الإرهاب والمقاومة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
أمجد عرار
منذ سنوات تتكرر دعوات من جانب زعماء وسياسيين وإعلاميين لعقد مؤتمر دولي عنوانه التفريق بين الإرهاب والمقاومة . لم تلق تلك الدعوات أي آذان صاغية، وكانت الولايات المتحدة، ولا تزال، في طليعة الرافضين للفكرة، وأشدّهم رفضاً لها . ورغم أن الفرق بين الإرهاب والمقاومة شديد الوضوح، إلا أن القوى التي تتحدّث عن الإرهاب أكثر مما تتنفّس، ترفض مجرد مناقشة أي اقتراح ينطوي على اعتراف بأي ظاهرة اسمها مقاومة إذا كانت ضد احتلال تقوم به أو تغذّيه هذه القوى .
هكذا أبقى الخطاب السياسي والإعلامي في أوساط الغالبية الرسمية لدول العالم على الخلط بين الإرهاب والمقاومة لغاية في نفس دول مستفيدة من هذا الخلط المقصود والممنهج والذي تتضرر منه أكثر من يتضرر المقاومة ذاتها بأخلاقيتها وثقافتها وممارستها بل حتى وجودها .
هاكم المقاومة الفلسطينية مثالاً، فرغم عدالة القضية الفلسطينية التي لا يقوى أحد في هذا الكون على الطعن بها، على الأقل من الناحية النظرية، إلا أن مشروعيتها تعرّضت لطعنات متلاحقة وعلى نحو تصاعدي، اعتمدت منهجية التدرّج في تبخيرها لإحلال وحدانية عملية التسوية الفراغية مكانها، وتبلغ الطعنات ذروتها هذه الأيام عبر تكامل أدوار بين ldquo;إسرائيلrdquo; وأمريكا ومن لف لفهما من عصابة رسمية تسمى زوراً وبهتاناً المجتمع الدولي .
لا ننكر قيام البعض بعمليات لا تندرج تحت منهجية المقاومة الفلسطينية، رغم أن الكثير من العمليات ارتكب باسمها وعبر اختراق صفوفها، لكن هذا لا يعني بقاء الخلط المقصود بين المقاومة المشروعة والإرهاب المدان بكل أشكاله وفي مقدّمها إرهاب الدولة الذي تمارسه أكثر الدول رغياً في الحديث عن الإرهاب . وإذا عرفنا إلى أي مدى أضرت الممارسات العشوائية والإرهابية بمفهوم المقاومة، يمكننا أن نرد الكثير من هذه الممارسات إلى الأطراف المستفيدة منها . ويمكن أن تكون الحالة العراقية نموذجاً ملائماً لرؤية كيف استطاعت أساليب مشبوهة وعمليات إرهابية عمياء أن تطغى على المقاومة العراقية المشروعة التي يمكنها لو لم تتعرّض للخلط المقصود، أن توحّد الشعب حول هدف واحد هو التحرر من الاحتلال والإمساك بزمام تقرير المصير لبناء عراق الوطن الواحد بدلاً من أوطان الطوائف وعصابات السلب والنهب .
آن الأوان لصرخة جديدة دفاعاً عن حق الشعوب في الحياة الحرة، وإذا كانت المقاومة وسيلة ضرورية لتحصيل هذا الحق في الحياة، فلا بد أن يحتكم الجميع في هذا العالم إلى شرعة الأمم المتحدة ومواثيقها التي تؤكد حق الدفاع عن النفس ومقاومة المحتلين . ومن المفيد، بل من واجب كل الأحرار في هذا العالم، أن يدفعوا باتجاه إعادة الاعتبار للفرق بين المقاومة والإرهاب، وهو فرق واضح كالفرق بين النور والظلام، فلا يمكن اعتبار استهداف المرافق المدنية ووسائل المواصلات والتجمعات العامة، عملاً من أعمال المقاومة . ولا ينبغي قبول استهداف مدنيين أياً كانوا، حتى لو أن حكوماتهم عدوانية، وليس مشروعاً ولا منطقياً قتل أبرياء بذريعة الرد على قتل أبرياء .
مهما يكن، فإن المؤامرة لا تتوقّف ما دام المراهنون عليها يجدون أدوات وبارقة أمل بالنجاح، وبإمكاننا رؤية ومتابعة المحاولات الدولية المتكالبة للنيل من المقاومة وشيطنتها، كلّما تعذّر انكسارها بقوة السلاح .