عن المطلوب خليجياً لتفادي النار اليمنيـة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
محمد المزعل
منذ فترة ليست بالقصيرة، تتقاذف الأنواء اليمن "السعيد" من كل جانب حتى صار ينحدر سريعا نحو الفوضى. فتواجه حكومته ثلاثة صراعات متزامنة، تكاد تقضي على ما تبقى من مقومات الدولة فيه، رغم الإعلان المتكرر بأن "كل شيء تحت السيطرة".
في الشمال، لا يمكن القول أن الحرب ضد الحوثيين قد انتهت. فالاشتباكات المتقطعة باتت ظاهرة عادية لا تجذب انتباه الإعلام. ولم تعد أولوية في ظل نزاعين آخرين. في الجنوب، تزداد الحركة الانفصالية زخما. ولا يخلو أسبوع من دون مظاهرة "للحراك الجنوبي". تتخللها عادة اشتباكات مع القوات الحكومية. وربما حرق وكر وفر. على الجانب الآخر هناك الخطر الداهم حيث تنتشر عناصر القاعدة الذين يزداد عددهم باضطراد غير مسبوق في أي بلد في هذا الجزء من العالم.
ووفقا لتقارير غربية وعربية فإن الشبكة الإرهابية نصبت في اليمن "مركز عمليات" إثر الحصار المفروض عليها في أفغانستان وباكستان. وتقول التقارير أن اليمن صار "مركز التجنيد الأسرع" للقاعدة في العالم.
وما اكتشاف قنبلتين في مطار دبي ومطار شرق ميدلاندز البريطاني، مرسلتين في طردين إلى الولايات المتحدة يوم الجمعة، إلا دليلا إضافيا على مدى تغلغل "القاعدة" في المؤسسات اليمنية، حيث كان سهلا عليها تمرير تلك العبوات الناسفة من صنعاء إلى دول مجاورة من دون أن يثير ذلك شكوك سلطات التفتيش في صنعاء. واعتقال اكثر من عشرين موظفا في مطار صنعاء دليل على التواطؤ مع تلك المجموعة الخارجة على القانون.
لكن حادثة يوم الجمعة هي واقع تلفت الانتباه إلى ما هو أخطر من التواطؤ الداخلي مع "القاعدة". فإنها تشير إلى أن التهديد الذي يشكله إرهاب "القاعدة" صار يتمدد خارج حدود اليمن. لا سيما إذا عرفنا أن إحدى القنبلتين، تلك التي اكتشفت في دبي، نقلت على متن طائرة تجارية "تابعة للخطوط الجوية القطرية وفقا لتأكيد مسؤول قطري". وكان على متنها عشرات الركاب.
ومن حق الدول المجاورة أن تخشى على مصالحها، وأمنها، من خطر لا يبعد عن حدودها كثيرا. خاصة وأن الأحداث الاخيرة أثبتت فشل الإجراءات الأمنية في اليمن.
ضعف تلك الإجراءات والشكوك المتزايدة في قدرة الحكومة على احتواء الخطر "القاعدي" ينذر كذلك بإمكان إلغاء كأس الخليج لكرة القدم. من غير المتوقع أن تزج الدول الخليجية بأبنائها في خضم نزاعات دموية وسط تهديد إرهابي قائم يحظى بتواطؤ واضح من قبل قبائل يمنية.
وقد اشتكى مسؤولون أمريكيون مؤخرا من تردد المسؤولين اليمنيين في تصعيد الحرب على "القاعدة" بسبب خشية الحكومة من غضب القبائل، حليف النظام الرئيسي في مواجهة الحراك الجنوبي. ومعروف تعاطف القبائل لا سيما في الشمال مع التيار الديني المتشدد الذي يرفد "القاعدة" بالكوادر.
قلة من الناس على أية حال لا يزالون يرون إمكانية انضمام اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي، في ظل فشل الحكومة البين في السيطرة على أجزاء مختلفة من البلاد. ولكن المسألة لم تعد تأهيل اليمن للانضمام إلى المنظومة الخليجية. بل أصبح الخطر وجوديا بالنسبة إلى اليمن. معركة اليمن الحقيقية اليوم هي في المحافظة على سلامة أراضيه ووحدته السياسية واستعادة الاستقرار والسلم الأهلي. وواضح جدا أن اليمن لا يملك القدرة على ربح تلك المعركة بمفرده.
يحتاج اليمن إلى كل مساعدة ممكنة من جيرانه "الخليجيين بالذات" وحلفائه الغربيين للقضاء على خطر "الفاعدة" وضرب التطرف الأصولي قبل أن تصبح أفغانستان جديدة في قلب منطقتنا الحيوية، وفي جزء من المنطقة يسيطر على أهم ممر بحري، مضيق باب المندب الاستراتيجي.
اليمن اليوم في حاجة ماسة إلى اجتماع خليجي طاريء، ربما بحضور عربي وغربي، لتقرير خطوات عملية وفعالة وفورية تقينا جميعا خطر سقوط اليمن الكامل في الفوضى. لا يجب أن يكون مثل هذا الاجتماع للمناقشة "وتحديد الظروف والأسباب" كالعادة. لقد تجاوزنا هذه المرحلة. المطلوب اليوم تحرك عاجل لانقاذ ليس اليمن فحسب، بل المنطقة الخليجية من خطر كاد يودي بحياة المئات قبل يومين.
كما يجب على الدول التخلي عن لغتها الدبلوماسية قليلا، ومواجهة صنعاء بالواقع. يجب على الحكومة اليمنية أن ترفع الغطاء عن التيارات الدينية وبدء حرب جادة ضد "القاعدة" التي يعرف الجميع أن اتخذت من اليمن منطلقا لمعظم عملياتها الإرهابية في المملكة العربية السعودية.
كان الحديث قبل أشهر عن ضرورة دعم التنمية في اليمن لوقف انتشار التطرف ولإضعاف نفوذ القاعدة. كان الحديث عن "حل تنموي" لمشكلات اليمن. واضح اليوم أنه لا مفر من حل عسكري يعيد هيبة الدولة. ويضمن أمن المنطقة الخليجية.