لبنان.. ورهانات ولاية الفقيه الإيرانية والحكمة السعودية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
احمد المرشد
لم تحظ زيارة لرئيس دولة إلى لبنان باهتمام ورعاية خاصة وقلق مثلما كان الوضع إبان زيارة الرئيس الإيراني احمدي نجاد للبنان الأسبوع قبل الماضي.. فكل ما ذكره نجاد خلال الزيادة كان مثيرا للجدل والقلق بل والتوتر أيضا، خاصة خطبه وكلماته، عندما دعا إلى "تشكيل فريق مستقل وحيادي لتقصي الحقائق ولكشف حيثيات وعناصر أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001". فهو تحدث عن شأن أمريكي من داخل لبنان، ثم واصل حالة الجدل عندما دافع، عن موقف حزب الله من المحكمة الدولية المكلفة النظر في اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري.. ولم يتسم بالدبلوماسية بإشارته إلى وجود "استغلال" للمحكمة و"تلفيق اتهام إلى أصدقاء". وانتقد نجاد الذين يلفقون الاتهامات لحزب الله، سعيا للوصول إلى المرامي المشئومة والباطلة عبر زرع بذور الفتنة والتشرذم في صفوف الأصدقاء" في إشارة إلى حزب الله .. ولعلنا نقف قليلا عند نفي نصر الله أن يكون هناك "مشروع إيراني" في لبنان أو المنطقة: ما تقوم به إيران في منطقتنا أنها تؤدي واجبها الإلهي وهي منسجمة مع عقيدتها ودينها، واننا نفتخر بإيماننا العميق بولاية الفقيه العادل والحكيم والشجاع". لا احد ينكر أن زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى لبنان كانت الشغل الشاغل للبنانيين سواء قبلها من ناحية الاستعدادات وهل بلادهم قادرة على تأمينها، وبعدها حيث المحاولات المضنية لقراءة أبعادها شكلا ومضمونا، في إطار السعي لرسم سيناريوهات المرحلة المقبلة لما تحمله من محطات حاسمة ومفصلية، بالتأكيد سيكون لإيران دور أساسي فيها. فعلى سبيل المثال، بدا جليا أن حدة مواقف الفريق المسيحي في قوى "14 آذار" من الزيارة تفوق وبأشواط مآخذ تيار المستقبل الذي يرأسه رئيس الحكومة سعد الحريري على بعض مظاهر الزيارة الرئاسية الإيرانية، خاصة بعد تصاعد أصوات الغضب داخل "14 آذار"، لما حملته من مظاهر استفزازية وتعبوية وتأكيد على تبعية حزب الله لإيران وولاية الفقيه. ولم يتوان مسؤولون كبار في "14 آذار" وليس تيار المستقبل، من التعبير عن حالة الغضب من تلك الزيارة التي لم يشد بها سوى حزب الله وحركة أمل الشيعيتين، هذا رغم إجماع اللبنانيين على أنه كان لنجاد زيارة واحدة للبنان، ولكن تحت إطارين مختلفين تماما.. الأول إطار مؤسساتي احترمه كل اللبنانيين من خلال مشاركة كل القيادات بحفل الاستقبال.. والثاني إطار فئوي حزبي طائفي يؤكد الارتباط الوثيق بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحزب الله، وهذا ما اغضب البعض.
فمثلا، اعتبر رئيس حزب الكتائب أمين الجميل أن خطب الرئيس نجاد شكلت إحراجا للبنانيين، لأن نجاد استبق الأمور وأكد على منحى الحرب وتحويل لبنان منفردا إلى ساحة قتال وحرب دائمة مع إسرائيل. ولم يفت الجميل الإشارة إلى عدم احترام نجاد أصول التخاطب في المناسبات الشعبية، وانه لم يراع سياسة الدولة المضيفة.. فالزيارة بدأت رسمية ثم تحولت إلى تحريضية من خلال الخطب التي ألقاها الرئيس الإيراني، وكأن لبنان منصة لإطلاق الهجوم الكلامي على عدد من الدول العربية والأجنبية الصديقة.
واعتقد أن اشد ما اغضب القوى اللبنانية غير الشيعية من زيارة نجاد هو انحرافها عن إطارها الرسمي إلى تصدير التوجيهات إلى اللبنانيين، في وقت أصبح فيه اللبنانيون حساسين للغاية للغة الإملاءات الخارجية أيا كان مصدرها أو قائلها، سواء كان من إيران أو سورية أو حتى فرنسا وأمريكا.. هذا الرفض للإملاءات تزامن مع استياء غير معلن لقوى الأمن والجيش خلال استقبال ووداع الرئيس الإيراني، بعد أن تسلمت أجهزة أمنية غير لبنانية الأمن في المطار وكأن المطار منطقة عادية لا تجد من يحميها، في تكرار لنفس مشهد استباحة المطار منذ بضعة أسابيع.
ومن التشاؤم إلى التفاؤل.. فالمبشر في الشأن اللبناني هو القمة التي جمعت خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس السوري بشار الأسد، فاللبنانيون أصبحوا يتفاءلون بنتائج أي لقاء يجمع العاهل السعودي والرئيس السوري، بشأن معالجة التأزم السياسي اللبناني. خاصة بعدما بدا أن أفق الحلول المحلية لهذا التأزم تواجه صعوبات مع استمرار الانقسام السياسي على المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وإمكانية إحالة ملف شهود الزور على المجلس العدلي الذي يصر عليه حزب الله وحلفاؤه في المعارضة، أو إلى القضاء العدلي الذي يصر عليه تيار المستقبل وحلفاؤه في قوى14 آذار، فضلا عن مسألة التصويت على دفع حصة لبنان من تمويل المحكمة في موازنتي العام الحالي والعام المقبل. فالقمة السعودية - السورية تعد نوعا من استعادة المبادرة من قبل الزعيمين خادم الحرمين الشريفين وبشار الأسد، في التعاطي مع الملف اللبناني.
ولم يكن ملف المحكمة لوحده هو سبب التأزم الداخلي، فهناك مشكلة خارجية تتمثل في التواصل بين دمشق والحريري، عندما تعرضت العلاقات بين الطرفين لبعض الجمود في الأسابيع الماضية. ومرجع هذا الجمود صدور مذكرات توقيف سورية في حق 33 شخصية معظمها من اللبنانيين وبينهم كثر من المحيطين بالحريري، وقد تفاءل اللبنانيون ان يكون هذا الملف ضمن جدول أعمال قمة الرياض ومناسبة لإعادة التواصل.. خاصة وإن دمشق سبق أن أكدت حرصها على مواصلة تحسين العلاقة مع الحريري، فيما ظل رئيس الحكومة اللبنانية يؤكد أنه لن يعود إلى الوراء في فتح الصفحة الجديدة مع سوريا. وكان من دواعي عقد هذه القمة المهمة، أن المتابعة السعودية للتأزم اللبناني مع دمشق، أفضت إلى اقتراح سعودي بعقدها القمة بسبب الحاجة إلى تعميق البحث في سبل تجنب وصول التأزم اللبناني إلى مأزق في ظل الوضع الإقليمي المتسارع الحركة، في ظل ان هذا التأزم السياسي قد بلغ مرحلة لم يعط فيها أي فريق أجوبة على أسئلة مطلوبة من أجل الخروج من المأزق. ختاما.. بيروت والضاحية وبلدة بنت جبيل في جنوب لبنان لم تكن هي وحدها مثار الاهتمام الإعلامي الأسبوع الماضي، فأنظار اللبنانيين اتجهت أيضا صوب الرياض التي استضافت قمة عبدالله - بشار التي يتفاءل بها اللبنانيون على أمل إحداث تسوية تضمن المحافظة على الأمن والاستقرار والوحدة الوطنية اللبنانية.