جريدة الجرائد

لقد صدر الاتهام الظني لحزب الله

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

نهلة الشهال

لبنان ليس صرة الكون, ولكن قد يكون من الضروري أخذ الموقع المهم والمركزي لما يدور فيه وبخصوصه, على محمل الجد, بعدما تبين بالتكرار أن المعركة هنا دولية الابعاد حقاً. وربما يجب تدريب النفس على التمييز بين الغلاظة والتفاهة و"الجلقة" في تصريحات بعض السياسيين اللبنانيين الذين يتولون إدارة النقاش في البلد, أو يقتحمونه أحياناً إثباتاً لأهميتهم الشخصية ولأهليتهم في احتلال موقعهم أو الوظيفة العائدة اليهم, وبين "السمين". فقد تولى السادة بان كي مون وكراولي, وغيرهما من الديلوماسيين الدوليين, الإجابة المباشرة على خطاب السيد نصر الله الاخير بصدد "حادثة العيادة" كما باتت تعرف. وكانت إجاباتهما سياسية بامتياز, وهو ما لم ينفك حزب الله يقوله بخصوص المحكمة الدولية دون أن يلقى آذاناً صاغية.

فالسيد كراولي, الناطق باسم الخارجية الامريكية, يعتبر أن عمل المحكمة يهدف الى "مقاومة ترهيب حزب الله", وأن الحزب قد برهن بأنه "لا يهتم لمصالح الشعب اللبناني", بل قال كراولي بوضوح أنهم سيساعدون الحكومة اللبنانية على المقاومة. الامريكان إذاً من سيحمي وسيهتم! لعل أول ما يتبادر الى الذهن, أن ما يقال له "الشكل" قد بات أكثر فأكثر لا يُرَاعى في تلك التصريحات. ولعل حزب الله قد نجح في دفع هؤلاء المسؤولين الى مزيد من "الكلام العام", وإذاً السياسي, بدل تلك الحِرَفية المهنية التي تبدو غير قابلة للاستمرار في التنفيذ كلما غاص موضوع المحكمة في الواقع وحاول الاقتراب من أهدافه.

ها نحن بإزاء سلطة وصاية دولية حقيقية تدافع عن شعب مغلوب على أمره بوجه أشرار يتسلطون عليه. بل وتصعيداً, وتأكيداً للطابع الوصائي, فثمة دعوة الى عقد جلسة لبنانية خاصة لمجلس الامن, أو ما يسمى في تصريحات أخرى "مشاورات لبنانية" لمجلس الامن, تهدف على ما يبدو الى إدراج التعاون مع التحقيق الذي قال السيد نصر الله أن حزبه غير معني به في البند السابع, وهو البند الوصائي والحربي بامتياز الذي يملكه مجلس الامن, وكان قد وضع العراق في ظله إثر حرب الخليج الاولى وقرارات العقوبات والحصار... وما زال! وهو بند أشار إليه وتضمنه القرار الدولي العائد للبنان بطريقة مطاطة قابلة للتأويل والتمديد غب الطلب.

وربما وجب هنا الربط بين هذا التصريح الغريب للمسؤول الامريكي, وبين ما أدلى به السيد سعد الحريري بخصوص الموضوع ذاته, وهو تصريح قُيِّم على أنه عمومي وهادئ, قال فيه انه لن يندفع الى قول كلمة واحدة تخالف موقفه المشدِّد على الحفاظ على لبنان "بلداً للحوار والتعدد والديمقراطية واختلاف الرأي". عظيم! فهي نوايا لا يخالفها لبناني بالتأكيد. ولكن بياناً لتيار المستقبل, أردف كوسيلة أيضاح لمن لم يفهم بعد, أنه لا ينبغي "القبول بالاغتيال السياسي كوسيلة لإسقاط حق الاختلاف بالرأي"! مفهوم? ها قد صدر الاتهام ولا حاجة, بعد, للقرار الظني من المحكمة نفسها.

الربط بين مجمل هذه التصريحات لا غنى عنه لتعين وجهة الفعل السياسي الذي تتخذه من الآن وصاعداً الاداة المدعوة "محكمة دولية خاصة بلبنان", والتي لا تتورع عن إعادة زج سورية التي برأها السيد سعد الحريري عند لحظة الانتقال الى اتهام حزب الله, وبعدما أدى اتهامها المديد باغتيال الحريري الاب أغراضه, وبات التلويح لها بالتضحية برأس الحزب حفاظاً على رأسها هي, أكثر فائدة. حسابات ساذجة تقولون? ولكنها بدت في لحظة من اللحظات ممكنة, لا سيما أن التقارب السوري السعودي قد روج لمثل هذه الاوهام. وأما التلميح الصريح الى إيران فجزء من الخطة الشاملة. ولكن المهمة اليوم هي تنظيم المسرح اللبناني الخاصرة الرخوة, الطرف الاضعف? بالتأكيد! ليبقى حاضنة توتر مضبوط, تعلو وتيرته أحياناً أو تنخفض حسب الاوضاع العامة في المنطقة وحاجات الادارة الامريكية أيضاً.

لكن الامريكان غارقون في وحول العراق وافغانستان, فكيف لهم التصدي لجبهة صعبة كتلك الايرانية السورية اللبنانية? هذا الآخر افتراض ساذج, لأن صعوبات الولايات المتحدة في المنطقة بل وفي العالم, لا تعني هزيمتهم واستسلامهم وانسحابهم من الفعل الدولي, بل هم سيستمرون في الدفاع عن مصالحهم وفي القتال من أجلها أينما يتسنى لهم ذلك وبكل الوسائل. وهناك بخصوص لبنان والمنطقة إجمالاً, وهذا صحيح الاعتبار الاسرائيلي الذي لا يُفترض الاستهانة به في تعيين الممكن من ضمن الخطة الهجومية الدفاعية تلك.

لقد نجحت المقاربة التفكيكية للعالم, تلك التي تحيله معطيات غير مفهومة إذ مبعثرة, فتبقي زمامه بيد الاقوى والاكثر إمكانات. ويصبح ذلك نفسه مفاهيم القوة والامكانات نسبياً قابلاً للانطباق على ضعفاء, ولكنهم في وضع أفضل من سواهم. وهكذا, فيمكن للمنطقة أن تخرب أكثر في اليوم نفسه الذي ترتفع فيه العقائر دفاعاً عن الديمقراطية في لبنان, فيصرح سيلفا كير ممثل جنوب السودان, بأن بلده المقبل سيتعاون مع اسرائيل, فmacr; "النزاع القائم هناك لا يعني سوى الفلسطينيين", وهو محق طالما دول عربية تتعاون مع اسرائيل, وطالما هو ذاق الامرين من عرب السودان, وطالما وطالما...ولكنها فرصة ذهبية لإسرائيل للتموضع في تلك النقطة الاستراتيجية على كل الصعد, وفي التحكم ليس أقل مِن : بنهر النيل!! ويمكن أن يُنتخب وهبة مجلي, وهو فلسطيني يعمل مع الليكود منذ نعومة أظفاره, واصبح نائبا عن هذا الحزب في الكنيست ثم نائباً لرئيس الكنيست, أن يُنتخب في الرباط نائبَ رئيس لمنظمة برلمانيي الشراكة الاورومتوسطية, (وإلا لكانت انسحبت اسرائيل كما هددت في الاجتماع), ولا ينسحب بالمقابل المندوبون العرب الذين لم يُحسنوا التفاوض تجنباً لمثل هذه النتيجة هل سيحاسبون? ويمكن لتقارير الاستباحة والتعذيب الامريكيين في العراق أن تتسرب وأن تُنشر على الملأ, ثم تغرق في حروب صغيرة بين المالكي وعلاوي, وبين السنة والشيعة, فيتبدد أثرها ويذهب ادراج الرياح. ويمكن اختيار الدخول الى عيادة امراض نسائية للعبث بمحتويات ملفات نساء حزب الله يا للخيار الرمزي البشع, أهي حماقة أم هو تصويب مقصود? ولا يهتز شعور أحد في منطقة ما زالت تعتبر النساء عرضها وشرفها!! استفيقوا يا قوم, فالانحطاط, حتى الانحطاط له قعر, وليس الامر حزب الله, ولا غلبة هذا أو ذاك, بل هي حقاً بلا أي درامية, مسألة وجودنا الجماعي.0

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف