جريدة الجرائد

العراق بين انسحابين.. 1971 - 2011

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

عادل الطريفي

في خطوة مهمة لكسر الجمود في قضية تشكيل الحكومة العراقية، دعا الملك عبد الله بن عبد العزيز قادة الأحزاب العراقية الفائزة بالانتخابات إلى اجتماع في السعودية، بغية تجاوز الاختلافات بينهم، وتشكيل حكومة وحدة وطنية.

ردود الفعل العراقية كانت متباينة، فوسط ترحيب بعض الشخصيات السياسية بدا أن التحالف الوطني العراقي (الذي يضم أغلبية المكونات الشيعية)، والقائمة الكردية مترددان في الاستجابة للدعوة السعودية، بحجة أن التقارب بين الطرفين بغرض تشكيل الحكومة وشيك، وأنهم مع تقديرهم للمبادرة إلا أنهم متأكدون من قدرتهم على تجاوز الأزمة دون الحاجة لتدخل دول الجوار.

طبعا، كانت هناك تصريحات عابرة من بعض النواب تصف المبادرة السعودية بـ"المتأخرة"، أو تدعو السعودية لعدم التدخل في الشأن العراقي باعتبارها "لا تحترم السيادة العراقية". أيا تكن الاستجابة للدعوة السعودية خلال الأسابيع المقبلة، فإنها قد وفرت، لأول مرة منذ الانتخابات، فرصة للمصالحة الداخلية والإقليمية ما بين العراقيين أنفسهم، وما بين بقية دول الجوار العربية.

الدعوة، لا شك، في حال تمت تلبيتها ستوفر شرعية إقليمية لأي حكومة عراقية مقبلة، وفرصة لانفتاح دول الجوار على العراق سياسيا واقتصاديا.

ولكن، هل العراقيون مستعدون لمرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي؟

منذ غزو العراق، والسياسيون العراقيون يعملون ويتحركون في شبه حرية نسبية تحت الحماية الأميركية، وعلى الرغم من هجمات القاعدة الإرهابية، وتورط مخابرات بعض دول الجوار في تأجيج الفتنة الطائفية والإثنية، فإن اليد الأميركية نجحت في الإبقاء على وحدة العراق، وأجبرت السياسيين العراقيين على أن يتنافسوا وفق قواعد اللعبة الديمقراطية. أميركا - بالطبع - مسؤولة عن الغزو، وعن كثير من الأخطاء والخسائر البشرية والمادية التي حدثت ولا تزال تحدث في العراق، ولكنها عن قريب تستعد للمغادرة - أو على الأقل سحب الغالبية من جنودها. أمام هذا التحدي فإن العراقيين والأميركيين أثبتوا عدم استيعابهم لدروس التاريخ؛ فمن جهة يعتقد الأميركيون أنهم ببنائهم في بغداد لأكبر سفارة أميركية في الخارج، وتواجدهم في أكثر من سبع قواعد عسكرية في البلد، قادرون على ضمان مصالحهم في العراق. ومن جهة أخرى، فإن الساسة العراقيين يعتقدون أنهم بالاعتماد على أميركا يمكنهم الاستغناء عن تحمل أي مسؤولية إقليمية، وبالتالي فإنهم غير معنيين بالتصالح مع دول الجوار.

في الواقع، ساسة العراق اليوم يكررون أخطاء العراق في السابق. حين أعلن البريطانيون عزمهم على الانسحاب من الخليج في عام 1968، دب القلق بين الدول الرئيسية في المنطقة، لأن التواجد البريطاني كان يفرض نوعا من التوازن بين تلك القوى، مما جعلها تؤجل كثيرا من خلافاتها ومطالبها الحدودية. في البداية اتخذ العراق، برئاسة عبد الرحمن عارف، موقفا متصلبا تجاه أي تسويات تتعلق بمطالب العراق، سواء مع الكويت، أو إيران، أو أي دولة أخرى. الشاه من جهته جدد مطالب بلاده في البحرين وعدد من الأراضي الحدودية والجزر البحرية.

حدث انقلاب 1968، وجاء البعثيون بقيادة أحمد حسن البكر، حيث فرضوا شروطا تعجيزية للتفاوض مع الدول الأخرى، واتجهوا إلى التقارب مع الرئيس عبد الناصر لتقوية موقفهم تجاه جيرانهم قبل أن يتحول ذلك التقارب إلى عداء مر. شيئا، فشيئا، أبدى الشاه استعداده للتفاوض مع السعودية، وبين عامي 1969 و1970، نجحت بريطانيا في إدارة المفاوضات ما بين إمارات دول الخليج، وتحقيق توافق كبير بين القوتين الإقليميتين، السعودية وإيران، وبذلك حافظت على مصالحها. بحلول 1971 كانت تلك الأطراف قد استطاعت حل قدر كبير من مشكلاتها الحدودية، ولكن بقي العراق يلعب دور المخرب والمعطل داعيا إلى قطع العلاقات مع إيران. انتهى الحال بالعراق إلى توقيع اتفاقياته الحدودية بعد الانسحاب البريطاني، وخسر بذلك قدرته على تعزيز موقعه التفاوضي، واتفاقية الجزائر 1975)) الحدودية مع إيران مثال بارز.

اليوم، يتكرر الخطأ مجددا، حيث لا يبدو بعض القادة العراقيين قادرين على رؤية ما هو أبعد من صراعاتهم الحزبية الضيقة. أما الأميركيون فهم منشغلون بفكرة الانسحاب من أجل تعزيز حربهم في أفغانستان، في وقت يتلاشي فيه الدعم الشعبي الأميركي لأي من الحربين. القادة العراقيون يقولون إنهم سيراجعون الوضع نهاية 2011 لتقييم الحاجة لتجديد الاتفاقية الأميركية، ولكن هذا التفكير لا يراعي مسألة أن تجديد تلك الاتفاقية قد تقف أمامه عراقيل داخلية أميركية، إذ قد تحجم الإدارة عن إبقاء أي قوة عسكرية في العراق إذا كان ذلك سيتسبب في أي خسائر انتخابية.

العراق ليس بحاجة إلى مبادرة سعودية، أو إيرانية لحل مشكلاته الداخلية، ولكنه بحاجة في مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي إلى أن يتم التعامل معه بندية، واحتساب قيمته كلاعب أساسي في ضمان أمن واستقرار المنطقة، وهذا ما تعد به مبادرة الملك عبد الله. إذا رضي بعض السياسيين العراقيين بالاكتفاء بالعلاقات مع إيران وسورية فذلك شأنهم، ولكنهم بذلك سيحولون العراق إلى بلد هامشي تتحكم فيه مقررات إقليمية أكثر قوة وتأثيرا منه. إذا لم تجد دول الجوار قيادة عراقية مستقلة قادرة على التعاطي معهم، فإنها ستستمر بالضرورة في التعامل مع أميركا وإيران بوصفهما من يملك التأثير الفعلي في القرار العراقي.

الأمر بيد العراقيين وعليهم أن يقرروا: إما إعادة تكرار أخطاء التاريخ، أو الانعتاق منها.



التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف