جريدة الجرائد

زهير قصيباتي: درء الفتنة بالكويت/ مأمون فندي: الإعلام الفضائي .. ما بعد الانبهار

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

درء الفتنة في الكويت

زهير قصيباتيالحياة اللندنيةكيفما يمّمتَ وجهك في المنطقة العربية، يصفعك مشهد "الزائر" المقيم الذي يزعزع كيانات، ويدق أبواب دول، ويخشاه الجميع، فيما بعضهم ينساق إليه، ما دام الشعار هو التحدي: تحدي المعارضة لأي سلطة، ولو من باب البطر بالحريات، وهي نسبية دائماً... وتحدي الحكومات للمعارضين، ولو من باب إثبات الذات، وملء الفراغ، بعدما "اكتمل" عقد الإصلاح وبلغت التنمية ذراها، واختفت مشاهد الأطفال الجياع، وطلّقنا الأميّة."الزائر" المقيم على أعتاب الحدود والحكومات والمعارضات، يشغل الجميع بظله المخيف، لكأنه بات فوق كل ما يجمع العرب، بات الجامع الأول الذي لا يمكن إنكار طغيانه، وإن استسهل بعضهم فتح النوافذ له، بدلاً من الأبواب، لعلها تصدّه!يسمونه الفتنة التي تتقاذف حكومات ومعارضات كُرَتها، متوهمة خلاصاً يتطاول نفقُه كلما أمعنت السلطة وخصومها في التشاطر، واللعب بسيف "المؤامرة"... "ناعمة" أو ذكية أو خشنة.والحال أن الفتنة أنواع، بعدما ولّت حقبة الاحتكار الإسرائيلي لمشاريع ضرب وحدة الكيانات العربية. مع ذلك، الشبهة قائمة في فلسطين ولبنان، حيث "المؤامرة" ما زالت مقيمة، وأما في العراق فالفتن فصول بعضها طائفي وبعضها مذهبي. لا يغيب "الزائر" بالطبع عن المشاريع الجاهزة للسودان. حتى أكبر دولة عربية، مصر، ليست بمنأى عن خيوط الفتنة التي تتحرك في الصعيد أحياناً، بل باتت مواسم للضغط على القرار السياسي في القاهرة.وأما في الخليج، حيث تتوارى وطأة الفقر، والاصطفافات الحزبية، فلعل أخطر ما يختاره الزائر الثقيل هو أن يستلّ سيف بعض المعارضين، لافتعال نعرات مذهبية، فيتحول أي ملف إصلاحي الى قنبلة موقوتة.في الكويت، قبل سنوات، مثل دول أخرى خليجية، لم يكن الوصف المذهبي لأي كتلة نيابية مألوفاً. مارس ولا يزال بعض النواب يمارس "هواية" استجواب الوزراء، وتحدي البديل من دون احتساب عواقب الاضطراب المزمن في العلاقة بين مجلس الأمة والحكومات. تمددت "هواية" التحدي الى أعمدة بعض الصحف، واكتسبت لغة الشتائم "شرعية" مفتعلة، بالتطاول على كل شيء.جرس إنذار جديد، يقرعه أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح في افتتاح دورة البرلمان الموعودة بسيل من الاستجوابات. وفي الشوط الجديد، ربما لا بأس من تفجير معركة أخرى حول مشكلة ديون المواطنين، ومحاولة نزع "لغم" قانون الاتحاد الكويتي لكرة القدم، مروراً بالقنص على ذمة وزير يُتهم بالطائفية في تعيينات.وإذا كان أكيداً أن الشيخ صباح لم تعُزْه الجرأة ولا الشجاعة في الاعتراف بواقع "فوضى" بعض السياسيين في الكويت، فالأفق الخطر في مرحلة الاختراقات السياسية للمنطقة - تحت ستار ادعاءات مذهبية يشتد أوارها فجأة - يكمن في عدم امتلاك مَن يلهثون وراء بطولات التحدي والصراخ، شجاعة التعقل والتواضع في برمجة الأهداف الإصلاحية، وفي المعارضة.صحيح أن أمير الكويت يجدد تحذيراته من "التطاول على الثوابت الوطنية"، والتمادي في انتهاك القوانين واختيار الشارع حلبة للرأي والرأي المخالف، لكن الصحيح أيضاً أن نبرة الشيخ صباح لا تخفي مرارة سوداء من غلبة الصراخ على التعقل. للمرة الأولى استخدم عبارة "الصراعات الدينية" اعترافاً بما آلت إليه نوازع البعض، ممن يستمرئون البطر بهامش الحرية المتاح، وبالحياة البرلمانية التي تعطلت ثلاث مرات في أربع سنوات.قد يقال إن الخلل لا بد أن يكون دستورياً، لكن السؤال الجديد - القديم هو مدى التزام المعارضة - أي معارضة - بل حتى الموالين للحكومة نصوص الدستور والقوانين. فالمادة الحادية عشرة من قانون الإعلام المرئي والمسموع تحظّر "المس بكرامة الأشخاص أو حياتهم الخاصة أو المجتمع"، كما المس بحياد القضاء، وتحظّر ازدراء أي فئة في المجتمع وتحقير الدستور.عبر وسائل الإعلام في الكويت (9 صحف يومية و4 قنوات تلفزيونية خاصة) أتيحت حرية تواجه سهام انتقادات، بسبب انهيار الضوابط الذاتية التي تراعي تركيبة الحكم وطبيعة المجتمع. وإن كانت كلمة الشيخ صباح تمهد لمرحلة تشريعات تعالج مظاهر "الانفلات والفوضى والممارسات العبثية"، فالأحرى بالمعارضين وعلى رأسهم نواب، استعادة فصول عربية مأسوية، بداياتها استسلام للطائفية أو المذهبية، ولرعونة حريات الغرائز والعواطف.للحكومات ما تقترفه ايضاً، لكن الخطأ يزرع بذور خطايا كلما صودرت أدوار الدولة بأيدي من يقاتلون بسيفها.الإعلام الفضائي ومرحلة ما بعد الانبهار!مأمون فندي الشرق الأوسط"(الجزيرة) إلى أين؟" عنوان لتقرير قرأته في واحدة من الصحف العربية، لم يكن تقريرا بقدر ما كان مقال رأي ووجهة نظر. المهم أن التقرير يتحدث عن قناة "الجزيرة" بعد أن أصبحت، على حد قوله، تعبر عن وجهة نظر تيار واحد و"بعد أن كانت (الجزيرة) قناة جاذبة للحرفيين والمهنيين والمتميزين أصبحت قناة طاردة لهم". وذكر التقرير مجموعة أسماء أطلق عليها تسمية قائمة المغادرين لسفينة "الجزيرة"، إلى أن انتهى إلى احتمال الاستغناء عن مراسل "الجزيرة" في لبنان. وعلى الرغم من أنني لست معروفا بإعجابي بقناة "الجزيرة"، فإن لدي ملاحظات على المغادرات الصحافية لمواقعها في "الجزيرة" أو غيرها، وآخرها كانت إقالة رئيس تحرير "الدستور" المصرية إبراهيم عيسى من منصبه.الملاحظة الأولى، هي أن قناة "الجزيرة" وبعد تجاوز عمرها ما يقرب من أربعة عشر عاما قد بلغت سن الرشد وتستطيع أن تحيا من دون مذيعين أو معدين أو مراسلين بعينهم. فهي تستطيع من خلال اسمها كعلامة تجارية أن تجذب من تريد وتطرد من لا يعجبها. إذن في هذا نوع من الثقة بالنفس لدى الفضائية الإخبارية الأقدم في العالم العربي. أما الملاحظة الثانية فهي تخص الفضائيات العربية جميعها، التي بعد انقضاء فترة انبهار العرب برؤية أنفسهم على الشاشات، لم يعد ما تقدمه "الجزيرة" أو غيرها أمرا باهرا للمشاهد العربي كما كان في السابق. لقد انفجرت فقاعة الفضائيات، وهذا ما يبرر قدرة الدولة، مثلما حدث في مصر، على أن تغلق قناة أو صحيفة من دون أن تتوقع رد فعل يذكر. الناس تجاوزت موضوع الفضائيات، التي لم تعد بالبريق الذي كانت عليه. إذن ما يحدث في قناة "الجزيرة" هو علامة نضج للقناة وللمشاهد في الوقت ذاته.لا شر ولا خير في هذا، سوى أن قناة "الجزيرة" أسهمت في خلق فكرة السوق الإعلامي. أي إن الإعلاميين الذين غادروها سوف ينتقلون إلى قنوات أخرى. ويجب على المذيعين ومقدمي البرامج أن يدركوا أن المسألة الإعلامية زادت الأعداد فيها لتصبح جزءا من السوق؛ عرض وطلب، ولا داعي إلى ثورة أو اعتصام للإبقاء على صحافي في جريدة أو تلفزيون. المشكلة بالطبع تكمن في نوعية الصحافيين الذين ختموا بأختام المحطات التي عملوا فيها، فلم يكونوا صحافيين محترفين بقدر ما هم ملونون بلون آيديولوجي يتبع سياسة المحطة. لذا لا ينفع مذيع "الجزيرة" في "العربية" مثلا، لأن "وشه ونغمة صوته هو وش ونغمة (الجزيرة)". هذا النوع من المغادرة الجماعية التي حدثت في قناة "الجزيرة"، ينبه الإعلامي إلى أنه يجب أن لا يكون له لون، ويجب أن يكون مهنيا محترفا فقط، حتى يمكنه التنقل بين القنوات والمحطات.. وفي هذا درس للجيل الجديد من المذيعين. ومن هنا يجب تدريب المذيعين الجدد على أن يصبحوا أنفسهم، بدلا مما كان يعرف سابقا بـ"وجه القناة" التي يعمل بها.إذن ما حدث في قناة "الجزيرة" يمكن اعتباره على المدى الطويل إسهاما إيجابيا في تطوير مهنة الصحافة التلفزيونية. بالطبع، هناك مسألة التنوع ووجود ملل ونحل في أي قناة، التي يجب الحفاظ عليها، ولكن هذه أخطاء تقع فيها كثير من المحطات، بما فيها قناة "بي بي سي" العربية، حيث تجد أن أربعة أشخاص من دولة واحدة يقدمون برنامجا واحدا من المفترض أنه موجه لجيل الشباب في كامل المنطقة العربية ويخاطب اهتماماتهم، وهذا عيب كبير في قناة تدعي أنها تخاطب كل المتحدثين بالعربية.وأخيرا، آن للكتابة عن التلفزيون وأخبار الإعلام أن تنضج هي الأخرى، ولا تصنع "من الحبة قبة". في سوق آخذة في التشكل، سنرى كثيرا من تنقل الإعلاميين، كما سنشهد إفلاس قنوات تموت علنا في الفضاء.. كل ذلك من أمور سوق الإعلام الجديد، وهذا ليس كله سوءا بالطبع. في كل بلاد الله المذيع ينقل الخبر، ولكن في حضارتنا التي تكاد أن تعلن إفلاسها على الملأ، أصبح المذيع أو "الإعلامي" هو الخبر.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف