جريدة الجرائد

العراق من أزمة تكليف... إلى أزمة تأليف ؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

سركيس نعوم

لا يزال السيد عمار الحكيم رئيس "المجلس الاسلامي الاعلى" في العراق يرفض ان يؤلف رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي الحكومة الجديدة التي كان يفترض ان تشكل بعد اسابيع قليلة من الانتخابات النيابية التي اجريت هناك في آذار الماضي. ولا يزال مقتنعاً بأن في إمكانه تحقيق هدفه هذا، رغم التقدم الذي حققه المالكي على صعيد الترشيح، اولا بتراجع السيد مقتدى الصدر عن رفضه اياه رئيساً لولاية ثانية. وثانيا بنجاحه في التوصل وعبر الحوار مع التحالف الكردي الذي له 56 نائباً في البرلمان الجديد الى تفاهم على معظم المسائل والمطالب التي طرحها وبتوقعه انجاز اتفاق نهائي معه في وقت غير بعيد. ومن اسباب "التفاؤل الكردي"، اذا جاز التعبير على هذا النحو عند المالكي، معرفته ان الاحزاب الكردية في معظمها ترتاح الى التعاون مع غالبية شيعية فعلية اكثر من تعاونها مع جهات سياسية وسنية داخل التحالف الحكومي المنتظر، وذلك رغم ان الانتماء المذهبي للغالبية الساحقة من الاكراد هو سني. والسبب الاساسي لهذا الموقف هو مشكلة كركوك التي يتنازع عليها الاكراد والعرب. وصادف ان الغالبية الساحقة من هؤلاء العرب سنة، وفي خضم الاصطفافات المذهبية وخصوصاً بين عرب العراق فانه قد يكون من الاسهل على الاحزاب الكردية التوصل الى حل لمشكلة كركوك مع حكومة غالبية شيعية تضم تمثيلاً سنياً.
اما الخطة التي يعتمدها السيد عمار الحكيم لمواجهة مشروع المالكي البقاء رئيساً للحكومة فتقوم على عنصرين. الاول، محاولة التوصل الى تفاهم ثابت مع "العراقية" التي يتزعمها رئيس الوزراء السابق اياد علاوي التي يشكل النواب السنة الغالبية فيها (71 من اصل 91). وقد جرت بين الطرفين جولات حوار عدة انتهت الى نوع من التفاهم المبدئي على رئيس جديد للحكومة غير اياد علاوي، باعتبار ان الحكيم رفض ترؤسه الحكومة منذ انتهاء الانتخابات النيابية ولا يزال على هذا الموقف لاسباب كثيرة، لعل ابرزها معرفته ان الغالبية الشيعية (والشيعة هم الغالبية عددياً في العراق) لن تقبل رئيساً للحكومة وصل الى الندوة النيابية ومن خلالها الى رئاسة الحكومة بأصوات السنة. ومعرفته بعلمانية علاوي او على الاقل بلاطائفيته. ومعرفته بتأييد السعودية له وبرفض ايران الاسلامية له. والحكيم و"مجلسه الاسلامي" حليفان لايران ولا يستسيغان وصول بعثي سابق وعلماني يتمتع بتأييد دولة عربية لا تعترف بحق الغالبية في العراق في حكمه بالمشاركة مع الآخرين الى رئاسة الحكومة في هذا البلد. وقد اظهر علاوي في جولات الحوار المشار اليها براعة، اذ تخلى للمرة الاولى عن تمسكه برئاسة الحكومة وأعرب عن تأييده تكليف عضو "المجلس الاعلى" عادل عبد المهدي تأليف الحكومة الجديدة. وسربت اوساطه في الايام الاخيرة الماضية اخباراً تدعو العراقيين الى انتظار قرار مهم او خبر مهم هو ترشيح عبد المهدي رسمياً. لكن ما حصل لم يكن قراراً رسمياً بل اعلان وعبر مؤتمر صحافي عن تأييد لمرشح "المجلس الاسلامي" عبد المهدي. طبعاً اعطيت تبريرات عدة لذلك من "العراقية" كان اهمها ضرورة التشاور مع الاكراد حول هذا الامر وخصوصاً ان الحوار معهم لم ينقطع بعد. وهذا صحيح اذ لا يزال زعماء هؤلاء يحاورون قادة "العراقية" وائتلاف "دولة القانون" و"المجلس الاسلامي" محاولين بذلك الحصول على اقصى ما يمكنهم من مكاسب ربما لاقتناعهم بأنهم بيضة القبان في موضوع تأليف الحكومة الجديدة.
اما العنصر الثاني في خطة السيد عمار الحكيم لمواجهة عودة المالكي الى رئاسة الحكومة الجديدة فهو التشاور مع القادة العرب في هذا الموضوع. ولذلك بدأ جولة خارجية شملت دولاً عربية عدة وقد تشمل دولاً غير عربية. علماً ان اياد علاوي زعيم "العراقية" كان سبقه الى ذلك. كما ان المالكي زعيم "ائتلاف دولة القانون" قام ولا يزال يقوم بجولات مماثلة. اما اسباب هذه الجولة فكثيرة قد يكون طلب المساعدة واحدا منها. كما قد يكون طلب المشورة والمساهمة في تكوين انطباع ايجابي عند الجوار العربي والاسلامي للعراق، ومعظمه سني، عن شيعة العراق واحزابهم وقياداتهم وعن رغبتهم الصادقة في الانفتاح على اشقائهم من دون ان يؤثر ذلك على علاقتهم بايران.
طبعاً لا تزال الازمة الحكومية، او بالاحرى ازمة اختيار رئيس للحكومة في العراق، من دون حل رغم مرور قرابة ثمانية اشهر على نشوبها، ولا احد يعرف موعد حلها، كما لا يعرف احد اذا كان تأليف الحكومة سيكون سهلاً بعد الاتفاق على رئيسها. علماً ان توقعات العراقيين العارفين لا تستبعد ان تطول ازمة التأليف مثلما طالت ازمة التكليف. ولا يزال السيد عمار الحكيم و"المجلس الاسلامي" يتمسكان برفضهما ترشيح المالكي رغم اشتراكهما واياه في العلاقة الجيدة مع ايران. فهل يعني ذلك ان الحكيم قرر ان يتمرد على ايران مثلما فعل سابقاً السيد مقتدى الصدر؟ وهل يعود عن موقفه مثلما عاد الصدر؟ وهل لايران مصلحة في خسارة كل حلفائها واختصارهم بواحد او من اجل واحد هو المالكي؟ ولماذا هذا الجفاء بل الخصام بل العداء بين الحكيم والمالكي؟ وهل هو مزمن ام حديث؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف