صحافة أجنبية: لماذا تعجز الولايات المتحدة عن العثور على بن لادن؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
Peter Bergen - CNN
على مجلس لجان الاستخبارات التابعة لمجلسي النواب والشيوخ والتي تشرف على المجتمع الاستخباراتي محاسبة 'سي آي إيه' عبر استخدام معيار بسيط: كم من مجموعة جهادية اخترقها عملاؤهم بما فيها 'القاعدة'؟
سدّد دافعو الضرائب الأميركيون نحو نصف تريليون دولار إلى أجهزة الاستخبارات الأميركية منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر، لكن بعد مضي عقد تقريباً على الهجمات التي شنتها "القاعدة" على نيويورك وواشنطن، لايزال المجتمع الاستخباراتي الأميركي عاجزاً عن إيجاد أجوبة عن أهم الأسئلة:
أين أسامة بن لادن؟ أين ذراعه الأيمن، أيمن الظواهري؟ وأين زعيم "طالبان"، الملا عمر؟
حسبما أُفيد على قناة "سي إن إن" يوم الاثنين، يعتقد مسؤولون في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) أن قادة "القاعدة" يختبئون في مكان ما في باكستان، بينما يُعتَقَد أن الملا عمر يتنقل بين كويتا، غرب باكستان والمدينة المرفأ الجنوبية، كراتشي. لكن تلك ليست أماكن وجود دقيقة لأهم الرجال المطلوبين في العالم نظراً إلى مساحة باكستان التي تفوق ضعف مساحة كاليفورنيا تقريباً، وعدد سكان كراتشي البالغ 18 مليون نسمة.
لو كانت الـ"سي آي إيه" وغيرها من الوكالات الاستخباراتية الأميركية شركات خاصة وعاجزة دوماً عن إتمام إحدى مهامها الأساسية، لانتفض المساهمون فيها منذ زمن طويل، وطردوا مديريها ولبلغ سعر سهمها المتداول قرابة الصفر. في المقابل، لاتزال ميزانيات وكالات الاستخبارات الأميركية تتضخم، بينما يملك نحو مليون أميركي تصاريح أمنية للاطلاع على الوثائق البالغة السرية.
مع ذلك، لا تفيد هذه التصاريح كثيراً، بالنظر إلى محتوى عشرات آلاف الوثائق السرية التي كشف عنها موقع Wikileaks في يوليو حول الحرب في أفغانستان. لكن ما يفاجئ بشأن هذا الكم الضخم من البيانات السرية أن الكثير من هذه البيانات لا يثير الدهشة، لأنها تضمنت المعلومة التي عرفها قارئ المقالات الإخبارية العادي منذ زمن طويل: قد تكون حركة "طالبان" تتلقى الدعم من عناصر في وكالة الاستخبارات العسكرية في باكستان!
لكن سر عالم الاستخبارات القذر أن الكثير مما نحتاج إلى معرفته ليس سراً على أي حال، فقد أعلن بن لادن الحرب على الولايات المتحدة على قناة "سي إن إن" في عام 1997 ومن ثم مجدداً بعد سنة على شبكة "إي بي سي" الإخبارية، وسرعان ما نفّذ وعيده حين شنّت "القاعدة" هجمات على سفارتين أميركيتين في إفريقيا وفجّرت المدمرة الأميركية "يو أس أس كول" في اليمن. وفي صيف عام 2001، أجرت شركة Middle East Broadcasting Corp. مقابلة مع بن لادن وكبار قادته، أطلقوا فيها تلميحات واسعة إلى تخطيطهم لهجوم واسع النطاق ضد الولايات المتحدة، تبيّن أنه هجوم الحادي عشر من سبتمبر، وحين أعلمت "سي آي إيه" الرئيس جورج بوش الابن قبل شهر من موعد الهجوم بأن بن لادن ينوي مهاجمة الولايات المتحدة، كان ذلك لمجرد ذكر ما هو بديهي بشكل واضح.
وعلى نحو مماثل اليوم، يطلق تنظيم "القاعدة" والجماعات المتحالفة معه مثل "طالبان" أشرطة مصورة ومنشورات يحددون فيها مبادئهم واستراتيجياتهم ويوثقون هجماتهم وتكتيكاتهم، وجميعها متوافرة بشكل واسع على الإنترنت.
يشكل بالتالي الصراع مع "القاعدة" وحلفائها فعلياً الحرب الأولى المعلنة، في مقابل الحرب الباردة التي خاضها الكرملين بسرية بالغة، لكن وكالات الاستخبارات الأميركية لاتزال منظمة إلى حد كبير وكأنها في حرب مع قوة خارقة، وليس شبكة من الجماعات الجهادية. بنتيجة الأمر، تبدو "سي آي إيه" اليوم بمنزلة شركة محاسبة أكثر منها وكالة التجسس الجريئة والعملية الراسخة في أذهان العامة.
لا يأتي ذلك مصادفةً، إذ تستند "سي آي إيه" وغيرها من الوكالات في المجتمع الاستخباراتي في توظيفاتها إلى عمليات التحقق من خلفيات الأفراد التي أصبحت مضنية أكثر فأكثر منذ الحادي عشر من سبتمبر وتشكل إرثاً للمفهوم السائد خلال الحرب الباردة بأن أي قوة عظمى معادية بحوزتها مليارات الدولارات تحاول تجنيد جواسيس ومخبرين. لكن تنظيم "القاعدة" لا يملك القدرة على شراء جواسيس داخل المجتمع الاستخباراتي في الولايات المتحدة، وبشكل عام، أظهر وحلفاءه عجزاً عن تجنيد جواسيس داخل الحكومة الأميركية.
في المقابل، يواجه المتقدمون للعمل في وكالات الاستخبارات الأميركية اليوم على الأرجح مشاكل حقيقية بسبب عمليات التحقق من سجلاتهم هذه إن كان لديهم أقرباء في العالم العربي أو أمضوا وقتاً في بلدان مثل باكستان، وهو ما يتطابق بالضبط مع نوعية التجارب الحياتية الضرورية للجواسيس الفعالين.
في المقابل، جند مكتب الخدمات الاستراتيجية، الذي سبق "سي آي إيه"، عملاء ناطقين بلغتين وعلى اطلاع وثيق بالثقافة الأوروبية تحملوا مخاطر هائلة لتنفيذ عمليات في غاية الفعالية في أوروبا أثناء الاحتلال النازي. لكن في "سي آي إيه" اليوم، ما كان هؤلاء الرجال والنساء الشجعان سينجحون في ذلك بعد عمليات التحقق من سجلاتهم.
من جهة، خُصّصت معظم الجهود السابقة الرامية إلى إصلاح المجتمع الاستخباراتي منذ الحادي عشر من سبتمبر للعناية ببنية التوظيف فيه: هل يجب أن يشرف مدير الاستخبارات الوطنية على رؤساء مراكز "سي آي إيه"، أم أن ذلك يقع ضمن صلاحية مدير "سي آي إيه"؟ لا شك أن هذا النوع من الحيل لا يساعد على إيجاد الجواب الشافي الذي يريده دافعو الضرائب الأميركيين على السؤال الحقيقي: أين بن لادن؟ على الأرجح لن يُهتدى إلى جواب إلا بوسائل التجسس الجيدة القديمة الطراز.
من جهة أخرى، ما يمثّل مواطن الخلل في المجتمع الاستخباراتي هو رد فعله على محاولة "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" الفاشلة لتفجير طائرة ركاب تابعة للخطوط الجوية "نورثويست" وتحط في ديترويت في ميشيغان، بقنبلة مصنوعة من متفجرات بلاستيكية في يوم عيد الميلاد 2009. لتنفيذ المهمة، جندت "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" في اليمن نيجيرياً من خريجي كلية لندن الجامعية المخصصة للنخبة، وكان اسمه عمر فاروق عبدالمطلب.
لاحقاً، انتاب المسؤولون في إدارة أوباما قلق كبير إزاء إمكان تعاون البروتوكلات المحسنة لتشاطر المعلومات بشكل أفضل لجمع فتات المعلومات التي تعرفها الحكومة عن عبدالله، الأمر الذي كان سيحول دون صعوده على متن رحلة "نورثويست". فارتأوا كحل توظيف المزيد من المحللين، لكنهم أساؤوا بذلك تشخيص المشكلة، لأن المجتمع الاستخباراتي يعج بالمحللين، وبالرغم من أن العدد المحدد غير مُعلن، فإن من المنطقي افتراض وجود عشرات الآلاف، لذا المطلوب ليس المزيد من المحللين إنما استخبارات ميدانية أفضل.
لو كان لدى "سي آي إيه" جاسوس في صفوف "القاعدة في شبه الجزيرة العربية"، لبدا ظهور نيجيري مثقف من لندن في المناطق الصحراوية البعيدة من اليمن حيث يختبئ عناصر "القاعدة" مثيراً للشبهة بالنسبة إلى الجاسوس. لكن على ما يبدو لم يكن مثل هذا العميل موجوداً.
لذلك على مجلس لجان الاستخبارات التابعة لمجلسي النواب والشيوخ والتي تشرف على المجتمع الاستخباراتي محاسبة "سي آي إيه" عبر استخدام معيار بسيط: كم من مجموعة جهادية اخترقها عملاؤهم بما فيها "القاعدة"؟
ذلك طلب أقل صعوبةً مما قد نتخيل، فبعد تمضيته أشهراً قليلة فقط في باكستان، تمكّن بريانت نيل فيناس، أميركي من أصول لاتينية عاطل عن العمل من لونغ آيلاند اعتنق الإسلام الجهادي، من التحرك بحرية في معسكر تدريب تابع لـ"القاعدة" حيث دُرّب على كيفية مهاجمة القواعد الأميركية في أفغانستان، وذلك بعد سبع سنوات من هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
وهكذا يجب تخفيض الميزانيات إن لم تستطع "سي آي إيه" تأمين الدليل الذي يثبت أنه يخترق تنظيم "القاعدة" وفروعه. ففي النهاية، تلك هي الطريقة الأكثر احتمالاً التي سنجد بها بن لادن الذي لن يقوم القليلون الذين يعرفون مكانه اليوم بتسليمه طوعاً.
كذلك على الرئيس أوباما تعيين شخص في الحكومة الأميركية تقضي مهمته إيجاد بن لادن ويستطيع تنسيق تلك الجهود بين الوكالات الست عشرة التي تشكّل المجتمع الاستخباراتي الأميركي، وأخيراً، يجب إصلاح عمليات التحقق من سجلات الجواسيس لكي يُوظف الرجال والنساء الذين يتمتعون بالخبرة الإقليمية والقدرات اللغوية على اختراق المجموعات الإرهابية الجهادية والتجنّد بداخلها، لاجتياز حدود الوكالة وإنجاز المهمة.
* محلل لشؤون الأمن القومي على شبكة "سي إن إن"، وأستاذ في مؤسسة "نيو أميركا"، مجموعة بحثية في واشنطن تروّج للأفكار المبتكرة من الأطياف العقائدية كافة، وفي "مركز القانون والأمن" في جامعة نيويورك. له كتاب "The Osama bin Laden I Know: An Oral History of al Qaedagt;s Leade.