برلمان الأردن المقبل.. من دون "الإخوان المسلمين"
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
المقاطعة تقلق الحكومة وتضعف المعارضة
عمان
بالرغم من الجهود الحثيثة التي بذلتها الحكومة الأردنية، لثني جماعة الإخوان المسلمين عن قرارها مقاطعة الانتخابات النيابية المقبلة، فان الأخيرة أصرت على موقفها، وباءت كل الجهود التي بذلت للوساطة، من قبل سياسيين ورسميين، بالفشل.
حرص الحكومة على مشاركة "الإخوان المسلمين" يعود لأن الجماعة، بذراعها السياسي حزب جبهة العمل الإسلامي، تمثل الحزب السياسي الوحيد (تقريبا)، الذي يمتلك قاعدة سياسية شعبية، وبرنامجا سياسيا واضحا، وما يزال الوحيد القادر (حتى الآن) على ملء مقعد المعارضة في البرلمان المقبل. إلا أن الاعتبار الأهم لقلق الحكومة من عدم مشاركة جماعة الإخوان في الانتخابات يكمن في أن غياب الإخوان سيؤثر سلبا في نسبة الاقتراع المتدنية أصلا، خصوصا في المدن الكبرى، حيث تقطن أغلبية من أصول فلسطينية، تجد في جماعة الإخوان، الممثل السياسي الأقرب لها.
الإصرار على المقاطعة
قرار المقاطعة جاء بعد استشارة واسعة قامت بها قيادة الجماعة لقواعدها وقياداتها الوسيطة في مختلف المدن، وكانت النتيجة المفاجئة حتى للقيادة نفسها، بنسبة أكثر %73 منهم يرغبون بالمقاطعة الصريحة، ما جعل من هذه النسبة المرتفعة عائقا داخليا في الحوار الذي أجرته الحكومة مع الجماعة، إذ أفقدت القيادة المرونة والمراوغة السياسية، حتى لا تواجه انتقادات داخلية كبيرة.
في العادة، تتم استشارة القواعد في المشاركة النيابية وبأسماء المرشحين المقترحين، وتأتي النتائج من القاعدة إلى القيادة (المكتب التنفيذي ومجلس الشورى في كل من الجماعة وجبهة العمل الإسلامي)، التي تحسم الموقف. أما هذه المرة فكانت قيادة الحركة منقسمة على نفسها بين مؤيد للمشاركة ومعارض لها، فتُرك الأمر للقواعد، قبل أن يحسم مجلس شورى في كل من الجماعة والحزب الأمر بالمقاطعة من خلال أغلبية كبيرة.
"الإحباط السياسي" داخل قواعد الإخوان يعود بالدرجة الرئيسة لما شهدته الانتخابات النيابية السابقة في عام 2007 من تزوير صريح، ما أدى إلى فوزها بستة مقاعد فقط من أصل 110، وهي أقل نسبة تحصل عليها منذ بداية عملها السياسي، بالإضافة إلى تأثير "الأزمة السياسية المستدامة" على درجة إيمان القواعد باللعبة السياسية ومخرجاتها.
المفارقة الحالية أن من دعا إلى المقاطعة داخل الجماعة هي النخبة التي يطلق عليها "الحمائم" أو "الإصلاحيون المعتدلون"، الذين قادوا الجماعة في الانتخابات السابقة إلى المشاركة النيابية في 2007، وقد خسر جميع قادة تلك المجموعة بسبب "التزوير" الذي حدث فيها. كما أن القانون الانتخابي الجديد الذي أُقر هذا العام خيب أمل قادة الإخوان، بما أنهم لم يروا فيه توازنا ووجدوا في القانون تفضيلا للولاءات القبلية بدلا من الأحزاب السياسية.
المعتدلون والإصلاح البنيوي
تلك المجموعة "الإصلاحية" دفعت ثمن انتخابات 2007 النيابية مرتين. الأولى بخسارتها، والثانية بتصويت مجلس الشورى على حل نفسه وإجراء انتخابات تنظيمية مبكرة، وهو ما أفضى إلى خسارة المعتدلين الأغلبية داخل قيادة الجماعة، وموقع المراقب العام لها، وعودة الصقور إلى قيادة الجماعة وحزب جبهة العمل الإسلامي.
الضربة القاسية للمعتدلين ولدت لديهم قناعة جديدة بأن قرار تزوير الانتخابات وإفشالهم لم يكن عقلانيا ويعكس أزمة حقيقية في عملية صنع القرار في النظام السياسي. وتنامت هذه القناعة وبنيت عليها جملة من الاستنتاجات السياسية التي تعانقت مع مرحلة برز فيها صراع القوى بين الديوان الملكي ودائرة المخابرات العامة في عام 2008، ما نجم عنه في المحصلة إعلان المجموعة الإصلاحية مع نخبة سياسية أردنية عن مبادرة سياسية جديدة عنوانها "الملكية الدستورية"، وتدعو إلى العودة إلى دستور عام 1951، وتأكيد ضرورة وجود حكومة منتخبة ومجلس نواب فاعل، وتداول السلطة، وتغيير آليات تشكيل الحكومات واتخاذ القرار.
أفشل تيار الصقور تبني مبادرة "الملكية الدستورية" التي قادها تيار الإصلاح في الجماعة (بزعامة الدكتور رحيل غرايبة ونبيل الكوفحي وسالم الفلاحات) من قبل الجماعة رسميا، وهي من أجرأ المبادرات السياسية التي برزت خلال السنوات الأخيرة، ذلك أنها تطالب بتعديلات جوهرية وبنيوية على اللعبة السياسية، ولا تقف عند الحدود المعتادة في الخطاب الإخواني التي تذهب باتجاه طرح بعض مسائل الحريات العامة والأسلمة وتحسين شروط العمل السياسي، ودعم حركة حماس في فلسطين.
لأول مرة تقدم مجموعة داخل الحركة الإسلامية خطابا سياسيا واضحا في تركيزه على الإصلاح السياسي الداخلي البنيوي، فضلا عن أن المبادرة تمثل تطورا نوعيا في الفكر السياسي لهذه المجموعة، إذ دعت إلى بناء جبهة وطنية للملكية الدستورية، وهي بذلك تتحدث بوضوح عن نظام ملكي دستوري وتداول سلطة وتعددية، وجميعها قيم ديموقراطية رئيسية تحدث قطيعة فكرية وسياسية مع الخطاب الإسلامي التقليدي الذي يدور حول مفهوم الدولة الإسلامية وتحكيم الشريعة الإسلامية.
النخبة الإصلاحية الإخوانية، ورغم أنها تمثل أقلية في قيادة الحركة الإسلامية ولدى قواعدها، فانها استطاعت أن تستثمر جيدا في الأزمة السياسية في الظروف الحالية المحبطة من العمل السياسي داخل قواعد الإسلاميين، وتقود في خطابها وحججها إلى قرار مقاطعة الانتخابات، بل وجعل مطلب الإصلاح السياسي- من خلال تغيير قانون الانتخاب بقانون مبني على فكرة القوائم الحزبية- هو المطلب الوحيد في حوارها مع الحكومة. وهذا بحد ذاته سابقة في مسار العلاقة بين الطرفين.
بدائل المقاطعة
انتهت مرحلة تسجيل أسماء المرشحين، وقد ثبتت مقاطعة الإسلاميين للانتخابات، فيما لم يخالف قرار الحركة سوى ثلاثة أفراد من جماعة الإخوان (وسبعة من الحزب والجماعة معا)، وسيكون مصيرهم الفصل من الجماعة، كما أكد أحد القياديين. بذلك، فإن رهان الحكومة سيكون على ملء فراغ المعارضة في البرلمان من خلال مجموعة من الشخصيات اليسارية والقومية والمستقلة، وفراغ الصوت الإسلامي من خلال حزب الوسط الإسلامي وعدد من الإسلاميين المستقلين. لكن ذلك لن يشكل تعويضا حقيقيا عن غياب الكتلة الإسلامية، التي تمثل الحزب السياسي الأكبر ذا الحضور الثقيل عادة.
في المقابل، فإن {الإخوان} يسعون إلى تعويض غيابهم عن مقاعد البرلمان من خلال برنامج سياسي معارض خارج القبة، يدفع نحو إصلاحات جذرية. هذا المشروع البديل بدأ فعلا من خلال التحالف مع حزب الوحدة الشعبية المعارض وتأسيس جبهة الإصلاح الوطني وإعلانها عن وثيقة تدعو فيها إلى تغييرات جذرية في الحياة السياسية.
يبقى شبح مقاطعة الإخوان المسلمين لانتخابات عام 1997 يلاحق الجماعة، إذ تحولت حينها المقاطعة عبئا ثقيلا عليها، وغابت عن مجلس النواب، وافتقدت أدوات التأثير في مواجهة الدولة. لذلك فإن الهدف الرئيسي للحركة اليوم هو عدم تكرار التجربة وتحويل المقاطعة إلى برنامج مشروع سياسي، لكنه بالضرورة يحمل في ثناياه تصعيدا في الأزمة السياسية مع الحكومة.
* ينشر بترتيب مع نشرة الإصلاح العربي الصادرة عن مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي.