جريدة الجرائد

أوباما ـ 2 أكثر "عدائية" في الشرق الأوسط

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

"الأوبامية" خسرت معركة ولم تخسر الحرب وأميركا تنحدر باتجاه العالم الثالث اذا لم تقبل التغيير


بيروت - أسعد حيدر

لم تمت "الأوبامية" حتى يجري "الرقص" حول قبرها. ما زال الوقت مبكراً لإعلانٍ من حجم إعلان وفاة. "الأوبامية" خسرت أمس معركة ولم تخسر الحرب، سبق للرئيس بيل كلينتون أن عانى مثل هذه الخسارة، واستعاد الفوز، غيره من الرؤساء الأميركيين عديدون مروا بتجربة خسارة الانتخابات النصفية ولم ينته العالم بالنسبة لهم، ربما لأن باراك أوباما تحول الى رمز، الى ما يعرف "بالأوبامية" هو الذي يجعل من هكذا خسارة، مؤلمة وصعبة. أوباما خسر "معركة" ولم يخسر "الحرب". أمامه الوقت. اذا أحسن استثماره خلال العامين القادمين أصبح "سيفاً بيده، وان فشل تحول الى "جرافة" تحفر نهايته بسرعة وعمق.
سؤال كبير تطرحه نتائج الانتخابات النصفية، باراك أوباما والتغيير، حدث أم حادثة؟.
الحدث يستمر. يتعرض للضغوط، يتراجع ويتقدم حتى يصل الى انتاج فعل التغيير. الحادثة، تقع، تلملم بقاياها ويجري العمل على محو آثارها. أيضاً من المبكر جداً الحسم. لكن من الواضح حتى الآن، أن "الأوبامية" حدث جاء قبل أن ينضج المجتمع الأميركي رغم حاجته لها لاحتضانها والعمل على انتاج مفاعيلها، قبل أن يكون "التغيير" ضرورياً للولايات المتحدة الأميركية لإعادة تشكيل سياستها في العالم، فإنه أكثر من حاجة ملحة وعاجلة على الصعيد الداخلي.
الأزمة المالية والاقتصادية غير المسبوقة شكلت واقعاً مسرعاً لفوز أوباما، ولكنها أيضاً كما يتأكد يوماً بعد يوم أصبحت "سلاحاً" ضده. لم ينجح أوباما في المحافظة على "جبهته" المشكلة من "مروحة" واسعة من الأميركيين، وفي الوقت نفسه لم يستطع من فكفكة جبهة "المحافظين" من "الجمهوريين" الذين لم يبلعوا خسارتهم. فكانت النتجية صعود "الشعبويين" من "حزب الشاي" الى واجهة الحملة الانتخابية ضده. مشكلة أوباما الحقيقة أنه طرح التغيير على مجتمع، الفردية فيه عميقة، وفي الوقت نفسه لم يكن كما يقول "الجناح اليساري (اذا صح التعبير) جريئاً بما فيه الكفاية ولا سريعاً كما يجب ليضع الجميع أمام الأمر الواقع.
قبل أن تكون صورة أميركا الخارجية بحاجة للتغيير، فإن أميركا الداخلية لها الأولوية الملحة والضرورية للتغيير. ايانا هوفنغتون، الناطقة باسم "اليسار" في الحزب الديموقراطي تقول: الولايات المتحدة الأميركية أقوى دولة في العالم، لكنها دولة تنحدر بسرعة نحو العالم الثالث، كيف ذلك؟ بالأرقام تبدو الصورة أكثر من سوداء، عملياً مأسوية, الفقر يزداد، ارتفعت نسبته بين العامين 2000 و2008 بنسبة 25 بالمئة. "المصعد الاجتماعي" يتهاوى بسرعة. مائة مليون أميركي يعيشون اليوم بمداخيل أقل من مداخيل أهلهم عندما كانوا في عمرهم. الطبقة المتوسطة على طريق الموت. المدارس والتعليم في حالة يرثى لها، 30 بالمئة من الطلاب الثانويين يتركون مدارسهم قبل حصولهم على الشهادة الثانوية.
أرقام لا تنتهي حول وضع البنى التحتية خصوصاً الطرقات الحيوية والحياتية للأميركيين، أين العلة في ذلك؟ طبعاً أوباما ليس مسؤولاً عن هذا الوضع. لكنه لم يكن برأي هوفنغتون على مستوى التحدي. لم يصبح كروزفلت رغم الفرصة التي جاءته.
باراك أوباما وقف بلا سياسة فاعلة أمام تبخر خمسة آلاف مليار من مدخرات التقاعد وثلاثة آلاف مليار أخرى تبخرت في الوول ستريت. وقع أوباما ضحية المستشارين الماليين الذين عيّنهم، أيضاً بسبب النظام نفسه، في الولايات المتحدة الأميركية اليوم 13700 لوبي صرفوا عام 2009 ثلاثة مليارات ونصف مليار دولار لتثبيت مصالحهم، بواقع 26 لوبي لكل نائب في الكونغرس.
بدلاً من معالجة هذا الوضع فإن "حزب الشاي" ومعه كل المتشددين والمحافظين حاربوا أوباما و"الأوبامية" بشعارات تذكّر بعمليات اقتلاع أو تهجير الصينيين واللاتينيين في فترات سابقة تعود الى أيام بناء السكك الحديدة وما بعدها، أوباما "مسلم" "شيوعي"، "نازي". لا يوجد جنون أكثر من هذا "الجنون". عندما لا يكون لدى خصم مثل "حزب الشاي" و"المحافظين المتشدين في الحزب الجمهوري، برنامج سياسي اصلاحي تصبح مثل هذه الشعارات منتجة في مجتمع ينحو نحو رفض تدخل الدولة في اعادة ترتيب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والتنموية، الدليل فوز "الجمهوريين" بالانتخابات النصفية، وحصول مرشحين أساسيين من "حزب الشاي" على مقاعد في الكونغرس، مما سيحولهم الى "قوة تدخل ضاغطة بقوة وأحياناً الى "بيضة القبان" في بعض الاقتراعات.
الرئيس باراك أوباما مضطر لتقديم تنازلات على الصعيد الداخلي، مشاريعه الاصلاحية ستوضع على الرف لأنه مجبر على التوافق مع الأغلبية الجمهورية. في أحسن الأحوال سيقدم "تنازلات مؤلمة" لتمرير بعض المشاريع.
يبقى أمام أوباما العمل بقوة وفاعلية في دائرة السياسة الخارجية، يمكن لأوباما أن يكون أكثر حرية، لكنه أيضاً سيضطر أحياناً للتوافق مع المتشددين من الجمهوريين. فما هي ترجمة كل ذلك؟ مثل الرؤساء الأميركيين الذين مروا بهذه الحالة، وعلى رأسهم بيل كلينتون سيعمل أوباما كما هو مرجح، الكثير من المبادرات والنشاطات في حقل السياسة الخارجية، لتسجيل نقاط لصالحه. أوباما بحاجة مصيرية لاستعادة شعبيته حتى يمكنه تمثيل الديمقراطيين أولاً وربح الانتخابات الرئاسية ثانياً. الفشل غير مسموح الا اذا اختار أوباما الانسحاب وعدم الترشح لولاية ثانية، وهو مستبعد جداً. المهم في السياسة الخارجية الأوبامية، سياسته في الشرق الأوسط. رغم انه سيكون أكثر ضعفاً في مواجهة اسرائيل والتطرف اليميني القائم حالياً، فإنه لن يتراجع عن "وعده" بإقامة دولة فلسطينية بعد مفاوضات تؤدي الى "دولتين تعيشان جنباً الى جنب في سلام ورخاء". وأن تنتهي كما قالت هيلاري كلينتون قبل أيام، مهانة الاحتلال".
الواضح حتى الآن كما يرى الخبراء بالشأن الأميركي، أن أوباما الثاني سيكون في سياسته الشرق أوسطية أكثر عدائية من أوباما الأول. الضغوط التي ستقع عليه ستدفعه لاتخاذ مواقف أكثر حسماً خصوصاً مع ايران وسوريا بما يتعلق بالملف النووي أولاً وبالعراق ولبنان ثانياً. لن يقبل أوباما 2 المماطلة والالتفاف عليه.
لذلك كله في الفترة المقبلة الممتدة حتى بدء الحملة الرئاسية المقبلة في ربيع 2012 ستكون حساسة ودقيقة وحتى خطرة، خصوصاً وأن "اللعب" سيكون ضد الساعة"، ومن الأفضل لكل الأطراف التحرك بحذر شديد وبدقة في الحسابات.
اسرائيل ستشدد من ضغوطها على جميع المستويات باتجاه مزيد من التصعيد خصوصاً في مواجهة ايران مباشرة وضد حزب الله في لبنان.
باراك أوباما، دخل التاريخ سواء نجح أو فشل. الوضع الاقتصادي الناتج عن الأزمة التي وقعت قبل تسلمه الرئاسة والتي يبدو أن آثارها ما زالت ضخمة تشكل عبئاً اضافياً على أوباما. يستطيع العرب "مساعدته" ليس لأنه الأفضل لهم لكن مع صعود المحافظين المتشددين" و"حزب الشاي" فإن "عدائية" أوباما الحديثة لن تكون أكثر من "بروفة" لعدوانية منافسيه.
"المساعدة" العربية لأوباما، لا تعني مطلقاً تنفيذ سياسته ولا الالتزام بشروطه، وانما بالعمل وفق "أجندة" جديدة الأساس فيها أن الوقت لم يعد متاحاً للّعب. يجب أخذ قرارات واضحة تسحب البساط من تحت أرجل المتشددين في واشنطن ونتنياهو والمتطرفين الاسرائيليين، أو الاستعداد لقبول مخاطر ونتائج السير باتجاه المواجهة التي ستكون نتائجها وآثارها لعقود طويلة كما حصل بعد كارثة 1967.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف