قراءة لـ «صُورة» نوري المالكي في إيران
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
محمد عبدالله محمد
يُقال في الإعلام بأن الصورة تُساوي ألف كلمة. فهي تختصر على المُراقِبين طبيعة الحدث والعلاقات السياسية القائمة في الداخل وكذا الخارج، ومديات الاهتمام بمسئول ما، وشكل الاهتمام الممنوح له. كما أن الصورة تُظهِر مصالحات السياسيين بالمقدار الذي تُظهره في حال الخصومات كذلك. لذا يكثُر الاهتمام بالصورة من قِبَل الأنظمة لإيصال الرسائل.
في المشهد الإيراني تبدو الأمور ضمن تلك المعادلة أكيدة. فالإيرانيون هم أكثر السياسيين ظهوراً وحضوراً في الإعلام وبالتحديد في الصّورة. فهم عادة ما يحرصون على إبداء المواقف من خلال الصّوَر. تجلّى ذلك واضحاً في المنعطفات التاريخية للثورة، وفي مسار علاقاتهم الخارجية. ولأن الدين يأخذ حيّزاً رئيساً في الدولة الإيرانية فقَد استُثمِرَت الصّورة لدواعي الاستنهاض وتكريس الكاريزما السياسية والدينية وحتى القومية (خلال الأزمات) في المجتمع الإيراني.
في الانتخابات الرئاسية الأخيرة (12 يونيو/ حزيران 2009)، كانت تصريحات السياسيين تجبّها أحياناً صور يبثّها الإعلام أو تنسخها. يُقال بأن بين المرشد الأعلى للثورة آية الله علي خامنئي وبين رئيس مجلسي الخبراء والتشخيص الشيخ هاشمي رفسنجاني خصومة، فيظهر الرجلان في الإعلام (أو يغيبا) فيتبدّد (أو يتأكّد) ذلك الخبر. ويُقال بأن بين الرئيس نجاد ورفسنجاني خصومة فتُؤكّدها صورة الأخير وهو يتمنّع من الوقوف بجانب الأول في صلاة للجمعة يؤمُّهَا المُرشد. ثم يظهر السياسيون المتخاصمون في صورة جامِعَة فيقال بأن صلحاً قد جرى بينهم.
على مستوى الخارج، يستقبل المرشد الأعلى للثورة الزعيم السياسي العراقي (الراحل) عبد العزيز الحكيم في غُرفة مطالعته الخاصة بمنزله (وليس في مكتبه) فيتمّ الحديث عن العلاقة العضوية بين طهران والمجلس الأعلى. ويخرج الرئيس أحمدي نجاد من مكتبه إلى بوابة مقر رئاسة الجمهورية لاستقبال أمين عام حزب الله السيد نصر الله كاسراً بذلك البروتوكول الرئاسي المعمول به في إيران فيُقال عن علاقة حزب الله القوية بالجمهورية الإسلامية، ومع نجاد والمحافظين خصوصاً. هذه حقيقة الصورة "الإيرانية" في الإعلام ودلالاتها ورمزيّتها.
هنا، أُماثِل الأمر مع لقاءات رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي مع المسئولين الإيرانيين خلال زيارته الأخيرة للجمهورية الإسلامية. فحين تُظهِر الصور المنشورة في الإعلام الإيراني ووكالات الأنباء أن المالكي التقى فور وصوله إلى طهران بالمرشد الأعلى للثورة آية الله خامنئي (قبل لقاء نجاد)، فإن الدلالة في ذلك تبدو واضحة وهي أن الإيرانيين ومن أعلى مسئول لديهم معنيون بالملف العراقي، ويدعمون نوري المالكي كرئيس للوزراء. حتى ولو قيل بأن الرئيس أحمدي نجاد كان في زيارة داخلية لمحافظة أردبيل (شمال) وهو الأمر الذي جعل لقاءه بالمالكي يأتي تالياً للمرشد، فإن الأعراف البرتوكوليّة تسمح عادة بتعديل مواعيد الزيارات الرسمية، وخصوصاً أن نجاد كان في محافظة أردبيل قبل يومين أو أكثر من موعد زيارة المالكي لطهران. إلاّ أن الأمور تُرِكَت للمرشد لقول كلمة الفصل لنوري المالكي.
وإكمالاً لمشهد الصورة "الإيرانية" فإنه وحين يذهب المالكي إلى مدينة قم المقدّسة ويلتقي بآية الله محمود الهاشمي الشاهرودي ويُصلّي خلفه فهو أمر فيه نَظَر. فالشاهرودي هو عضو مجلس خبراء القيادة، ومجلس صيانة الدستور ومجمع تشخيص مصلحة النظام. وهذه المناصب ليس ذات صلة تنفيذية بالسياسات الخارجية لإيران، وبالتالي فإن هذا اللقاء يحمل صفة أخرى، ربما تعكس في طياتها حجم التشابك الحزبي والديني والسياسي القائم.
وربما كان اللقاء يأتي في سياق الجهود التي بذلها الشاهرودي (ومعه المرجع الديني السيد كاظم الحائري) في إقناع مقتدى الصّدر لرفع اعتراضه على ترشيح المالكي لرئاسة وزراء العراق، وما إذا كانت هذه المساعي قادرة على إقناع رئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي عمّار الحكيم ورئيس منظمة بدر هادي العامري لرفع لاءاتهما عن رئاسة المالكي للوزراء أسوة بالصدر. وهي مهمّة تُسْتَدعَى فيها علاقات هذا الرجل (الشاهرودي) في الداخل والخارج.
فـ "محمود الهاشمي الشاهرودي" تمتاز علاقاته في الداخل الإيراني على أنها الأقرب إلى الجميع من المرشد الأعلى (إن لَمْ يكُن نَدِيمَه) ومروراً بهاشمي رفسنجاني ونزولاً صوب أحمدي نجاد والعائلة اللاريجانية، بل وحتى من أوساط اليسار الديني الراديكالي الذي ينتمي إليه أغلب الإصلاحيين المعتدلين رغم مكوثه في رئاسة السلطة القضائية مدة عشرة أعوام قارَع خلالها مشاريع الإصلاحيين، وخصوصاً في موضوعات النشر والمطبوعات والصحف.
وفي الملف العراقي، فإنه أولاً صناعة نجفيّة من الناحية "النشأتيّة" و "الدينية" و "الحزبية". وربما جمعته علاقات مُحْكَمَة بحزب الدعوة ومؤسسه الأول ولاحقاً بالمجلس الأعلى عندما كان السيد محمد باقر الحكيم رئيساً له، وبالتيار الصّدري الذي يعتبره أحد الأشخاص الذين لم يتّسِخُوا بغبار المعارك التي أثيرت على زعيمه المقتول آية الله محمد محمد صادق الصّدر.
في مشهد آخر من الصّورة، فقد غابَ عن زيارة نوري المالكي إلى طهران وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري رغم أنه كان معه خلال زيارة الأردن وسورية. وربما عَكَسَ هذا الأمر الرغبة في جعل الزيارة مُقتصرة على ترتيب أوضاع البيت الشيعي العراقي فقط وبعيداً عن أيّ مشاركة لشخصية كرديّة تحتل وزارة سيادية وخصوصاً أن المكوّن الكردي لا يزال يُفاضل ما بين الكتل الثلاث (القائمة العراقية، دولة القانون والتحالف الوطني) للحصول على أفضل العطاءات والضمانات بشأن البنود التسعة عشر التي قدّمتها الأحزاب الكردية مُجتمعة للقوى الشيعية والسُّنّيّة بالسواء.
وقد أوضح ذلك بجلاء وزير الخارجية العراقي (الغائب عن الزيارة) هوشيار زيباري بالقول إن الإيرانيين "لعبوا دوراً في توحيد الصف الشيعي" وعن مساعيهم مع المجلس الأعلى (الحكيم) وحزب الفضيلة (اليعقوبي). "راجع تصريحات زيباري في صحيفة الشرق الأوسط اللندنية بتاريخ 21 أكتوبر الجاري - العدد 11650".
بالتأكيد، فقد تُعضِّد الصورة (وظهورها في الإعلام) عادة مواقف سياسية تصدر عن المسئوليين الإيرانيين حصلت في مواطِن عدّة. وقد تجلّى اليوم الموقف الإيراني من واقع تشكيل الحكومة العراقية بصورة أكثر وضوحاً بتصريح مساعد وزير الخارجية الإيراني لشئون الشرق الأوسط ودول الكومنولث محمد رضا رؤوف شيباني الذي بَيّنَ موقف الدبلوماسية الإيرانية حيال ذلك بوضوح.
فقد قال شيباني: "إن اختيار الشعب العراقي السيد نوري المالكي مرشحاً لرئاسة الوزراء هو موضع احترام الجمهورية الإسلامية الإيرانية". وإن "هذه الزيارة (للمالكي) تأتي عقب اتفاق قوى التحالف الوطني العراقي بترشيح المالكي لرئاسة الوزراء إلى مجلس النواب العراقي".
مضيفاً بأن "انتخاب المالكي في الظروف القائمة يُعد من الخيارات المناسبة لإدارة شئون العراق لتجاربه الطويلة في إدارة شئون البلاد والظروف الحسّاسة التي يمر بها هذا البلد والذي يشهد مرحلة انتقال السلطة وتشكيل مؤسساته الحكومية" (راجع وكالة إرنا للأنباء).
في كلّ الأحوال، فإن الصُّورة "الإيرانية" قالت كلمتها قبل تصريحات السياسيين. وبدا أن المالكي هو مُرشّح الإيرانيين "حُكْماً". وهم ضمن هذا الترشيح يسعون إلى تمكين الرجل عبر زحزحة المعارضين والمتنافسين له واحداً بعد الآخر. وقد بدا أن بعض حلفائهم المعترضين عليه في السابق قد أرخو من مواقفهم السياسية قبل أيام، وهو ما ستكشفه المرحلة المقبلة بجلاء.