جريدة الجرائد

زمن نفط الخليج العربي

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

عيد بن مسعود الجهني

النفط كسلعة صاحبة قوة ونفوذ وتأثير لعبت، ولا تزال تلعب وستبقى تلعب دوراً خطيراً كأهم مصدر للطاقة في صياغة السياسة العالمية في هذه الألفية كما كانت في القرن الماضي، بل إن أهمية النفط ستبلغ ذروتها في هذا القرن المشحون بالحروب والصراعات والنزاعات، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً منطقة الخليج العربي، حيث المحيط النفطي الشاسع لكونه يحتضن أكثر من 730 بليون برميل ومرشح للمزيد من براميل النفط تضاف إلى الاحتياطي النفطي المؤكد.

هذه المادة السحرية التي بهرت ساسة وقادة العالم ومن أجل عيونها شنت الحروب واحتلت دول، وما احتلال أفغانستان المطلة على نفط بحر قزوين، واحتلال العراق باحتياطيه البالغ 143 بليون برميل إلا دليل دامغ على أهمية النفط الذي تتمركز قوته ونفوذه في منطقة الخليج العربي، ودول المجلس الست وحدها يبلغ احتياطيها 486 بليون برميل، وهذا يؤكد تعاظم أهمية هذه المنطقة للعالم في هذا القرن باعتبارها مستودع النفط، تتحكم بمفتاح حركة الأسعار والإنتاج في سوق البترول الدولية.

دول المجلس صاحبة الاحتياطي الضخم بإمكانها أن تضبط إلى حد كبير ميزان العرض والطلب في السوق الدولية للنفط، بل وبمقدورها أن تلعب دور المنتج المكمل لسقف إنتاج منظمة "اوبك" في حال احتياج السوق إلى المزيد من براميل البترول، ولا سيما مع ازدياد طلب الدول الناشئة، وفي مقدمها الصين والهند، فالسعودية والامارات والكويت وقطر تقود سفينة "اوبك" سواء في حال رفع الإنتاج أو خفضه لتتوازن الأسعار، فتأثيرها بالغ الأهمية تقره الدول الصناعية المستهلك الأكبر للنفط، وتعترف به الدول الناشئة كالصين والهند والبرازيل وغيرها، بل إن الدول الصناعية والناشئة، تؤسس علاقاتها الثنائية مع دول المجلس باعتبار البترول أحد الأسس الرئيسية لتلك العلاقات.

إن بترول الخليج العربي أهم مصدر على الإطلاق لسد احتياجات العالم، بل إنه أهم مصدر لسد الزيادة المتوقعة في الطلب على النفط، فهو الذي لعب وسيلعب دوراً استراتيجياً في مسيرة اقتصاد هذه الألفية كما كان في القرن الماضي، وقد تحدث وزير البترول السعودي المهندس علي النعيمي في كلمته أمام قمة أسبوع الطاقة الدولي في سنغافورة الاثنين الماضي، موضحاً أهمية البترول السعودي ماضياً وحاضراً ومستقبلاً حيث قال: "المملكة بوصفها أكبر منتج للبترول في العالم وباحتياطات مؤكدة تبلغ 264 بليون برميل، يمكن ان تستمر في إمداد البترول 80 سنة أخرى بمستوياتها الإنتاجية الحالية، حتى لو لم تعثر على برميل إضافي واحد خلال تلك الفترة، مع أننا نعثر على المزيد من هذه البراميل".

الوزير السعودي أكد للعالم أن احتياطي نفط بلاده يقدر بأكثر من 264 بليون برميل، على رغم أن الإنتاج خلال الفترة بين 1990 و 2009 بلغ 62 بليون برميل لم يتناقص، بل إن السعودية تمكنت من إضافة كميات من البترول تعادل إنتاجها السنوي منه، فمع وجود الاحتياطي الحالي المؤكد فإن السعودية بناءً على إنتاجها الحالي البالغ 8 ملايين برميل يومياً باستطاعتها الاستمرار بإمداد البترول 80 عاماً أخرى.

وقد سبق للوزير النعيمي أن أكد في مؤتمر صحافي بتاريخ 18 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي على هامش افتتاح الندوة الدولية للطاقة التي عُقدت في الرياض بمناسبة مرور 50 عاماً على تأسيس منظمة "اوبك": "إن المملكة ستبقى أكبر دولة مصدرة للبترول في العالم وصاحبة أكبر احتياطي بترولي وطاقة إنتاجية خلال السنوات المقبلة"، ودولة تمتلك هذا الاحتياطي الضخم من النفط وأنجزت "أرامكو" برنامجاً استثمارياً ضخماً بكلفة تجاوزت 100 بليون دولار في مشاريع في مجال البترول والغاز الطبيعي والتكرير والبتروكيماويات تمكّنت - كما جاء في كلمة المهندس النعيمي أمام قمة أسبوع الطاقة في سنغافورة - من زيادة طاقتها الإنتاجية القصوى لتبلغ 12.5 مليون برميل يومياً.

بهذا الرقم لطاقة الإنتاج النفطي السعودي فإن لدى السعودية فائض بحدود 4.5 مليون برميل يومياً، إذا كان إنتاجها الحالي بحدود 8 ملايين برميل يومياً، وإذا أخذنا في الاعتبار أن الإمارات والكويت وقطر بإمكانها رفع إنتاجها لضخ نفط أكثر في السوق الدولية للبترول، ناهيك أن الدراسات النفطية تؤكد أن الاحتياطي المؤكد في منطقة الخليج العربي قابل للزيادة نتيجة للتكنولوجيا المتطورة التي تستعمل في عمليات الاستكشاف والتنقيب، كما هو حادث مثلاً اليوم في بعض الدول الأفريقية، فإن الصورة تبدو أمامنا واضحة مما يزيد التفاؤل بأن حجم الاحتياطي الخليجي قابل للزيادة عاماً بعد آخر حتى وإن كانت النسبة متواضعة.

وأمامنا دليل ساطع، ففي نهاية القرن الماضي تضاعف حجم الاحتياطي النفطي المثبت عالمياً أكثر من 500 مرة عنه في بدايات ذلك القرن الذي غابت شمسه، فالمستقبل واعد بالنسبة الى النفط عموماً ومنطقة الخليج العربي خصوصاً، فهناك نفط يحتمل استخراجه في هذه المنطقة الحساسة من العالم حيث أثبتت المعلومات الجيولوجية والهندسية بأن هناك نفطاً يحتمل استخراجه في منطقة الخليج العربي، ولذا فإن هذا المحيط النفطي سيبقى لعقود قادمة رئة العالم النفطية التي تضخ الطاقة في عروق الاقتصاد العالمي.

وإذا كانت هذه هي أهمية النفط الخليجي، فإنه يبقى على دول المنطقة - ولا سيما دول المجلس التي واجهت الحروب السابقة برؤى واضحة جنبت شعوبها مآسي تلك الحروب - أن تطور سياساتها النفطية التي ما زالت تدور حول دعم "اوبك" لرفع الإنتاج عند انخفاض الأسعار وخفضه عند ارتفاعها، وهي حقيقة سياسة "اوبك" التي ترضى اليوم بسعر يدور بين 70 و80 دولاراً للبرميل، وكسر الأميركي الخفيف تسليم كانون الأول (ديسمبر) المقبل حاجز 82 دولاراً، ومزيج برنت أكثر من 83 دولاراً وكسر سعر نفط خام برنت حاجز 87 دولاراً للبرميل مع نهاية الأسبوع الماضي بسبب استمرار تدهور سعر صرف الدولار الذي يسعّر به النفط.

إن التركيز على تطوير سياسات نفطية تحافظ على إنجازات الماضي وتتصدى لتحديات المستقبل تخدم مصالح دول وشعوب المنطقة - إذا كانت بالفعل هناك سياسة نفطية محددة - تدعم قوة ونفوذ الذهب الأسود الذي خرجت من رحمه التنمية النشطة في دول المجلس، فأياديه البيضاء وراء الأرقام الفلكية من إيراداته الضخمة التي ضخت في شرايين موازنات دول المجلس التي بلغت مئات البلايين ويزداد حجمها عاماً بعد آخر، وهذا التدفق الهائل لبلايين الدولارات مستمر، فالنفط سيبقى الخيار الأمثل للوقود في العالم لعقود عدة مقبلة.

وإذا كان الوزير السعودي النشط قد أكد أن النفط السعودي يمكن أن يستمر في إمداد العالم على مدى الثمانين عاماً المقبلة، فإن بشائر الخير تقول إن دولاً مثل السعودية والامارات والكويت وقطر، ورياح الخير ممطرة تزيد من حجم إنتاجها واحتياطيها وأهميتها، لتشهد سنوات بل عقوداً في زمن واعد لمستقبل النفط، فإن المهم إدارة أغلى ثروة عرفها التاريخ يزداد اعتماد الاقتصاد الدولي عليها، فهي القلب النابض الذي يضخ الدماء في شرايينه ليبلغ غيثها كل مواطن خليجي بارتفاع دخله ليحسَّ بخيرات بلاده من خلال توزيع الثروة.

* رئيس مركز الخليج العربي للطاقة والدراسات الاستراتيجية

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف