جريدة الجرائد

المفاتيح المفقودة في بناء الدولة العراقية الجديدة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

عبد الإله بن سعود المنصور السعدون

كان المندوب السامي الأمريكي السفير (بريمر) يشاهد الدخان المتصاعد من كل أطراف بغداد المحترقة من نافذة الطائرة العسكرية التي أقلته إلى العراق ليتولى (مهمة خاصة) أمدها عاماً واحداً لتفكيك الدولة العراقية فأنهى أولاً قواها العسكرية والأمنية وشرد الجنود والضباط

وترك مدينة السلام دون من يحرسها فتشجع اللصوص لنهب الوزارات والمؤسسات الاقتصادية وسلب المتحف الوطني وجرد من كنوزه التاريخية وأصبحت البنوك هدفاً سهلاً لكل من تهفو نفسه الشريرة لحلم الغنى السريع حتى اختلطت الأوراق النقدية مع أكوام القمامة في شوارع بغداد وعليها آثار دماء اللصوص المتخاصمين وأسكتت أصوات الشعب العراقي وسرح الإعلاميون العراقيون ليذرعوا الشوارع الخالية دون عمل وإبعادهم عن كل وسائل الإعلام المختلفة خشية من أزيز أقلامهم والتي للأسف كشفت حقيقة الغازي أخيراً وبعد أن سقط أكثر من خمسمائة إعلامي عراقي شهداء الحق والواجب على تراب الوطن وكرامته!

بريمر وشركاؤه في مسؤولية اغتيال الدولة العراقية من ممثلي الطائفية والعرقية الخمسة والعشرين أعضاء مجلس الحكم والذين شجعوا السفير بريمر أن يتخذ كل إجراءاته التعسفية لتفكيك كيان الدولة العراقية وأصبح كالطفل الذي فصل أجزاء لعبته ولم يستطع إعادتها لوضعها الأول وبذلك ضاعت مفاتيح كيانات الدولة وتحولت إلى كومة من الهشيم الضعيف وقد يكون هذا هو الهدف الأساسي لمهمته الخاصة التي جاء لأجلها من واشنطن وعاد فرحاً وملأ طائرته العسكرية الخاصة بمليارات الدولارات ثمناً باهظاً للقضاء على دولة كان اسمها العراق.

الكتل السياسية التي أنشئت بعد سقوط بغداد تحاول ترميم ما يمكن بناؤه بميزانيات لم يعرفها العراق سابقاً حتى بلغ ما صرفته وزارة المالكي خلال الأربعة الأعوام السابقة أكثر من ثلاثمائة مليار دولار كلها ذهبت نحو المشاريع الوهمية وملأت جيوب المفسدين من رجال الحكم الحالي والمواطن العراقي يحلم بالخدمات العامة الأساسية كالكهرباء والماء والصحة والتعليم والأمن ونصف الشعب العراقي دون مستوى الفقر في بلد يصنف مدخوله القومي في قائمة الدول البترولية الغنية.

وتحول اهتمام الكتل السياسية للمنافع الحزبية والمكاسب الشخصية والسيطرة على المنصب التنفيذي الأول في سلم الحكم (رئيس الوزراء والقائد العام) دون احترام نصوص الدستور وإلغاء حق الناخب العراقي بمنح صوته لممثليه الشرعيين وتمادت الكتل المتنافسة بخرق الدستور لمرات عديدة بتعطيل الحياة البرلمانية بالتصارع على مبدأ أحقية تشكيل الوزارة الجديدة بتسييس المادة 76 من الدستور والتي تعطي الحق للقائمة الانتخابية الفائزة بأكثر المقاعد وحولت إلى الكتلة البرلمانية الأكبر داخل البرلمان بالتفاف سياسي على محتواها الحقيقي ومع ذلك حطمت هذه الكتل المتناحرة الرقم القياسي الدولي بمرور أكثر من سبعة أشهر دون تسمية رئيس الوزراء المكلف، والشعب العراقي المهمش عن الحياة السياسية يخشى عودة مجموعة المالكي السابقة مرة أخرى بكل رموزها القيادية وينطبق المثل القائل (نفس الطاس بنفس الحمام) وليعيش المواطن الذي أنهكه قلق الانتظار لأربعة أعوام عجاف أخرى!

الفترة الحالية المهمة والخطرة التي يعيشها الشعب العراقي تستوجب تشكيل وزارة قوية يرأسها شخصية وطنية مخلصة شجاعة في تطبيق حق القانون على كل المواطنين دون تمييز حزبي أو مذهبي عنصري نزيه في يده صادق في تنفيذ وعوده ويعمل بجد المسؤول الذي يطبق مشروعه الوزاري من أجل إعادة بناء الدولة العراقية ووضعها على السكة الصحيحة للسير نحو الأمان والإعمار بقرار سياسي عراقي مستقل!

ويعتبر تعديل الدستور الحالي بكل مواده والتي أكثرها وضعت ورسمت لمصلحة مكونات طائفية وعنصرية من الشعب العراقي وتكريس الطرق التشريعية التي تقود لتقسيم العراق كأقاليم متفرقة تضعف وحدة ترابه الوطني وتؤدي إلى القضاء على الوحدة الوطنية ولابد من تصحيحها لتتماشى مع المصلحة الوطنية العليا للشعب العراقي وترسيخ وحدته الوطنية وحماية تراب الوطن العراقي من زاخو في أقصى الشمال (لشواطئ الفاو) على الخليج العربي وهذا التصحيح الدستوري بمثابة المفتاح الرئيس لبناء الدولة الجديدة.

ويأتي شعار المصالحة الوطنية كأحد المطالب الشعبية لتحقيق السلام الاجتماعي وإعادته لمستواه الطبيعي وطي صفحة الماضي السياسية والتي يحاول طلاب السلطة وعشاقها اجترار مآسي الماضي والتذكير بالمقابر الجماعية والتسلط الذي كان يمارسه الحزب الواحد والذي يظهر حالياً في التصادم المسلح للأحزاب والكتل المهيمنة على دفة الحكم والتمسك بكراسي السلطة ولابد من مصالحة شاملة بين كل العراقيين دون تمييز ومنح الفرصة لكل (عراقي) في التمتع بممارسة حقوقه المدنية المشروعة وإلغاء كل الآليات الرسمية المعرقلة لحرية المواطن وتبقى المحاكم الفاصل لتثبيت الحقوق والمسؤوليات على كافة المواطنين. والخطوة الإيجابية التالية لبدء عهد من الحرية واستقلال الرأي الوطني ولابد من وضع نهاية لسياسة (الصوت والصدى) التي تمارسها (بعض) الكتل السياسية والتي تأسست وتم تمويلها خارج العراق فلابد من تراجع خطابها السياسي وتجعل المصلحة الوطنية العليا بمقدمة أهدافها والانتفاض عن قيد التبعية الإقليمية والدولية وتفكر جيداً بالمسؤولية الوطنية وتقييم الشعب العراقي لأدائها السياسي.

المطبخ السياسي العراقي كثر طهاته والناطقون بلغات عديدة ليقدم تشكيلة ائتلافية من كل القوائم الفائزة في الانتخابات السابقة وأن تتكامل بشكل يخدم تحقيق مستوى أعلى من الخدمة المدنية لبناء هيكل قوي وثابت للدولة الجديدة وبانسجام ظاهر بين كل المكونات المشتركة في الوزارة الجديدة وبثقة وطنية تسود أعضاءها وتكون الخبرة والإخلاص بأدائها العالي العامل المشترك لأعمالها وترجيح الوطن والمواطنة على الحزبية والطائفية المقيتة والعنصرية المفرقة وقد يكون مفتاح الوطن والمواطنة من أكبر المفاتيح المفقودة ولابد من صنعه من جديد ليكون الأساس المتين لبناء شكل التوافق الوطني الجديد لرسم الخطط الاقتصادية لاستثمار ثروة العراق الوطنية من أجل بناء الدولة العراقية الجديدة موحدة مستقلة مزدهرة ليتمتع بخيراتها كل (عراقي) ورسم سياسة خارجية تعتمد على المصالح المتبادلة بين دول الجوار وفتح صفحة نظيفة من العلاقات الدولية شعارها السلام والمحبة والاحترام الكامل للقرار العراقي السياسي المستقل الذي ينبع من العاصمة بغداد دون أي توجيه سياسي من الجوار الشرقي أو الغربي ويكون محيطها السياسي بحدود الوطن العراقي وصيانة كرامة العلم الوطني رمز عزته واستقلال سيادته مدعوماً بعون ومساندة أشقائه العرب والمسلمين في إعادة إعمار العراق وتذليل كل العوائق السياسية والاقتصادية في مسيرته الوطنية المستقبلية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف