أين لبنان من هموم الاقتصاد الدولي؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
لويس حبيقة
تجري في العالم اليوم تحديات اقتصادية كبيرة لها انعكاسات على الوضعين الحالي والمستقبلي . كانت هنالك في بداية الشهر اجتماعات مهمة للبنك وصندوق النقد تداولت خلالها أفكاراً كبيرة بشأن الاقتصاد الدولي ومستقبله . يتوقع صندوق النقد أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي الدولي بنسبة 4 .8% هذه السنة مرتكزاً على حيوية الدول الناشئة في آسيا وأمريكا اللاتينية . تسعى الدول الصناعية إلى التخفيف من عجز الموازنات بينما تحاول الدول الناشئة منع عملاتها من الارتفاع حفاظاً على أسواقها الخارجية . يتحقق النمو الاقتصادي الدولي الحالي على أكتاف الدول الناشئة في وقت تتعافى خلاله الاقتصادات الأساسية الغربية . يقف لبنان موقف المتفرج ليس فقط بسبب ضعف الإمكانات والاهتمام والرؤية، وإنما خاصة بسبب انشغالنا جميعاً بقضاياً وتشنجات داخلية تصرف النظر عن التحديات الكبرى الطويلة الأمد . فالاهتمامات الرسمية والخاصة تتركز على مواضيع سياسية داخلية مهمة، إلا أنها ستؤخر حتماً عملية اندماج لبنان أكثر في مسيرة التطور بل التحديث الاقتصادي الدولي . ما أهم ما يشغل العالم اليوم وأين لبنان منها موقفاً واهتماماً وتأثيراً؟
أولا: في تطور السكان والضمانات الاجتماعية والصحية . هنالك فريقان دوليان كبيران أولهما غربي تنحدر فيه نسبة الطاقات الشابة وتزداد فيه نسبة المتقاعدين . يسعى هذا الفريق إلى زيادة سن التقاعد كي تتمكن المؤسسات من الاستمرار في تمويل حياة وحقوق المتقاعدين . ما يجري في فرنسا اليوم هو في غاية الخطورة إذ تختلط فيه السياسة بالاقتصاد والاجتماع والإدارة، ولا بد من أن تكون النتيجة مكلفة جداً على الفرنسيين إذا طالت الأزمة المتفاقمة . هنالك مشكلة تمويل حقيقية إلا أن الخلاف المالي يقع في كيفية التمويل، إذ تريد النقابات رفع نسب الضرائب على الشركات والأغنياء بينما ترى الحكومة أن الطريق الأصح هي زيادة سن التقاعد . هنالك عوامل منطقية في المشاريع الاصلاحية إذ إن رفع سن التقاعد في أوقات يرتفع خلالها ldquo;العمر المتوقعrdquo; إلى الثمانينات هو مفيد للإنسان والمؤسسات وغير جائر، بالإضافة إلى أن زيادة الضرائب يمكن أن تدفع بالشركات وأصحاب الأموال إلى الخروج من فرنسا والتوجه إلى دول مجاورة ذات أنظمة ضرائبية معتدلة . أخطر ما يحصل هو محاولة ضرب المؤسسات العامة والتي يساهم بها المتصلبون في الحكومة كما في النقابات والجهات المضربة . فرنسا دولة المؤسسات والمنطق والقوانين والتوازنات والديموقراطية هي اليوم حقيقة في خطر .
هنالك مجموعة دول خاصة في المستوى الناشئ همومها مختلفة تماما، إذ إن عدد سكانها يرتفع بنسب كبيرة ما يساهم في زيادة نسب الفقر والبطالة . همها محاربة الجوع والفقر وإيجاد فرص عمل للطاقات الشابة علها لا تهاجر بل تساهم في بناء اقتصاد دولها . في سنة ،2020 من المتوقع أن يبلغ العمر الوسيط 28 سنة في الهند مقارنة ب 38 في الولايات المتحدة، 45 في غرب أوروبا و49 في اليابان . الغرب يشيخ والدول الناشئة تتجدد عبر طاقاتها الشابة الطامحة إلى التغيير، باستثناء الصين التي تشيخ أيضا بسبب سياسة الطفل الواحد التي عجزت الهند عن تطبيقها في زمن ldquo;أنديرا غانديrdquo; لأسباب دينية واجتماعية . هنالك اليوم 610 ملايين مستعمل لشبكة الانترنت في الدول الخمسة BRICI (الصين، روسيا، الهند، الصين وأندونيسيا)، ومن المتوقع أن يتضاعف مرتين قبل سنة 2015 . تتقدم هذه الدول بخطى كبيرة ومستمرة وتحاول توسيع رقعتها ونفوذها دوليا ليس فقط في الاقتصاد وإنما في السياسة أيضاً . في ظل هذا الصراع الدولي، أين لبنان منه وهل هنالك من يفكر في التغيرات الديموغرافية علماً أن أوضاع مؤسسة الضمان الرسمية لا تحسد عليه بالإضافة إلى الشكاوى الكبرى المقدمة دائما من المستشفيات والأطباء وغيرهم والتي تقلق على المدى البعيد خاصة؟
ثانيا: الاستثمار في البنية التحتية والتي تتسابق عليه الحكومات الواعية في الدول الناشئة . تفهم الدول أن مستقبلها يعتمد على حجم ونوعية استثماراتها في البنية التحتية بكافة جوانبها . هنالك 400 مليون مواطن في الهند مثلا لا تصلهم الكهرباء، أما البرازيل فتعاني من سوء أوضاع المرافئ لديها . يتجه ملايين الصينيين من الريف إلى المدن ما يضع ضغطا كبيرا على الحكومة لتطوير وتحديث البنية التحتية خاصة في قطاعي الطاقة والنقل . تستثمر الدول الناشئة حوالي 3،6 ألف مليار دولار لمعالجة النقص في البنية التحتية بينها 87،3 ألف مليار في الصين . فمن يفكر في لبنان اليوم في تطوير البنية التحتية الأساسية وأين هي المشاريع المنفذة نسبة للحاجات؟ هنالك مشاريع تبدأ ولا تنتهي، ونفتقد أحياناً إلى أيام الماضي أي قبل التنفيذ . هنالك فوضى في التنفيذ، إذ يتركز العمل في النهار بدل الليل بحيث ينزعج المواطن وربما يتمنى أحياناً لو أن المشاريع لا تحصل . ماذا نفذنا في تطوير قطاعات الاتصالات والمياه والكهرباء والنقل والمرافق العامة وغيرها؟ فعلاً الكثير الكثير من الكلام والادعاء مقارنة بالتنفيذ وجودته وسرعته، من دون أن ننسى ضرورة احترام المواطن وحقوقه ورفاهيته .
ثالثا: محاربة الفساد . تسعى الدول الناشئة إلى مكافحة بل معالجة مشكلة الفساد إذ يعيق تفشيه عمليات الاستثمار والإصلاح ويضرب القواعد الديموقراطية . في مؤشر الفساد الدولي الصادر عن مؤسسة ldquo;الشفافية الدوليةrdquo; TI، تقع الدانمارك في المرتبة الأولى مع علامة 3،9 مقارنة ب 5،6 لدولة قطر و 6 ل ldquo;إسرائيلrdquo; و9،5 للإمارات و1،5 للأردن و 3 للبنان . فهل يمكن أن نرضى عن هذا الواقع ومن يعمل على تحسينه وإصلاحه . لبنان في المرتبة 102 في مؤشر الفساد الذي يقيم الوضع في 180 دولة . من الخطأ أن ننظر إلى الدول ال 78 المتأخرة عنا ونتفاخر بالنتائج . يجب أن يكون لنا طموح بحيث نحاول التقدم 5 درجات كل سنة، لكن هذا يفترض قيام المؤسسات العامة بواجباتها من ناحية توعية المواطن وتحديث القوانين وتطبيقها . يجب أن نبدأ بتنفيذ ورشة محاربة الفساد بشكل جدي وفاعل وإلا تأخرنا أكثر عن قطار التقدم . أين نحن من هموم العالم بما فيه العديد من الدول العربية .
رابعاً: في الاستثمارات التي تسعى كل الدول إلى جذبها لأن الاستثمار يؤدي إلى النمو ويضرب البطالة ويحسن الأوضاع الاجتماعية . كي تستقطب أي دولة الاستثمارات خاصة الأجنبية، عليها معالجة ما يشتكي منه المستثمرون أي الغاء العوائق التي تقف أمامهم . في مؤشر البنك الدولي الذي يقيم سهولة القيام بالأعمال في 183 دولة، تأتي سنغافورة في الطليعة في سنة 2010 وتحتل المملكة العربية السعودية المرتبة 13 وفرنسا 31 ولبنان المرتبة 108 علما أننا تراجعنا من المرتبة 101 في سنة 2009 . يعود هذا التراجع إلى تأخر لبنان في معالجة العوائق أهمها في قطاع البناء وتسجيل الملكية والحصول على قروض وحماية المستثمرين وغيرها . لا يمكن للبنان أن يستمر في تحقيق نمو قوي ويخفف من خسارات الفرص الضائعة إذا لم يقم بمعالجة العوائق التي تزعج المستثمرين اللبنانيين والعرب والأجانب . فمن يأخذ على عاتقه هذه المهمة الكبيرة؟
خامسا: تسعى كل الدول إلى زيادة تنافسية اقتصاداتها التي تنعكس إيجابا على النمو والعمالة والرفاهة الاجتماعية . في المؤشر الصادر عن ldquo;الملتقى الاقتصادي الدوليrdquo; الذي يقيم مؤتمر ldquo;دافوسrdquo; كل سنة، يحصل لبنان على المرتبة 92 مقارنة بالمركز 17 لقطر و 25 للإمارات و 67 لبوتسوانا . يقوم لبنان فعلا للمرة الأولى في هذا المؤشر، إلا أن النتيجة غير مرضية للبنانيين وطموحهم ولا بد من العمل الجاد للتقدم في المعايير ال 12 التي يبنى عليها المؤشر . باختصار، إن المطلوب هو العمل بجدية لتحسين موقع لبنان الاقتصادي دولياً وعدم المماطلة في معالجة القضايا الحقيقية التي تهم اللبنانيين .