جريدة الجرائد

إنهم يعبثون بالدم العراقي

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك


إياد الدليمي

يحار المرء من أين يبدأ وهو يكتب عن العراق، يحار المراقب كيف يصف المشهد المرعب الذي تشهده أرض الرافدين، فعشرات القتلى والجرحى سقطوا بين ليلة وضحاها، دون أن يكون لهم ذنب سوى أنهم عراقيون، وجدوا أنفسهم وسط موجة هوجاء من العنف لا تعرف صغيرا ولا كبيرا مسلما أو مسيحيا.
الجميع مسؤول عما يجري في هذا البلد، الجميع يجب أن يحاكموا، الساسة العراقيون أولهم، هؤلاء لا يملكون قطرة من خجل، لا يملكون ذرة من حياء وهم يخرجون على شاشات التلفاز يعلنون أرقام الضحايا العراقيين وكأنهم خراف، وعدد السيارات المفخخة التي عبثت بدم العراقيين، هؤلاء أول من يجب أن يحاكم، فهم يتقاتلون على الكراسي تاركين حمام الدم يُغرق العراقيين شيئا فشيئا دون أن تعرق جبهة أحدهم، ودون أن يستحوا أو يخجلوا.
بغداد وفي لحظة هوجاء من عمر الزمن، تحولت إلى نهر من الدم، لا أحد يعرف لماذا ولا كيف، وحدهم الساكنون في الزريبة الخضراء التي اقتطعها لهم الاحتلال، وحدهم الموجودون في تلك البقعة اللقيطة على أرض العراق، يعرفون لماذا جرى ويجري كل هذا، وحدهم يعرفون كيف تسللت السيارات المفخخة إلى كل مناطق بغداد بلا تمييز، وحدهم يملكون المعلومات الوافية عن الإرهابيين الذين هاجموا كنيسة سيدة النجاة وسط بغداد.
أقول إن هؤلاء يعلمون كيف جرى كل ما جرى يومي الأحد والثلاثاء الداميين من هذا الأسبوع، فكل المعلومات تشير إلى أن قادة المنطقة الخضراء من ساسة نصبهم الاحتلال، على اطلاع كامل بكل المخططات التفجيرية التي وقعت وما تزال تقع في العراق، ويكفي هنا أن أشير إلى اللقاء الذي بثته قناة الشرقية الفضائية قبل نحو عام مع مدير جهاز المخابرات العراقية السابق محمد الشهواني عقب استقالته والذي تحدث عن وثائق وأدلة تؤكد تورط ساسة في المنطقة الخضراء في تلك الجرائم.
الشهواني كشف في ذاك الوقت، كيف أن جهازه رفع معلومات خطيرة إلى الحكومة حول تفجيرات تنوي جهة خارجية تنفيذها في بغداد، موثقة بالأسماء وبالزمان الذي سوف تنفذ فيه التفجيرات، غير أن تلك الحكومة لم تتخذ أي إجراء، بل إنها أسهمت وسهلت تنفيذ تلك التفجيرات.
تلك الحقيقة التي كشف جزءاً منها موقع "ويكليكس" الإليكتروني عندما نشر وثائق الحرب على العراق، والتي أكدت تورط مسؤولين عراقيين في عمليات عنف وتعذيب واعتقال وقتل على الهوية نفذتها قوات حكومية تابعة لمكتب رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي.
كيف يمكن أن نفسر عملية اقتحام كنيسة تقع قبالة المنطقة الخضراء المحصنة وقتل هذا العدد من الرهائن في أسوأ عملية اقتحام عرفها التاريخ، قتل فيها نحو 52 شخصا، علما أن عدد الرهائن داخل الكنيسة لم يكن يتجاوز الخمسين شخصا وفقا لما كانت تنقله وكالات أنباء عراقية عشية وقوع الحادث، ليخرج بعدها وزير الدفاع العراقي عبدالقادر العبيدي ليؤكد نجاح عملية تحرير الرهائن دون خجل أو حياء.
كيف يمكن أن نفسر أن تقوم مجموعة بمهاجمة سوق بغداد للأوراق المالية وبعد أن تفشل في اقتحامه تلجأ إلى الكنيسة القريبة، ثم تتحول القضية إلى قضية مقاتلين تكفيريين اقتحموا كنيسة وطالبوا بالإفراج عن معتقلين في العراق ومصر؟
كيف يمكن أن نفسر أن تبث القاعدة أو دولة العراق الإسلامية بياناً تتبنى فيه هذه العملية قبل أن يطلع نهار اليوم التالي، وهي التي عودتنا على أن تنتظر يومين إلى ثلاثة قبل أن تتبنى أية عملية، سواء نفذتها فعلا أم نفذها آخرون ولم تجد لها أبا شرعيا، لتتبرع القاعدة بعملية التبني؟ ومن لا يصدق فعليه أن يراجع تاريخ القاعدة في العراق طيلة سنوات الاحتلال الماضية.
نعم القابعون في المنطقة الخضراء يعرفون كل شيء، إنهم يريدون البقاء أطول مدة ممكنة، ويعتقدون أن لا سبيل إلى ذلك سوى بإراقة مزيد من الدم العراقي، يعرفون أن سبيلهم للكرسي يمر على جثث وأشلاء العراقيين.
لكم الله أيها العراقيون، لكم الله يا أهالي بغداد، لكم الله أيها المسيحيون والسنة والشيعة والأكراد، فلقد ابتلاكم الله بما لم يبتلِ به شعباً غيركم، أعانكم الله، وتقبل قتلاكم شهداء في رحمته، فوالله لن تقوم للعراق قائمة إلا بمحاكمة دولية عادلة لكل الساسة الذين تورطوا وما زالوا بالدم العراقي، لن تقوم للعراق قائمة إذا لم يحاسب كل هؤلاء وينالوا جزاءهم العادل بما اقترفت أيديهم بحق العراق والعراقيين.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف