جريدة الجرائد

ومن الوثائق ما قتل!!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك


علي الظفيري

من يهن يسهل الهوان عليه،، ما لجرح بميت إيلام..
"إن الأعضاء المصابة بالغرغرينا لا يمكن أن تعالج بالماء العطر، بل إن السم والبتر هما الأسلحة المألوفة والمطلوبة كعلاج لهذا الموقف، بغير أي ضرب من الرقة أو النعومة، ذلك لأن الحياة عندما تقف على حافة الهاوية والانهيار، فإن إعادة تنظيمها لا يمكن أن تتم في هذه الحالة إلا بأقصى درجات العنف والقوة" جورج فردريك هيغل - الدستور الألماني.
ماذا يمكن أن تكون النخبة السياسية الحاكمة في عراق اليوم غير كتلة من الغرغرينا واجبة البتر والاستئصال، يستحيل أن يستيقظ المرء ويرى وجه رجالات الحكم في العراق دون أن يكره نفسه، من أين لهؤلاء القادة بكل التواقح والجسارة على كرامة الإنسان العراقي، كيف يمكن لنوري المالكي أن يطالب بولاية ثانية في ظل هذه الوثائق الكفيلة برميه في أقذر سجن دون رحمة.
بعد سنوات من الشك في فكرة المقاومة العراقية ومحاربتها على الصعيدين السياسي والإعلامي، ومحاولة تجفيف منابعها العربية في سوريا والأردن ودول الخليج، بحجة أن العملية السياسية تؤتي أكلها يوما بعد يوم، وأنها قد تشكل مخرجا حقيقيا لما يعيشه العراق من أزمة نتيجة احتلاله، بات واضحا اليوم خطأ هذا التصور الحسن النية والساذج، والنقاش الذي دار حول جدوى العمل المقاوم ونجاعته كان نقاشا عقيما ودلالة على حالة الهوان التي يعيشها العراقيون، ومن يهن -كما قال أبو الطيب- سيسهل عليه أن يبتلع أربعمائة ألف وثيقة تدين كل رموز الاحتلال وشركائه، فاليوم الثاني لكشف هذه الوثائق كان يوما اعتياديا في العراق، كان المالكي يتابع نشاطه التجديدي بكل همة ودون حياء، كأنه يقول للعراقيين: سأفعل ذلك لو ظهرت ملايين الوثائق!
ما تابعت يوما سياسيا يمارس النواح والتباكي والتظلم كما هو حال رئيس الوزراء العراقي، منذ سنوات والمالكي يحذر من التآمر عليه ومحاولات إسقاطه، في الوقت الذي تقول الوثائق -الصحيحة- إنه كان يعمل سراً على إسقاط الآخرين، كان لرئيس الوزراء أجهزة أمنية خاصة تتبع له بشكل مباشر، وهذه الأجهزة غير معلنة ولا يُعرف أعضاؤها ولا أهدافها!!، ربما كانت تعمل على نشر الديمقراطية الجديدة في المساء، وتحديدا على العراقيين من غير المؤمنين بها، ويأتي بعدها السيد المالكي لا ليقول لك إنها وثائق كاذبة وغير صحيحة وإنه على استعداد تام لمواجهة التفاصيل التي أوردتها، بل ليحذرك من مراميها وأغراضها التي تستهدف إسقاطه وعدم التجديد له في الرئاسة، علماً أن الوثائق استهدف معظمها السلوك الأميركي اليومي منذ احتلال العراق ولم يأتِ على ذكر المالكي سوى في جانب محدود منها، وهنا يتضح لنا ما يثير اهتمام المالكي بشكل رئيسي، فالرجل غير معني بمئات الآلاف الذين قتلوا من مواطنيه، ولا بالسلوك الوحشي للقوات الأميركية في بلاده، ولا بالنفوذ الإيراني وأبعاده، فقط راية التجديد هي المرفوعة لدى السيد الرئيس، هذا هو العراق الجديد!
ليس نشاط رئيس الوزراء العراقي وحده ما يستوجب المحاكمة، بل نشاط منافسيه ومنتقديه أيضا، كيف لنائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي أن ينتقد هذا السلوك ويطالب بالتحقيق في ما كشف من نشاط سري لرئيس الوزراء، فالهاشمي -نائب الرئيس- في العراق الجديد أول من يجب محاكمته، رجل الصحوات والتسليم للاحتلال والذوبان فيه من أجل شيء من السلطة والمال والشريك "السني" الأول في سلطة الاحتلال أكثر من يتوجب التحقيق معه بعد ظهور الوثائق، الرجل الذي كان يرتدي النظارات الشمسية أثناء زيارة من سُمح له بزيارتهم من العراقيين في السجون، هو الذي تُـلحّ إدانته أكثر من غيره، فضلا عن أن تكون فرصة للظهور بمظهر المناضل والمكافح من داخل عملية سياسية طائفية مجرمة يديرها الاحتلال ويتحكم بمفاصلها. وينسحب هذا الأمر على إياد علاوي والمنافسين للمالكي والراغبين في الجلوس على كرسيه!
وثائق ويكيليكس تكشف الوجه البشع لاحتلال العراق، وتعري الولايات المتحدة الأميركية بشكل رئيسي، أما إيران الانتهازية وملاحقها السياسية والمخابراتية في العراق، ورموز العملية السياسية في المنطقة الخضراء، فمجرد تفاصيل صغيرة لأكبر عملية هدم في القرن الحادي والعشرين، وما يتكشف لنا اليوم ينبئ بحالة الغروب على المشروع الأميركي القذر في المنطقة، وطائر الحكمة (بوم المنيرفا) عند هيغل، لا يبدأ تحليقه إلا عند ضوء الغروب الخافت، وهذا عهد مناهضة الاحتلال ومقاومته!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف