جريدة الجرائد

العراق أمام تحدي الوفاق..!

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

عدنان كامل صلاح

الوضع المأساوي الذي يعيشه شعب العراق دفع خادم الحرمين الشريفين إلى أن يتبنى دعوة كافة الفعاليات السياسية في العراق للالتقاء بالرياض تحت مظلة الجامعة العربية؛ ليواجهوا بعضهم بعضًا، ويتباحثوا في الشكل الذي يريدونه لعراق اليوم والمستقبل والدخول في المرحلة الجديدة من تاريخ بلادهم بعد الرحيل المباشر لجزء كبير من قوات الاحتلال التي غزت العراق عام 2003، ويعجلوا باتخاذ قرار بشأن تشكيل الحكومة التي عجزوا حتى الآن عن تشكيلها.
فالانتخابات البرلمانية جرت منذ نحو ثمانية شهور (في 7 مارس)، ولم يتمكن الساسة العراقيون من الوصول إلى اتفاق فيما بينهم، ولم يلتقوا جميعًا في مكان واحد ليتحادثوا ويصلوا إلى الاتفاق الذي يرغبون فيه، بل علقوا أعمال البرلمان حتى لا يضطروا إلى اختيار حكومة جديدة، واستمر نوري المالكي، المنتهية ولايته، رئيسًا للوزراء، ولم يتمكن من أن يكسب ثقة الآخرين وأصواتهم.. ووصفت صحيفة (لوس أنجلوس تايمز) الأمريكية في تحليل لها، نشر الشهر الماضي، الوضع في العراق كالتالي: "تثق حركة مقتدى الصدر في إياد علاوي، الذي كسبت مجموعته العدد الأكبر من المقاعد في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.. ولكن المالكي لا يثق فيه، بينما لا يثق أحد في المالكي.. ويثق مسعود البارزاني بعلاوي، ولكن ليس بكل الأفراد من الطائفة السنية الذين في قائمته، ووصفت المالكي بأنه شخص لا يثق بأحد مطلقًا".
عدم الثقة التي يعيشها السياسيون العراقيون في بعضهم البعض جعلتهم يدورون في حلقه مفرغة من المفاوضات الداخلية، ودفعتهم للسفر إلى العواصم الإقليمية بحثًا عن الدعم من هذه العواصم للضغط على من لا يثقون فيهم حتى يؤيدوهم، وكسب بالفعل نوري المالكي تأييد الكتلة الصدرية بعد ضغوط تعرض لها زعيم الكتلة مقتدى الصدر ممّا دفعه إلى إرسال بيان إلى مناصريه من مدينة قم الإيرانية يذكر بالبيان الذي صدر عن آية الله خوميني، الزعيم الإيراني الراحل، يوم قبل قرار الأمم المتحدة بوقف إطلاق النار في نهاية حربه مع العراق، والذي قال فيه: إن قبوله القرار هو كتجرعه السم.. إذ قال مقتدى الصدر لمناصريه: "السياسة لا قلب لها.. اعلموا أن السياسة هي أخذ وعطاء". وأعلن بعدها تأييده المالكي كرئيس قادم للوزراء.. ولم يقبل هذا الأمر حزب الفضيلة الإسلامي، والمجلس الأعلى الإسلامي العراقي بزعامة عمار الحكيم، وكذلك تنظيم بدر العسكري التابع للمجلس، وامتنعوا عن حضور اجتماع "التحالف الوطني العراقي" الذي أقر تسمية المالكي لرئاسة الوزراء بدون تصويت، حيث لم تكن الغالبية متوفرة.. علمًا بأن التحالف يضمهم إلى جانب الصدريين وائتلاف دولة القانون التابع للمالكي واللذين اقتصر اجتماع التحالف عليهما في الأول من الشهر الماضي (أكتوبر).
الزعيم الكردي مسعود البارزاني شعر بالحاجة إلى جمع الفعاليات السياسية في مكان واحد، ودعا إلى ذلك، وهي خطوة جيدة.. لكن المشكلة تكمن في أن هناك احتمالاً بأن يدخل المجتمعون إذا ما اجتمعوا في متاهات لائحة من تسعة عشر مطلبًا قدمتها الأحزاب الكردية، يقول بعض السياسيين العراقيين إنها تضم بنودًا لا يمكن الاتفاق عليها.. ولذا تأتي أهمية اللقاء في مكان محايد وتحت مظلة الجامعة العربية التي ليست لها مطالب على السياسيين العراقيين سوى أن يلتقوا ويقروا ما يريدون بدون أي ضغوط سوى ضغوط الشعب العراقي الذي يخشى من استمرار الوضع القائم وبقائه بدون حكومة.
ومن المسلم به أن جميع الكتل السياسية العراقية بحاجة إلى تأييد الكتلة الكردية في البرلمان حتى تتمكن من الحصول على الأغلبية المطلوبة.. ولكن الوصول إلى هذا الحل يتطلب تسويات وتنازلات من أكثر من طرف بحيث تتقلص شكوك كتلة المالكي وتقل مخاوف المجموعات السنية وباقي فريق علاوي ويتحقق للأكراد بعضًا من مطالبهم التي يضغطون للحصول عليها بالشكل البرلماني والدستوري، وهو ما يجعل دعوة خادم الحرمين الشريفين إلى الفعاليات السياسية العراقية للالتقاء في الرياض هو أفضل الحلول ليواجه الجميع بعضهم البعض ويخرجون بحل في أسرع وقت ممكن حتى يتم بعده الانطلاق إلى بناء العراق الجديد.
خادم الحرمين الشريفين اختتم نداءه التاريخي إلى إخوته العراقيين بالقول: "إن وحدتكم وتضامنكم وتكاتفكم قوة لكم ولنا، ومدعاة إلى لم الشمل، والتحلي بالصبر، والحكمة، لنكون سدًا منيعًا في وجه الساعين إلى الفتنة مهما كانت توجهاتهم ودوافعهم، ولتتمكنوا من إعادة بناء وطن الرافدين الذي كان وسيظل -بإذن الله- مع أشقائه العرب حصنًا حصينًا ضد كل فرقة، أو فتنة، أو عبث لا يستفيد منه غير أعداء الأمة".
وأضاف حفظه الله: "إن الدور الملقى على عاتقكم سيكتبه التاريخ، وستحفظه الأجيال القادمة في ذاكرتها، فلا تجعلوا من تلك الذاكرة الفتية حسرات وآلامًا وشقاء. هذه أيدينا ممدودة لكم ليصافح الوعي راحتها، فنعمل سويًا من أجل أمن ووحدة واستقرار أرض وشعب العراق الشقيق.. اللهم إني اجتهدت فأسألك الصواب، ودعوت فأسألك الاستجابة لدعوتي، وبلغت ليشهد أكرم الشاهدين".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف