الثقة السورية ـ الإيرانية «تهتز» في.. إيطاليا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
هدى الحسيني
العلاقات ليست هادئة على أي جبهة من جبهات دول الشرق الأوسط، بما فيها جبهة العلاقات السورية - الإيرانية. وإذا كانت الأحداث وتطوراتها تدفع إلى "زواج ملاءمة" في أحيان كثيرة، فإن تنافس المصالح والنفوذ يدفع إلى الشك والبرودة في العلاقة، وقد يكون التخلص من المحكمة الدولية برمتها أهم رابط الآن بين سورية وحزب الله.
ولكن محاولة إيران التصرف في لبنان وكأنها قطفت ثمار جهود سورية، صارت مبعثا للشكوك السورية. عدد من كبار المسؤولين السوريين انزعجوا من زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى لبنان، واعتبروا تضخيم حجم الزيارة محاولة لتصغير النفوذ السوري على حلفاء سورية. ما تريده سورية من إيران في لبنان، أن تتصرف كما تتصرف سورية في العراق حيث تعرف قدرتها ولا تتجاوزها في محاولة لتخطي النفوذ الإيراني.
يهم سورية أن يبقى حزب الله قوة مساومة بين يديها في مفاوضاتها مع السعودية، والولايات المتحدة وإسرائيل، وهذا يعني أن يبقى حزب الله تحت السيطرة السورية المُحكمة، أما إيران التي تتطلع إلى غرز موطئ قدم لها في لبنان بشكل متجذر، فإنها تحتاج إلى حزب الله كقوة بين يديها لردع أي حملة عسكرية محتملة ضدها، أميركية كانت أو إسرائيلية. وأظهر حزب الله فائدته للنظام الإيراني في الداخل، فقد وصف المرشد العام للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي استقبال أحمدي نجاد في لبنان، بأنه أهم استقبال يلقاه رئيس دولة في العالم، ومنه انطلق خامنئي ليقوم هو بزياراته الداخلية إلى مشهد وقم ليعيد الزخم إلى النظام.
الذي امتعضت منه سورية أيضا، أنه بعد انسحاب قواتها من لبنان عام 2005، أسرعت إيران وزجت بأعضاء جدد من الحرس الثوري في لبنان، ليصل عددهم اليوم، حسب تقارير موثوقة إلى أربعة آلاف مقاتل. الامتعاض تحول إلى قلق مع تشديد العقوبات الدولية على إيران، ووضع أنشطة الحرس الثوري تحت المراقبة والملاحقة، وهذا يعني التدقيق في كل الشحنات البحرية التي تنطلق من إيران لمعرفة مصدرها ووجهتها. وحتى الآن لم يتأكد ما إذا كان لزيارة رئيس الاستخبارات الإيراني حيدر مصلحي، المفاجئة إلى سورية علاقة بالمعلومات التي حصلت عليها المعارضة الإيرانية في الخارج، إذ حصلت تلك المعارضة على تقرير سري كتبه أعضاء كبار في الحرس الثوري عن سبب انكشاف شحنة ضخمة من المتفجرات الإيرانية في إيطاليا في 22 سبتمبر (أيلول) الماضي. وكانت الصحف الإيطالية ذكرت في ذلك التاريخ أن سلطات مرفأ "جيويا تورو" صادرت حاوية ضخمة تابعة لشركة "إم إس سي - فنلندا" وهي شركة سويسرية - إيطالية، وتحتوي الحاوية على سبعة أطنان من مادة "ار دي اكس" المتفجرة التي تستعمل في صنع صواريخ وقذائف أرض - أرض.
وتجدر الإشارة إلى أن الدول الأعضاء في "نظام مراقبة تكنولوجيا الصواريخ" التزمت بعدم تصدير هذه المادة من دون أخذ موافقة مسبقة. وقالت الصحافة الإيطالية إن الحاوية انطلقت من إيران ووجهتها سورية. وحسب مصادر المعارضة الإيرانية فإن الحرس الثوري هو الذي أرسل الشحنة، والمتفجرات التي تم ضبطها كافية لإنتاج العشرات من صواريخ "إم - 302" التي يصل مداها إلى 150 كلم، وتحمل رؤوسا حربية زنتها 150 كيلو، وصواريخ "ام - 600" التي يصل مداها إلى 250 كلم وتحمل رؤوسا حربية زنتها 500 كيلو.
المهم، أن التقرير الإيراني يشير بأصابع الاتهام إلى أن السبب في انكشاف الشحنة يعود إلى احتمال أن يكون شخص سوري قام بتسريب الأمر. وحسب مصدر في المعارضة الإيرانية، فان التقرير الذي طلب إعداده ضباط في "فيلق القدس" ومسؤولون كبار في حزب الله، أشار إلى أن موظفين يعملون في منشآت وزارة الدفاع السورية، "من المحتمل أن يتحولوا إلى مخبرين"، ونظرا لحساسية الأمر لم يكتب التقرير أسماء المشكوك فيهم، بل أبلغوها شفهيا. وهدف واضعو التقرير إلى تقليل عدد السوريين المطلعين على العمليات الحساسة مثل نقل متفجرات وأسلحة من الحرس الثوري إلى المصانع السورية لإنتاج صواريخ "إم - 600"، و"إم - 302"، التي يتم لاحقا نقل قسم منها إلى ترسانات حزب الله في لبنان.
ويبدو أن ضبط السلطات الإيطالية شحنة المتفجرات سبب ضررا كبيرا للحرس الثوري إذ كشف عن طرقه في شحن الأسلحة والمتفجرات إلى المجموعات التابعة له، أو إلى الدول التي يمتد لها النفوذ الإيراني. وحسب التقرير، فإن اكتشاف المتفجرات كشف بدوره الأساليب الناجحة التي تستعملها إيران في إعطاء شحناتها مظهرا لا يمكن الاشتباه به، وكشف أيضا طرق الشحن التجاري التي تختارها بحيث لا تبعث للشك، إذ كانت المتفجرات مخفية داخل أكياس من الطحين ومواد مدنية أخرى. لذلك اقترح واضعو التقرير استعمال الطرق البرية وتهريب الأسلحة عبر تركيا.
لكن، رغم فداحة الأمر، لم يستقر رأي كبار قادة الحرس الثوري حول الموقف الذي يجب اتخاذه بالنسبة إلى سورية في هذه المسألة الحساسة، وحسب المصدر الإيراني، فقد كانت التوقعات بأن إيران تستعد لإرسال وفد من كبار رجال الأمن لديها، بقصد الاطلاع على سير العمل في مصانع إنتاج صواريخ أرض - أرض المعدة لحزب الله، وفي الوقت نفسه يحاول الوفد أن يعرف من كبار المسؤولين في "مركز الدراسات العلمية والأبحاث السورية"، الطريقة التي تسربت منها المعلومات حول الشحنة في إيطاليا، وأبعاد التسريب، وتأثيره في المستقبل على شحن الأسلحة من إيران وسورية إلى حزب الله.
والذي أقلق كبار المسؤولين في الحرس الثوري، أن شرطة مكافحة المافيا في إيطاليا هي التي ضبطت الشحنة، لأن هذا قد يثير الشكوك في إيطاليا عما إذا كان لإيران علاقات مباشرة أو غير مباشرة مع المافيا هناك.
انكشاف وجود "مسرّب" سوري عن شحنات المتفجرات والأسلحة الإيرانية إلى سورية ومنها إلى حزب الله سيزيد من شكوك هذين الأخيرين التي بدأت تترسخ في أذهانهما منذ اغتيال القائد العسكري لحزب الله عماد مغنية في دمشق.
لكن الأطراف الثلاثة الآن، إيران، سورية، وحزب الله، يحتاجون إلى بعضهم البعض ليرفعوا من سقف مطالبهم وطروحاتهم، كل طرف يشك في الطرف الآخر، وكل طرف يعمل لتحقيق أهدافه. والأهداف تتضارب. تشعر سورية الآن، أنها مضطرة للتعاون مع إيران وهي تتفاوض مع السعودية وواشنطن وعينها على إسرائيل، وأيضا مع استعادة نفوذها على لبنان عبر أطراف عديدة غير حزب الله، وهدفها اتخاذ خطوات لاحقة لاحتواء الحزب ولتقليص النفوذ الإيراني، أما إيران التي تتحرك في العراق، وأفغانستان، واليمن، والسودان، والصومال، والسنغال، ونيجيريا، فإنها ستحاول إحكام قبضتها على حزب الله ليتبع برنامجها بالمطلق، وستراعي الآن تنسيقه مع سورية لنسف المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. لكن الدولتين في علاقتهما بحزب الله في مأزق. فإذا وقعت حرب أهلية (شيعية - سنية) في لبنان، ستخسر إيران "موطئ القدم"، الذي عملت كثيرا على ترسيخه، وإذا اندفع حزب الله في مغامرة الحرب مع إسرائيل، وهذا مستبعد إلا بطلب إيراني، فإن محاولة سورية حماية نفسها، كما فعلت عام 2006، قد لا تكون ناجحة هذه المرة.
الأمر المحتمل الآخر، أن العقوبات على إيران التي تجر التفتيش البحري على سفنها وشحناتها قد تقلق سورية. إذا ما تكرر اكتشاف شحنات مشبوهة متجهة من إيران إلى مرافئها. وحسب معلومات تتردد أخيرا في بيروت، فقد انتشرت مراكز تفتيش عسكرية سورية على الحدود مع لبنان، لمراقبة تحركات ونشاط الحرس الثوري هناك.