جريدة الجرائد

الشركاء في حمام الدم العراقي

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

طاهر العدوان

لا جديد في الوثائق الـ 400 الف التي نشرها "موقع ويكيليكس" حول جرائم الحرب وسجون ومعتقلات التعذيب وقتل المدنيين في الشوارع منذ إقدام ادارة بوش- بلير على غزو العراق بذرائع كاذبة. الجديد فيها انها تمثل "دلائل وقرائن" من قلب الادارة الامريكية ومن مقر البنتاغون على الجرائم المذكورة. فمن سَرّب هذه الوثائق هو جندي استخبارات كان يشرف عليها وبهذا لم يبق الا تشكيل لجان التحقيق وعقد المحاكمات, وبغير ذلك فان صفة "الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان" سَتُنزَع عن امريكا وسياساتها وستتحول الى "كذبة اخرى" مثل كذبة الذرائع لغزو العراق.

خلال السنوات السبع الاخيرة, ومنذ بداية الجريمة الكبرى, جريمة غزو بلد وتدمير مؤسساته وزرع الفتنة بين ابناء شعبه وقتل وتهجير الملايين من العراقيين, كانت هناك آلاف الشهادات التي قدمها العراقيون عن حملات التعذيب والقتل والاغتيال التي يمارسها حكام المنطقة الخضراء بحراسة امريكية, بعض هذه الشهادات وصل الى عدد من الفضائيات والى أعداد كبرى من الصحف ووسائل الاعلام والمنتديات وتقارير منظمات حقوق الانسان. لكن احدا في هذا العالم لم يحرك ساكنا لمواجهتها والتي تعتبر كاملة الاوصاف كجرائم حرب. السبب معروف طبعا. لان من يرتكب الجريمة ويشرف عليها ويخفي اسرارها هو من يحكم العالم. كان جورج بوش سيئ الصيت مع عصابة المحافظين الجدد. بالطبع الى جانبه توني بلير, الذي تحول بقدرة قادر, من داعية حرب الى وسيط سلام وكل ذلك دليل على بؤس الوضع الذي وصلت اليه القضية الفلسطينية.

لم تعد هناك حجة او ذريعة لأي منظمة دولية, او دولة حرة ديمقراطية في هذا العالم للسكوت على ما حدث في العراق. فالوثائق لا تتحدث عن حرب انقضت قبل عقود, ولا هي تكشف اسرار معتقلات وسجون مورس فيها التعذيب وتحولت اليوم الى متاحف, انما هي وثائق تدين احتلالا لا يزال قائما وحكاما لا يزالون يمارسون السلطة ويمسكون بيد القضاء والعدالة ويفتحون السجون ويقتلون المعتقلين بالجملة.

انها قضية ساخنة, لو ان دولة الاحتلال هي الصين مثلا او كوريا الشمالية لانعقد مجلس الامن على الفور, ولصدرت القرارات تباعا, لكن هي الولايات المتحدة, التي انتهك احد رؤسائها قيم الحرية والديمقراطية التي طالما تفاخر بها الامريكيون. رئيس مزّق مبادئ جفرسون وماديسون واحال (روما الجديدة) الى اسبارطة مهمتها ابادة الشعوب الاخرى.

الامم المتحدة ايضا وفي مقدمتها مجلس الامن تتحمل مسؤولية كبيرة عن هذه الجرائم, لانها تمت تحت مظلة قرارات المجلس التي اضفت الشرعية على الاحتلال وسلطته, بعد ايام قليلة فقط من تدمير العراق واستباحة شعبه وموارده.

اما الجديد القديم الآخر في وثائق ويكيليكس, فهو الدور الايراني في العراق, دور لم يكن خافيا, فحملة اغتيالات ابطال الجيش العراقي طالت المئات في الطيران والقوات البرية. وتصفية العلماء واساتذة الجامعات قصص يتناقلها العراقيون كلما جاء ذكر ايران. وعندما كنا ننشر في "العرب اليوم" بعض روايات الشهود كنا نتلقى ردود فعل غاضبة من الجهات الايرانية, الان جاءت ساعة الحقيقة, فطهران مطالبة بالتعاون مع اي لجنة تحقيق دولية تشكل للبحث فيما يطال دورها من اتهامات بالتعذيب والقتل, بل حريّ بها ان تدعو لتشكيل مثل هذه اللجنة والاستعداد لمواجهة هذه الاتهامات في المحاكم الدولية, فالوثائق, ستكون بالتأكيد اساس تحرك اصحاب الضمائر في هذا العالم لملاحقة الاتهامات بجرائم الحرب في العراق. والملف لن يطوى, فما يحتويه من انتهاكات ضد الانسانية تنوء عن حمله الجبال وستظل قضية العصر الساخنة!.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف