الحجاب الإسلامي والحجاب اليهودي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
سعود كابلي
على مدى المقالين السابقين ناقش كاتب هذه السطور مسألة التعامل مع قضية الإسلاموفوبيا في ظل ارتفاع وتيرة "الهجوم على الإسلام" والتي اتخذت عدة أشكال أبرزها قضية المآذن في سويسرا وقضية المركز الإسلامي في نيويورك وتهديدات القس الأمريكي بحرق القرآن والرسوم المسيئة وموضوع النقاب في أوروبا، ومما لا شك فيه أن "الإسلام" بصورة عامة والمسلمين بصورة خاصة يتعرضون لهجمة إعلامية وبالأخص في الغرب من التيارات اليمينية الصاعدة على المشهد السياسي.
ويرى كاتب هذه السطور أن هذه الهجمة رغم الاعتراف بوجودها ليست نتاج "نظرية مؤامرة" خارقة للعادة نعجز عن التعامل معها، فهذه الهجمة لها عدة أسباب ومسببات وهو ما يظهره التحليل السليم لخلفياتها وأوجهها، ولعل أبرز هذه المسببات التي يمكن الإشارة إليها هو ضعف القدرات العربية في مواجهة الإعلام بالإعلام، وكذلك غياب ثقافة وإرادة العمل والتي تعتمد في المقام الأول على تطوير استراتيجيات وتبني سياسات فعالة على أرض الواقع لمواجهة هذه المسألة وغيرها، وهنا - على سبيل المثال - يبرز الدور الغائب للدبلوماسية العربية والإسلامية في الغرب في تفعيل التواصل مع القواعد الشعبية والسياسية ومن ثم التأثير على الرأي العام ضد التأثير السلبي "للأصوات الأخرى"، وفي المحصلة فإن المشهد القائم يوضح أن السياسة العربية في مجملها العام لا تملك رؤية واضحة حول كيفية التعامل مع هذا السيل الذي انهال فجأة تحت مسمى "الإسلاموفوبيا" أو تحت عنوان "الهجوم على الإسلام في الغرب".
غياب الرؤية الواضحة حول التعامل مع هذه المسألة تسبب للأسف في إنتاج أدوات ضعيفة للتعامل معها، ولعل قضية النقاب التي تثار في أوروبا دليل على ذلك، فهذه القضية ومنذ بروزها على الساحة السياسية اتخذت عدة أشكال منها ما يتعلق بالشق الأمني وحق الدول في سن القوانين التي تراها وذلك شأن داخلي، ومنها ما ارتبط بالبعد الثقافي حيث تم ربط النقاب والحجاب بالدين والثقافة الإسلامية، وقام الإعلام بتغذية أفكار عدة تضع الحجاب كمؤشر على الاضطهاد والتخلف والرجعية وببيئة التطرف الحاضنة للإرهاب، ولعل الملصق السويسري للحملة المناهضة لبناء المآذن يلخص هذه الصورة حيث صور الملصق امرأة منقبة على خلفية تحمل علم سويسرا في حين تم تصوير المآذن وكأنها صواريخ.
التحرك الإعلامي العربي والإسلامي اعتمد على عدة مناهج، منها ما هو حقوقي يؤكد أن الحجاب حرية شخصية تتوافق مع قيم الحرية الفردية التي أوجدها الغرب ومنها ما اعتمد على إبراز الوجه الحسن المتعلق بمبادرات الحوار ومحاولة التقريب بين الحضارات، وهذه المناهج رغم أهميتها في العمل فيما يخص هذه القضية تظل أدوات دفاعية لم تنفذ إلى صلب مسببات القضية، إن الأزمة تكمن في أحد أوجهها في وجود هوة ثقافية وحضارية انعكست على الواقع السياسي والإعلامي، فالحجاب أصبح عنواناً يحمل خلفه دلالات ومفاهيم تستدعي في العقلية الغربية أهمية التحرك. ولكن إذا كان الإعلام يصور الحجاب على أنه رمز للتخلف والاضطهاد فهل يعني هذا أن كل حجاب أو نقاب هو أيضاً رمز للتخلف؟ كيف سيعالج الإعلام العالمي موضوع الحجاب اليهودي، في مقال بتاريخ 2 فبراير 2010 على موقع (ynet) تحت عنوان "الحجاب في المحاكم الحاخامية" تحدثت الكاتبة عن إجبار النساء على ارتداء الحجاب في المحاكم في منطقة "بتاح تكفا"، وكيف سيتعامل الإعلام العالمي ويعالج ليس فقط "الحجاب اليهودي" وإنما "النقاب اليهودي" وهو النقاب الذي وصفه مقال في جريدة التايمز البريطانية بتاريخ 7 مارس 2008 تحت عنوان - النساء اليهوديات اللاتي يرتدين النقاب- بأنه "عباءة سوداء طويلة تخفي كل شيء ما عدا العينين ومشابهة لما ترتديه النساء في منطقة الخليج".وهذا النقاب الذي ترتديه اليهوديات في منطقة "بيت شميش" (Beit Shemesh) استدعى بحسب ما نقلته إحدى المدّونات الإسرائيليات طلب مجموعة من هؤلاء النسوة افتتاح مدارس خاصة لهن (http://www.amotherinisrael.com/jewish-facecovering-women-request-school/) ويظهر الرابط أعلاه صورة لامرأة إسرائيلية منقبة.
مثل هذه المعلومات وغيرها تمثل رصيداً يمكن استثماره إعلامياً وسياسياً لا من خلال التهجم على الدين والثقافة اليهودية وإنما من خلال هدم الأسس الفكرية التي تقوم عليها الحملة القائمة على الإسلام، فمن هذا المنطلق ينطلي الاضطهاد والتخلف على اليهوديات المحجبات وعلى الراهبات المسيحيات الكاثوليك، إن صد الحملة القائمة على الإسلام وبالتبعية الدول الإسلامية قد يرتكز في جزء منه على الهجوم المضاد وعلى إظهار اللامحتوى لهذه الحملة والقائمة على فرضيات زائفة وجاهلة.