جريدة الجرائد

العرب وتحديات الجوار الصعب!

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

عبدالله خليفة الشايجي

سعدنا بالمشاركة كالعادة في التظاهرة السنوية التي نتطلع إليها عاماً بعد عام والتي تقيمها صحيفتنا "الاتحاد" للسنة الخامسة على التوالي. وتنفرد "الاتحاد" في المنتدى السنوي بين الصحف المقروءة في المحيط العربي بهذا التجمع السنوي بين كتابها لتبادل الأفكار وتجديد وتوثيق الصداقة والعلاقة، وتناول قضايا تهمنا كعرب. فشكراً لـ"الاتحاد" والقائمين على هذه المبادرة الرائدة.


ويُسجل للقائمين على "الاتحاد" استقطابهم المتقن لكوكبة من الكتاب والمفكرين والأكاديميين العرب من المحيط إلى الخليج ليسطروا على صفحات "الاتحاد" مساهماتهم الفكرية وتعليقاتهم ومقارباتهم لقضايا وشجون الشأن المحلي والإقليمي والدولي، وما تعج به منطقتنا من تطورات وصراعات وخلافات وإنجازات. وللأسف في منطقتنا هناك فشل أكثر من النجاح وخسارة للفرص أكثر من اقتناصها. وهناك التحديات المرتبطة بالتنمية ودور القوى الإقليمية والدولية ومشاريعها وأجنداتها التي هي على حساب مصالحنا وأمننا واستقرارنا العربي.

وعلى رغم القدرات والإمكانيات والمساحة والموارد والمصادر الطبيعية والمالية، إلا أننا نعجز عن توظيف وتحويل القدرات إلى رصيد وأوراق قوة ومقايضة وضغط يؤثر على الآخرين كما تفعل دول الجوار العربي. وبسبب ذلك الواقع، فإننا كعرب نبقى عالقين ضمن دائرة التوتر الدائم والاستهداف المباشر وتصفية حسابات الآخرين على منطقتنا. وبالتالي يبقى أمننا مستهدفاً ومهدداً على المستوى الفردي والجماعي في معادلة صفرية تعمل لمصلحة الآخرين، على حسابنا في حقل ألغام المنطقة التي تشهد تغييرات على المستويين الإقليمي والدولي معاً، مع صعود قوى وتراجع نفوذ قوى أخرى.

وقد كان موفقاً اختيار إدارة منتدى "الاتحاد" في نسخته الخامسة محور "العرب ودول الجوار" وتخصيص ست جلسات لمناقشة علاقة العرب مع إيران وتركيا والجوار الإفريقي والولايات المتحدة وإسرائيل وبشكل متفائل حلم "مشروع عربي لتطوير التعاون الإقليمي"، الذي لا زال يراودنا ويُقنع المثاليين منا بإمكانيته فيما يشكك الواقعيون بجدواه وفرص تبلوره.

وكان ملفتاً ضمن الأوراق التي قدمت والتعقيبات والنقاشات والمداخلات الثرية التي سطرت وأثرت الحوار في كل جلسة تعدد وتنوع "وجهات النظر" بين الزملاء. ولعل مما كان مؤلماً ومحبطاً معاً الخلاصة التي خرجنا بها من الأوراق التي قدمت والمداخلات التي تنوعت، وجلد الذات الذي تكرر في الجلسات، بأننا كعرب وعلى رغم كوننا الأغلبية والأكثر تنوعاً وقدرات، إلا أننا للأسف أصبحنا رجل المنطقة المريض ومن يضيع الفرصة تلو الأخرى في خضم الشتات والتشرذم. ولا نملك بالتالي مشروعاً جامعاً نستقوي به ونتصدى من خلاله لمشاريع وأجندات الآخرين من دول وقوى إقليمية ودولية.

وقد لامس أحد الزملاء المزاج العام والخيط المشترك بين جلسات المنتدى: فهناك "تخوف عربي من إيران، وإعجاب بتركيا، وإهمال لإفريقيا". وأضيف إلى ذلك بالممارسة والاستنتاجات أن هناك عجزاً عربيّاً عن الاستفادة من القدرات والشراكة والتجارة مع الولايات المتحدة لبناء علاقة ربحية معها. وهناك استمرار الضياع العربي المتمسك بخيار السلام، كخيار استراتيجي وحيد. ولا يبدو أننا قادرون على تحقيق الاختراق المطلوب فيما لا نملك قرار الحرب. وتبدو المقاومة مستبعدة والمفاوضات المباشرة وغير المباشرة على حد قول رئيس السلطة الفلسطينية "مضيعة للوقت"، ومع ذلك لا يملك العرب سوى التفاوض، ولكن على ماذا؟

وكذلك نفتقد كعرب دبلوماسية العلاقات العامة "المرنة" لتسويق المواقف العربية مع الجوار بصورة مقنعة ومبتكرة. فذلك الجوار لا يزال يجهلنا في أحسن الأحوال، ويناصبنا العداء ويكرس الصورة النمطية السلبية عنا، وعن عجزنا على رغم قدرتنا على تصحيحها وتوضيحها.

أما الشأن والمشروع الإيراني فقد أثارا قلقاً وهواجس محقة. والمؤلم في الشأن الإيراني أنه لا رأي أو دور للطرف العربي، والخليجي تحديداً، على المتنازعين أو المتفقين. وهذا أمر محبط. كما لا يوجد موقف عربي واضح في مقاربة العلاقة مع إيران وسط اختراقها للعرب وتزعمها لمحور الممانعة الذي يقسم الدول العربية بين محورين، مما يزيد ويفاقم مأزق التيه العربي.

أما الإعجاب بالشأن التركي فقد كان واضحاً من مناقشات الجلسات على رغم الإرث العثماني الصعب في المنطقة. وذلك لأن تركيا قوة اعتدال وتتوسط لحل أزمات المنطقة بدون أجندة عدائية، وتوظف قوة مرنة هي قوة المثال والإنجازات. كما أنها تعد نموذجاً ناجحاً وتتمتع بقبول وبعلاقات وثيقة مع الشرق والغرب، هذا زيادة على كون الناتج القومي التركي يحتل المرتبة السابعة عشرة على المستوى الدولي، مما يجعل تركيا الصاعدة مؤثرة وتغري الآخرين بالتفكير جديّاً في جدوى نموذجها ونظامها. وبما أن المشروع التركي يعمل لإطفاء الحرائق وفتح الأسواق والتبادل التجاري وجذب الاستثمارات العربية فهو نموذج لا يستفز ولا يثير الهواجس.

أما العجز العربي عن توظيف القدرات والاستفادة من الشراكة مع واشنطن لبناء علاقة ربحية متكافئة على رغم زخم العلاقة وتنوعها وما أثارته المناقشات والتعقيبات والمداخلات في منتدى "الاتحاد" الخامس، فلهذا مقال قادم.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف