«ويكيليكس» ونحن
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
اسامة الشريف
هناك دروس وعبر علنا نستفيد منها عند النظر في مسألة موقع "ويكيليكس" الذي اقام الدنيا واقعدها بنشره مئات الالآف من الوثائق العسكرية السرية المتعلقة بالحرب الامريكية في العراق. نشر تلك الوثائق اغضب البنتاغون واحرج الخارجية الامريكية لانه اكد معلومات وكشف عن اخرى تفضح ممارسات الاحتلال الاميركي في العراق وتورط سياسيين عراقيين في مؤامرات طائفية وخروقات لحقوق الانسان.
لم تكن هذه المرة الاولى التي ينشر فيها موقع "ويكيليكس" وثائق سرية حول الحرب في افغانستان والعراق تكشف عن تستر الادارة الاميركية على جرائم قتل لآلاف المدنيين والتنكيل بمعارضين في السجون، وتؤكد على تواطؤ المحتل مع الحكومات المحلية في قضايا تعذيب واغتصاب وتصفية جسدية.
ستكون هناك تداعيات سياسية وقانونية كبرى لما تم الكشف عنه مؤخرا، هذا هو هدف الموقع كما يقول مؤسسه الصحفي الاسترالي جوليان اسانج الذي أكد ان نشر الوثائق جاء لاظهار الحقيقة التي تم تغييبها في حرب العراق حتى قبل ان تندلع واثناءها وبعدها. هي الحقيقة التي حاولت حكومات متعاقبة اخفاءها والتي يؤمن القائمون على موقع "ويكيليكس" بحق الناس في معرفتها.
هناك عدة ملاحظات تتعلق بقضية "ويكيليكس" اولها أنه مهما حاولت الحكومات حجب الحقيقة عن الناس فان هناك من يسعى في المقابل للكشف عنها. وللعلم فان موقع "ويكيليكس" يعتمد على دعم الافراد والمنظمات، وعندما اضطر قبل عامين للتوقف بسبب نقص الموارد المالية، انهالت عليه التبرعات من جميع انحاء العالم.
والملاحظة الثانية انه لولا ثورة المعلومات لما نجح "ويكيليكس" في مهمته، فالذين سربوا الوثائق السرية، التي تضمنت اشرطة فيديو وصور وتسجيلات صوتية، اعتمدوا على تقنيات الاتصال الحديثة، وساهمت شبكة الانترنت في انتشارهذه المعلومات في زمن قياسي. والخلاصة انه لم يعد من السهل التعتيم على الحقيقة في هذا العصر الرقمي.
والملاحظة الثالثة ان اختراق "ويكيليكس" يعد نصرا للصحافة الاستقصائية التي لا تترك قضية الا وتبحث فيها رغم انف الحكومات التي تحاول دفن الحقيقة باسم حماية الأمن القومي. فنشر الوثائق السرية يفتح المجال امام آلاف الصحفيين في العالم لنبش تفاصيل بخصوص انتهاك هنا أوتعذيب هناك. مهما حاولت الحكومات التستر على جريمة ما فان الصحافة الاستقصائية ستجد الادلة لكشف ملابساتها وملاحقة مرتكبيها.
والملاحظة الرابعة ان هناك تبعات قانونية وسياسية لما جرى ويجري في مناطق الحروب والنزاعات. لا توجد حصانة لأحد وسيأتي اليوم الذي تضطر فيه الحكومات تحت ضغط الصحافة والرأي العام الى فتح تحقيق مستقل حول العديد من الانتهاكات التي جرت اثناء الاحتلال سواء في العراق أو افغانستان وتحميل المسؤولية لقادة وزعماء.
والملاحظة الخامسة ان الغرب المتورط في جرائم حرب في العراق وافغانستان هو نفسه الذي يقدم لنا "ويكيليكس" و"هيومان رايتس ووتش" و"امنستي انترناشونال" وغيرها من المنظمات التي توثق الانتهاكات وتحاسب الحكومات وتثقف رأيا عاما يؤمن بقيم الحرية والعدالة. وهناك من الناس من وظف حياته كلها لخدمة هذه الاهداف النبيلة.
والملاحظة السادسة انه في مقابل ذلك فان العرب لا زالوا قاصرين في التعامل مع هذه المثل والقيم العليا. فتقارير المنظمات العربية لحقوق الانسان والحريات العامة لا تؤخذ على محمل الجد وتواجه دائما بالنفي والتشكيك من قبل الحكومات التي لا تعبأ كثيرا بالرأي العام. كم من الجرائم التي ارتكبتها انظمة بحق مواطنيها تم التستر عليها. هل يكون لدينا "ويكيليكس" عربي يكشف ما يحدث في زنازين الحكومات والسلطات العربية من تعذيب وانتهاك لحقوق البشر؟
اثار نشر الوثائق جدلا واسعا في كل انحاء العالم الا في العراق التي اتهم احد سياسيها "ويكيليكس" بمحاولة قلب النظام السياسي وتعطيل تشكيل الحكومة العراقية! بينما قال مواطن عراقي مغلوب على امره لاذاعة "بي.بي.سي" العربية ان العراقيين كانوا دائما يعرفون عن التعذيب والسجون السرية وفرق الاعتقال وقتل المدنيين على الحواجز فما الجديد اذن؟ وتساءل هل سيتغير كل ذلك الآن؟