جريدة الجرائد

المالكي حقق ثلاثة أمور لأميركا !

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

سركيس نعوم

يستبعد المتابعون العراقيون للأوضاع في بلادهم ان يصل السيد عمار الحكيم و"المجلس الاسلامي الاعلى" الذي يرئس الى حد المواجهة مع ايران التي كانت لها "اياد بيضاء" كبيرة عليه وعلى عائلته بعد تعرضها لظلم عراق الراحل صدام حسين. فهو يقر بمعروفها اذا جاز التعبير على هذا النحو. كما انه من المؤمنين بقيام علاقة تعاون وثيقة جداً بينها وبين العراق، وخصوصاً بعدما ساعدت التطورات منذ عام 2003 في تمكين غالبية الشعب العراقي وهي شيعية من "ممارسة السلطة" او من التدرّب على ممارستها وإن في ظل الاحتلال الاميركي. وأهم دافع لعلاقة من هذا النوع هو اعتبار ايران الشيعية ضماناً ما دامت غالبية السنّة العرب وخصوصاً عرب جوار العراق لا تزال تصر على حكم السنّة للعراق بل على اعتبارهم غالبية فيه. الا ان ذلك كله لا يعني في رأي هؤلاء ان وظيفة السيد الحكيم هي إطاعة الاوامر والتوجيهات الآتية من طهران، فهو يدرسها ولا يأخذ الا بما يراه منها متوافقاً مع مصلحة بلاده ومصلحة طائفته والتعاون الوثيق مع الطوائف والاتنيات العراقية الاخرى وكذلك التعاون الوثيق بين بغداد وطهران. علماً انه اساساً لم يقطع الجسور مع ايران بمواقفه المعروفة، فهو لا يزال يؤكد ان "المجلس الاسلامي الاعلى" الذي يتزعم مستمر عضواً في "التحالف الوطني" الذي ضم السلطتين النيابيتين الشيعيتين الاكبر في مجلس النواب الجديد اللتين يتزعمهما الرئيس نوري المالكي والسيدان الحكيم والصدر. ولا يزال يؤكد ايضاً انه لن يعطّل وبأي وسيلة تأليف الحكومة الجديدة برئاسة المالكي وإن كان سيبقى في صفوف المعارضة. علماً ان المتابعين العراقيين انفسهم يرجحون ان تكون ايران تساهلت في السابق حيال "تمرّد" السيد الحكيم او بالأحرى حيال معارضة المالكي وذلك رغبة منها في تمكينه من الحصول على حصة حكومية قد تكون اكبر حجماً ونوعاً من حجم كتلته النيابية التي لا تتعدى 19 او 20 نائباً. لكن استمراره في الخط المعارض بل الرافض للمالكي رئيساً مرة ثانية للحكومة طوى صفحة هذه المحاولة.
هل يعني التعاطي الايراني المباشر مع الأزمة الحكومية العراقية ان ايران حسمت خياراتها وتحالفاتها في العراق وقررت اعتماد حليف واحد اساسي هو الرئيس نوري المالكي و"حزب الدعوة" الذي يرئسه؟
المتابعون العراقيون انفسهم يقرون بأن المسؤولين الايرانيين المعنيين بملف العراق مارسوا ضغوطاً هائلة على حلفائهم الشيعة لجمع نوابهم الذين انتخبوا في آذار الماضي في تحالف نيابي واحد لكي يكون وازناً ومقرراً، وذلك بعدما اخفقوا في جمعهم مرشحين قبل الانتخابات. ويقرون تحديداً بأن السيد مقتدى الصدر ما كان يمكن ان يوافق على حكومة ثانية يرئسها المالكي لولا ضغوط ايران. ويؤكدون أنه لا يزال ورغم موافقته يتمنى تغيرات تمكّنه من العودة عن تأييده للمالكي. لكنهم يعترفون ايضاً بأن ضغط ايران قد يمكّن المالكي من التحوّل زعيماً احادياً لشيعة العراق، وذلك باستعماله السلطة التي تمنحه اياها رئاسة الحكومة، فضلاً عن الامكانات الحكومية المتنوعة من خدماتية ومالية وامنية وعسكرية وما الى ذلك. وينطلقون من الاعتراف الاخير هذا للتساؤل اذا كانت لايران مصلحة في دفع الشيعة العراقيين الى الولاء لشخص واحد او لجهة مقربة واحدة. هل من جواب عن هذا التساؤل؟
المتابعون العراقيون اياهم يقولون ان لايران الاسلامية الشيعية مصلحة في إبقاء شيعة العراق في منأى عن التقسيم والانقسام والتقاسم. لكن ليس لها مصلحة في جعلهم فريقاً واحداً تابعاً لشخص واحد او حزب واحد، إذ من شأن ذلك ربما افقادها تأثيرها او نفوذها داخلهم في حال استجدت تطورات وظروف اغرت "القائد" الشيعي الأوحد بالانقلاب عليها. وعلى العكس من ذلك فان مصلحتها بقاء الزعامات الشيعية الأخرى بأحزابها وتياراتها وذلك كي تجعلهم بعضهم بمواجهة بعضهم الآخر اذا وجدت مصلحة لها في ذلك. فضلاً عن ان ايران في المحصلة، ورغم تأييدها المطلق لترؤس المالكي الحكومة الجديدة، لا تنفي وجود شكوك لها فيه او مخاوف منه. كما لا تنفي رغبتها في إقامة توازنات معه داخل الصف الشيعي تحفظ وحدته وتمنع في الوقت نفسه المالكي من الانفراد بخيارات وتوجهات وسياسات لا تناسبها. ولمن لا يتذكّر، يقول المتابعون العراقيون اياهم ان المالكي نفذ لاميركا التي تحتل العراق ثلاثة امور لم تكن ايران موافقة عليها. الاول، ضرب الميليشيات بواسطة الجيش وقوى الامن العراقية وابرزها "جيش المهدي" (اي جيش الصدر). وقد نجح في ذلك وإن بعد شهرين من القتال الضاري. والثاني، توقيع الاتفاق الامني بين العراق واميركا (انسحاب اميركي وامور اخرى) الذي لم يكن تريده ايران على الاقل في تلك المرحلة لكنها لم تستطع ان ترفض امراً واقعاً ولأنها لا تستطيع، هي التي تقول انها مع تحرير العراق من الاحتلال الاميركي، ان تعارض اتفاقاً يحدد موعد انسحاب القوات المحتلة. اما الامر الثالث فهو إعادة عشرات وربما مئات من البعثيين الى السلطة (الامنية والعسكرية والادارية رغم وجود قانون اجتثاث البعث). وقد بررها المالكي في حينه بالحاجة الى خبراء لضرب "الارهاب" المتنوع. علماً ان ذلك زاد الاختراقات في المؤسسات الامنية والعسكرية.
في اختصار، يؤكد المتابعون العراقيون انفسهم ان ايران تؤيد بقاء المالكي رئيس حكومة لولاية ثانية وكذلك اميركا غير "المبسوطة" بتأييد الصدر له، رغم عداوتهما، والدافع الى ذلك التقاء المصالح بينهما. لكن هل يؤدي الالتقاء المشار اليه هذا الى تطبيع للعلاقة بينهما او الى تطبيع وتهدئة للوضع في العراق او الى حل للازمة الحكومية العراقية؟ لا احد يعرف، على الاقل حتى الآن.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف