لبنان في شبكة النظام الإقليمي الجديد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
سليمان تقي الدين
رشحت معلومات أن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد سعى من خلال زيارته إلى لبنان أن يسهم في معالجة الانقسام والتوتر بين أصدقائه والآخرين على أبواب احتمالات صدور القرار الاتهامي عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وأنه أراد أن يفهم الجميع بأن سياسة لبنان لم تعد تحت قبضة الغرب وحلفائه العرب وحدهم . ولعل أهم ما جرى تناوله في هذه الزيارة مفاتحة نجاد للمسؤولين اللبنانيين بضرورة العمل على انضمام لبنان لمجالس التعاون الإقليمية والمشاركة في صياغة نظام ldquo;الشرق الأوسطrdquo; بهويته المحلية لا بتوجهات الغرب وإملاءاته .
خضّت زيارة نجاد العقل السياسي اللبناني فلم يستطع خصومه السياسيون أن يتعاملوا معها بسلبية، بل هم واكبوها وأثنوا عليها خلال بعض تصريحات هامشية تناولت حركته على خط الطائفة الشيعية والجنوب وإعلان تصوره عن أن لبنان هو في محور المواجهة مع الكيان الصهيوني . الانزعاج الغربي عبّر عن نفسه بتصريحات أمريكية وفرنسية فضلاً عن تحديات جاءت من الدولة الصهيونية .
من الواضح أن إيران وسوريا والمملكة العربية السعودية دول تتشارك في إدارة الملف اللبناني وأنها ترغب جميعها في استقرار لبنان وعدم تعريضه لتوترات سياسية وخاصة مذهبية . لكنها تختلف في النظرة ووسائل تحقيق هذا الاستقرار، شأنهم في ذلك شأن موقفهم في العراق . أما الفارق الأساسي، أن التباين بل الاختلاف في العراق يتعلق بتوازنات السلطة وهويتها ودور المكونات الاجتماعية والمذهبية فيها، بينما في لبنان، إلى جانب المسائل المتعلقة بتوازنات السلطة هناك المدخل الخطير لترتيب هذه السلطة وهو قرار المحكمة الدولية وتداعياته .
زيارة الرئيس الإيراني للبنان ساهمت في خفض منسوب التوتر وحرّكت مجدداً العلاقات السورية السعودية بعد ركود . انعكست علاقات الأطراف في العراق على لبنان فصار مطلوباً أن لا يترك لبنان رهينة الوضع العراقي وإحياء التفاهم حول لبنان لمنعه من الاقتراب من خطر الانفجار من دون أن يعني ذلك إيجاد حل نهائي لتعقيداته .
بات من المؤكد أن القرار الاتهامي للمحكمة الدولية يتجه إلى وضع ldquo;حزب اللهrdquo; في دائرة الاتهام، الأمر الذي سيخلق حتماً أزمة سياسية لبنانية في علاقات الأطراف، في حكومة الوحدة الوطنية، وربما أدت إلى مضاعفات أمنية . يعرف جميع الأطراف أنه ليس ممكناً الآن تعطيل المحكمة وإلغاؤها ولا تغيير مضمون قرارها، لكن الممكن هو إيجاد وسيلة لتأجيل هذا القرار لترتيب وسائل التعامل معه داخلياً وإيجاد مخارج له . في هذا الإطار هناك اقتراح تسوية يقوم على تقديم ملف ملاحقة ومحاكمة شهود الزور ما يساهم في استئخار قرار المحكمة الدولية من جهة، ومن جهة ثانية استيعاب التحفظات اللبنانية على التحقيق الدولي وعلى صورة المحكمة والشبهات السياسية التي أحاطت بإقرارها وبعملها . يتبين من الحراك السياسي على أعلى المستويات العربية أن الأمور تسير باتجاه التفاوض وتأجيل القرار الدولي واحتمالات التصادم . إمكان هذا التوجه أن الطرف الداخلي المستهدف ldquo;حزب اللهrdquo; هو الأقوى على الأرض، وأن حليفه الإقليمي هو الأقوى في المنطقة . إذا اتجهت الأمور إلى التصادم فإن الفريق الآخر سيخسر الكثير على المستويين الداخلي والإقليمي . لا نقول إن التصادم يفيد طرفاً دون الآخر، بل هو خسارة على مستوى المنطقة لأنه فاتحة مسار من الصراعات المذهبية تطال المنطقة كلها .
في أية قراءة موضوعية للأوضاع الإقليمية بجملتها وفي مقدمتها المسألة الفلسطينية سيجد النظام الرسمي العربي كله أن الولايات المتحدة ليست في وارد ممارسة أية ضغوط على الدولة الصهيونية لاستخراج حل فيه الحد الأدنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية التي تشكل تبريراً لما يسمّى ldquo;الاعتدال العربيrdquo; .
ما حصل على مسار التفاوض الفلسطيني أكّد أن الدولة الصهيونية ترد الأمور دائماً إلى عناصرها الأولية، يهودية الدولة، الأمن، وعدم قبول مع دولة فلسطينية لها مقومات الدولة . بل إن المشروع الصهيوني يتوجس قلقاً من التطورات على مستوى المنطقة خارج الإطار العربي . عين الدولة الصهيونية الآن على الدور الإيراني والتركي، وهي ليست قادرة على الحصول على الأمن بمفهومها لأمنها حتى لو تجاوزت على الحقوق العربية .
لقد صار الأمن العربي في كل الساحات، من لبنان إلى العراق وفلسطين مرهوناً بتفاهمات عربية تمهد لحوار وتعاون مع دول الجوار التي تشكل اليوم الحاجز في وجه الهيمنة الصهيونية .
المرحلة الراهنة من الصراع هي مرحلة تكريس وتشريع يهودية الدولة، إذا لم يتدارك العرب باستخلاص حقوقهم فإن الفوضى الكيانية ستعم مثلما كانت على الأقل لحظة قيام هذا الكيان الغاصب . في العمق لا يختلف العرب على فكرة التسوية السياسية التاريخية ولكنهم يختلفون على وسائل تحقيقها . لقد أجمعوا على المبادرة في قمة بيروت عام 2002 التي ما زالت هي الرابط الذي يجمعهم . لكنهم لم يقرّروا كيف يديرون الصراع للحصول على هذه التسوية . ثبت أن المشكلة في عدم تبلور إرادة عربية لأخذ المسافة الضرورية عن الدور الأمريكي كشرط لإثبات وزنهم في المعادلة . فليس عن طريق وضع الأوراق في يد أمريكا يمكن التقدم على طريق التسوية، تحول التفاوض إلى البحث عن تجميد الاستيطان وليس على وقفه . نكاد نقول إن الدولة الصهيونية تحررت من الضغوط الأمريكية السابقة وهي في مرحلة الدلال على الإدارة الأمريكية التي دخلت في انشغالات الانتخابات النصفية، فضلاً عن الأزمة المالية وتداعيات الأمن في العراق وأفغانستان . لا تملك الإدارة الأمريكية إلا استثمار الحروب الصغيرة خلف خطوطها في السودان ولبنان والعراق وفلسطين . هذه هي أوراق القوة التي تستخدمها للانفلات من موجبات تقديم بعض الحقوق للعرب . لكن هذه الحروب الصغيرة هي داخل مسؤولية العرب الذين يستطيعون أن يتصدوا لحلها إذا ما أدركوا أن توازنات القوى هنا أو هناك على صعيد السلطة ليس مهماً عند مسألة الأمن العربي والمناخ العربي العام الذي يجب المحافظة عليه في إطار أشمل . هكذا يبدو لبنان تفصيلاً في الأمن العربي وفي نفس الوقت ثغرة خطرة لهذا الأمن ما لم يذهب العرب إلى احتضانه وإخراجه من مداخلات الوصاية الدولية وتأثيراتها المباشرة .