الصحافة الفرنسية: قبل قمة العشرين.. ساركوزي يخطب ود بكين... ويطلق شراكة دفاعية مع لندن
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الصحافة الفرنسية: قبل قمة "العشرين": ساركوزي يخطب ود بكين... ويطلق شراكة دفاعية مع لندن
باريس
دفعة جديدة للعلاقات الفرنسية الصينية، وسقف غير مسبوق للشراكة الدفاعية بين باريس ولندن، وخسارة أوباما النسبية لانتخابات التجديد النصفي... موضوعات ثلاثة استقطبت اهتمام كُتاب افتتاحيات الصحف الفرنسية.
زيارة "جينتاو"
زيارة الرئيس الصيني "هو جينتاو" إلى باريس استقطبت اهتمام معظم كُتاب افتتاحيات الصحف الفرنسية، مع تركيز خاص على أجندتها الاقتصادية، والآمال التي يعلقها ساركوزي على الشراكة مع الصين لإنجاح رئاسته الوشيكة لمجموعة "العشرين"، ولانتشال كبريات الشركات الفرنسية من واقع الكساد الراهن.
الكاتب بيير روسلين أكد في افتتاحية "لوفيغارو" أن فرنسا لا تمتلك ترف البقاء بمعزل عن الشراكة مع الصين باعتبارها أكبر سوق دولية، وحيث بدأت ترتسم الآن ملامح مستقبل ومصير كبريات الشركات العالمية. ولاشك في أن لتبعات الأزمة العالمية منذ صيف 2008 يداً في عودة الدفء إلى علاقات باريس وبكين، وذلك لوجود قناعة فرنسية راسخة بضرورة تقوية كافة أشكال الشراكة الاقتصادية مع الصين والاستجابة للتحدي الذي يطرحه صعودها الاقتصادي، بدلاً من الخلود إلى إطلاق الانتقادات السهلة، أو الحديث عن "الخطر الأصفر"، المتخيل لا الواقعي. وأكثر من هذا أن فرنسا لا تنخرط في هذه الشراكة من دون أوراق قوة وفوائد ملموسة، وفي الأذهان هنا طبعاً الاتفاقات المجزية التي أعلن عنها بمناسبة زيارة الزعيم الصيني. وكذلك ما دامت قمة مجموعة "العشرين" على الأبواب فإن في مقدور ساركوزي التعويل سياسيّاً على علاقات الشراكة القوية بين البلدين القائمة منذ أربعين سنة، وعدم اقتصارها على الجوانب التجارية وحدها. وفي افتتاحية ثانية كتبها هيرفيه فافر في "لافوا دينور" اعتبر أن زيارة الزعيم الصيني مثلت في الواقع عيداً حقيقيّاً بالنسبة لشركات عملاقة مثل "إيرباص" و"أريفا" و"توتال"، بحكم كونها هي المستفيد الأول من العقود التي حملها "جينتاو" في جعبته. وبالنسبة للشركات الفرنسية الكبرى تمثل العودة القوية إلى السوق الصينية خياراً مصيريّاً من دونه لن يكون في مقدورها أبداً الاستمرار في منافسة الشركات الدولية الأخرى العملاقة وخاصة منها الأميركية والألمانية. ولساركوزي سبب آخر أيضاً يدعوه لكل هذا الاحتفاء بضيفه الصيني. فقبل أيام قليلة من تسلمه رئاسة مجموعة "العشرين" في قمة سيئول، فهو معني الآن بإقناع الصين بدعم رؤيته المتعلقة بتعزيز الحكامة الاقتصادية الدولية، وإصلاح النظام المالي العالمي. وأخيراً اعتبر الكاتب فرانسوا مارتن في افتتاحية "ميدي ليبر" أن هاجس إنجاح الرئاسة الفرنسية لـ"العشرين" هو ما يفسر الآن تقرب الدبلوماسية الساركوزية من بكين، مشيراً في هذا الصدد، إلى أن الصينيين من جانبهم يحنون الآن في علاقاتهم مع فرنسا إلى عهد شيراك الذي كان يرفع لواء المناوأة ضد الولايات المتحدة، في حين أن سياسات ساركوزي تذهب في الاتجاه المعاكس. وأما الرئيس الفرنسي نفسه فلم يبق لديه هو أيضاً رهان سوى إنجاح رئاسته لمجموعة "العشرين" لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مشروعه السياسي وسط حالة السقوط الحر التي تهوي فيها شعبيته.
باريس ولندن: شراكة عسكرية
في افتتاحية "سيد ويست" قال الكاتب "برينو ديف" إن ديفيد كاميرون قد حسم خياره أخيراً لصالح أوروبا، مدشناً بذلك منعطفاً في المشهد السياسي الإنجليزي، كان الشعور ببداياته قد ظهر منذ تشكيل حكومة الائتلاف الحاكم في لندن بين المحافظين والديمقراطيين الأحرار. وهو منعطف حقيقي، وينبغي الاعتراف بذلك. وهذا ما دفع ساركوزي إلى توقيع الاتفاق الأخير بين البلدين لتعميق الشراكة الدفاعية فيما بينهما، وخاصة في المجال النووي. وتأتي أهمية هذا الاتفاق ليس من رمزيته الكثيفة فقط، بل أيضاً لكونه خطوة أخرى لتجاوز الأفق المسدود والعائد المحدود اللذين تكشف عنهما اتفاق "سانت مالو" الذي وقع قبل 12 عاماً بين شيراك وبلير. وفي سياق متصل كتب "هيرفيه فافر" افتتاحية في "لافوا دينور" قال في مستهلها إن على الفرنسيين أن ينسوا تاريخ حروبهم المريرة مع الإنجليز، فلا مكان اليوم للحديث عن قائد المقاومة الفرنسية في القرون الوسطى "جان دارك" ولا عن معارك الطرف الأغر وواترلو وفاشودة وغيرها، فسيرى الجميع غداً المقاتلات الفرنسية وهي تتبختر على ظهر حاملات طائرات صاحبة الجلالة، وغداً ستفتح باريس أشد خزائنها وأسرارها الدفاعية تحصيناً أمام أعداء الماضي أصدقاء الحاضر الإنجليز، الذين سيكونون أخيراً شركاء لصيقين في المجال النووي الفرنسي، بعد أن ظلوا طويلاً مرتهنين لمشيئة "العم سام" في هذا المجال الحساس. ومنذ عودة فرنسا الكاملة إلى قيادة حلف الأطلسي "الناتو"، والتوقيع هذا الأسبوع على اتفاق الشراكة الدفاعية الخاصة مع بريطانيا، ظلت خطوات ساركوزي تتواصل على طريق "القطيعة" مع العقيدة الدفاعية الديغولية القائمة على الاستقلالية الفرنسية الصارمة. وحتى إذا كان هذا الاتفاق لا يصل إلى حد الشراكة في القرار النووي، إلا أن تكثيف التعاون الدفاعي بين الخصمين التاريخيين إلى هذه الدرجة، يبقى مع ذلك حدثاً ثوريّاً في حد ذاته، هذا إضافة إلى ما يعنيه على طريق بناء أوروبا دفاعية قادرة على الاعتماد على نفسها، بالنظر إلى أن البلدين هما البلدان الأوروبيان الوحيدان اللذان يمتلكان قدرات عسكرية ذات شأن على الصعيد الدولي.
أوباما ومأزق "التجديد"
في افتتاحية صحيفة ليبراسيون سجل لوران جوفرين طرفاً مما اعتبره إحباطاً عاماً تجاه أوباما هو ما أدى إلى خسارته الانتخابية هذا الأسبوع، مشيراً إلى أن أوباما المرشح الملهم الذي أعاد للأميركيين الثقة في بلادهم لم يستطع بعد تسلمه السلطة "بيع" رئاسته وطريقته في الحكم للرأي العام الأميركي. وقد يكون السر في ذلك كامناً، حسب رأي بعض المراقبين، في أخذه مسافة محسوسة من الطبقة الوسطى الأميركية وتطلعاتها، كما انتقده آخرون قائلين إن معظم مشروعاته نظرية وتفتقد الحساسية. كما أن برنامجه لإصلاح الرعاية الصحية، الذي قدم للرأي العام بطريقة سيئة، جر عليه خصوماً كثيرين. ومع هذا ينبغي الاعتراف أيضاً، يقول الكاتب، بأن أوباما ورث بلداً على حافة الإفلاس، ويتخبط في دوامات الأزمة المالية العالمية، ويخوض في ذات الوقت حربين متزامنتين في العراق وأفغانستان، لم يعد يبحث فيهما سوى عن مخرج مشرف. ولذا يتعين الآن عدم التسرع بالإعلان عن قرب نهاية أو إخفاق مشروع أوباما. فمن ميزات المزاج السياسي الأميركي أنه سريع التقلب، تماماً كصحافة ومعلقي بلاد "العم سام". ولذا يمكن الرهان على أن التاريخ، والناخبين أيضاً، سينصفون أوباما عندما يتقدم لإعادة انتخابه لفترة ولاية رئاسية ثانية. أما الكاتب جان- بول بييرو فقد ركز في افتتاحية صحيفة لومانيتيه على تبيان ما يعتبره أسباب الخسارة الديمقراطية في انتخابات التجديد النصفي الأخيرة، وفي مقدمة ذلك عدم تحقق حزمة التطلعات التي علقها الناخبون على أوباما يوم دخوله للبيت الأبيض، وخاصة أن الشرائح التي حملته أصلاً إلى الفوز مثل الأميركيين من أصل إفريقي واللاتين والشباب، ما زالت تنتظر ترجمة فعلية لذلك الشعار الملهم الذي رفعه طيلة حملته الانتخابية: "نعم نستطيع". وأخيراً نبهت صحيفة لوموند في مقال لها إلى "مخاطر انسداد سياسي في واشنطن" بفعل التوازن الجديد في الكونجرس، وسيطرة "الجمهوريين" على إحدى غرفتيه وتعزيزهم لوجودهم في الغرفة الأخرى، وكذلك أغلبيتهم الجديدة في حكام الولايات. وأسوأ من هذا كله أن زعماء الحزب "الجمهوري" بدأوا يتحدثون الآن وسط نبرتهم الانتصارية الجديدة عن أجندة معركة مفتوحة بهدف تعطيل كل مشروعات سيد البيت الأبيض المستقبلية، وهو ما قد يؤدي إلى حالة شلل حقيقي للسلطة التنفيذية الأميركية، يكرس واقع "حكومة منقسمة"، هو آخر ما يتمناه أوباما، خلال السنتين المقبلتين، اللتين تفصلانه عن موعد إعادة انتخابه لولاية ثانية.
إعداد: حسن ولد المختار