المرأة وحماية الشرف والفضيلة كما نحترم خيار المرأة في أن تنتقب خضوعاً لعادة أوحياءً أو لأن زوجها أو والدها يريد ذلك أو لأنها تعتقد أنه واجب ديني, إلا ن من حقنا بل من واجبنا أن نقرر ومن منطلق ديني بحت: أن النقاب عادة وليس عبادة وأنه لا يجوز إجبار الفتيات على النقاب كما لا يجوز لمن اختارت النقاب زياً أن تنظر إلى المرأة غير المنقبة من منظور أنها عاصية وآثمة, وإذا كنا ضد فرض النقاب أو إلزامها على النساء من قبل السلطات في مجتمعاتنا الإسلامية فمن باب أولى أن نرفضها في المجتمعات الغربية, ولذلك نرى في عمل المدارس الإسلامية الثلاث في بريطانيا, عملاً لا يتسم بالمسؤولية والحكمة ويفتقر إلى أدنى مقومات القرار السليم بل نرى فيه عملاً لا يصب في مصلحة الإسلام و المسلمين