جريدة الجرائد

نظرة أخري علي المسألة السودانية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

عبد المنعم سعيد

لا بد من التفكير فيما لم يكن ممكنا التفكير فيه حتي وقت قريبrlm;,rlm; ولا بد من التفكير وفق طرق غير تقليدية وغير ما تعودنا عليه في ظروف سابقةrlm;.

rlm; ولا بد من التفكير في نتائج أسوأ السيناريوهات المتاحة في المسألة السودانية والتي تقوم علي انتهاء الاستفتاء المتوقع في التاسع من يناير القادم علي حق تقرير المصير لمواطني جنوب السودان إلي قرار بالانفصال عن الدولة السودانية مصحوبا بموجات جديدة من العنف في شمال وجنوب السودانrlm;,rlm; وما بين الدولة الوليدة والدولة الأمrlm;.rlm; قد يبدو هذا السيناريو متشائما للغايةrlm;,rlm; ومن الجائز أن تسود سيناريوهات أخري أكثر تفاؤلا كما هو سائد لدي الحكومة السودانية في أن يكون الاختيار الجنوبي هو استمرار الوحدة السودانيةrlm;;rlm; أو أن يجري الانفصال دون عنف أو ضمن إطار كونفيدرالي مريح للطرفين حيث يظهر الجنوب منفصلا مستقلاrlm;,rlm; ويستطيع الشمال الحديث عن وحدة لا تنفصم أبداrlm;.rlm; كل ذلكrlm;,rlm; والنقاش حوله لا بأس به لأن لكل سيناريو مناصريهrlm;,rlm; ومن الممكن أن يدخل العرافين والسحرة إلي الساحة لكي يدلي كل منهم بدلوه في ساحة التنبؤاتrlm;.rlm;
ولكن حسابات الأمن القومي لا تعرف ترف الابتعاد عن أكثر السيناريوهات سوءا وعنفا لأنها بحكم التعريف تلمس أعصابا حساسة ومصالح عليا ومصيرية لا يمكن الاعتماد فيها علي الحظ ونبوءات العرافينrlm;.rlm; وحتي وقت كتابة هذه السطور فإن الإستراتيجية المصرية قامت علي العمل من أجل استمرار وحدة السودان من خلال الاستثمار الكثيف في جنوب السودانrlm;,rlm; وفي ونفس الوقت تخفيف الضغوط الدولية والداخلية علي الحكومة السودانية من خلال المشاركة في تحقيق الأمن في الجنوب وإقليم دارفور والمعاونة السياسية والدبلوماسية في مآزق شتي وضع الحكم السوداني نفسه فيها مما أدي إلي تقديم الرئيس السوداني نفسه إلي المحكمة الجنائية الدوليةrlm;.rlm; وفي الفترة الأخيرة وتحسبا لاحتمالات الانفصال طرحت مصر أولا إمكانية تأجيل موعد الاستفتاء ليس فقط لأن المواعيد غير مقدسةrlm;,rlm; ولكن لأن هناك حاجة ماسة إلي مزيد من الوقت لحل الكثير من المشاكل العالقة قبل إجراء الاستفتاء وإلا فإنها سوف تكون الشرارة التي تؤدي إلي الحربrlm;.rlm; وثانيا طرحت مصر خيار الكونفيدرالية علي السودان في حال فشل التوصل إلي اتفاق الشمال والجنوب علي البقاء موحداrlm;,rlm; وترجيح خيار الانفصالrlm;.rlm; هذا الخيار يعني بقاء الشمال والجنوب في إطار دولتين بكل عناصرهما بحيث يكون لكل واحدة جيشها وسفارتها لدي الأخري ضمن إطار الكونفيدراليةrlm;.rlm;
واضح أن الدبلوماسية المصرية تحاول كسب المزيد من الوقت والأرضية لتجنب أسوأ السيناريوهات وهي تعطي للطرفين في السودان غطاء لإعلان النصرrlm;;rlm; ولكن كما يبدو لناrlm;,rlm; وقد نكون من المخطئينrlm;,rlm; أن كلا من الطرفين مهتم أكثر بإلحاق الهزيمة بالطرف الآخر بعد سنوات من المعاناة والتوتر والإحباط والدماء التي سالت أنهارا بينهماrlm;.rlm; والتقدير هنا أن موعد الاستفتاء سوف يتم احترامه وإلا فإن الثمن سوف يكون الحرب الأهليةrlm;,rlm; ليس فقط لأن تصريحات جنوبية قالت إن المواعيد مقدسةrlm;;rlm; ولكن لأن الأطراف الدولية الأخري المتداخلة في المسألة السودانيةrlm;-rlm;خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول الجوار الإفريقيrlm;-rlm; لم تأخذ حتي الآن ـ فيما أعلم ـ باقتراح التأجيل والكونفيدراليةrlm;.rlm; هذه الأطراف الدولية يختلف تفسيرها للمسألة السودانية عما هو وارد لدي أطراف عربية في مقدمتها الحكومة السودانية من أن ما يجري في السودان هو حصاد مؤامرة دولية تعمل علي تفتيت العالمين العربي والإسلامي وفي المقدمة منها الدول التي يوجد لديها عناصر هائلة للقوة الكامنة قد تشكل تحديا في يوم ما للعالم الغربيrlm;.rlm; وعلي العكس فإن هذه القوة المختلفة تري أن عمليات الوحدة والانفصال هي من طبائع العلاقات الدولية حيث اعتمد الأمر علي قدرة أطراف متنوعة علي إيجاد ما يكفي من الوشائج والروابط الوطنية من أجل الوحدة أو عجزها عن ذلك مما يؤدي إلي الانفصالrlm;.rlm;
ورغم أن هناك تجارب عديدة تدعو إلي الوحدة علي نحو ما برز في عقد الثمانينيات حينما جري الإعلان عن توحيد ألمانيا الشرقية والغربيةrlm;,rlm; وكذلك في المجال الإقليمي حينما تم توحيد شطري اليمن الشمالي والجنوبي في عامrlm;1990,rlm; تحرك في اتجاه مواز الدعوة للانفصال من جانب مجموعة من المجتمع تسعي إلي الاستقلالrlm;,rlm; من خلال بلورة توجهات أو خلق دوافع تهدف إلي فصل أرض أو منطقة يقيمون فيها من الدولة التي تسيطر عليها وتحكمهاrlm;,rlm; أو علي الأقل الحصول علي حكم ذاتي في إطار هذه الدولةrlm;.rlm; ولا تقتصر تجارب الانفصال علي الدول النامية بل تشهدها الدول الديمقراطية المتقدمةrlm;,rlm; لكن الفارق بين هذا وذاك هو التعامل مع الانقسام وفقا للحلول السلمية واستبعاد النزاعات المسلحةrlm;.rlm; فقد قدمت القارة الأوروبية العديد من النماذج الانفصاليةrlm;,rlm; كان أبرزها تفكك الاتحاد السوفيتي إليrlm;15rlm; جمهوريةrlm;,rlm; وتفكك الاتحاد اليوغسلافي السابق إلي سبع دول كان آخرها إقليم كوسوفا الذي يسكنه أغلبية من الألبان المسلمينrlm;.rlm; وهناrlm;,rlm; تجدر الإشارة إلي قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي التابعة للأمم المتحدة فيrlm;24rlm; يوليوrlm;2010rlm; القاضي بأن انفصال كوسوفو لا يتعارض مع قواعد القانون الدوليrlm;,rlm; الأمر الذي أعطي انفصال كوسوفو عن صربيا شرعية قانونية دوليةrlm;,rlm; حيث بلغ عدد الدول التي اعترفت بهاrlm;69rlm; دولة رغم معارضة صربيا وروسيا لأسباب سياسية وقومية ودينيةrlm;.rlm;
كذلك انقسمت جزيرة قبرص إلي جزأينrlm;,rlm; أحدهما يونانيrlm;,rlm; وهو ما عرف لاحقا باسم قبرص ويحظي باعتراف الجماعة الدوليةrlm;,rlm; وجزء أخر تركي يحمل اسم قبرص الشمالية أو قبرص التركية والذي لم تعترف به الجماعة الدولية حتي الآن ويحظي بدعم تركيا منذ إعلان استقلاله من جانب واحد في عامrlm;.1983rlm; وفي القارة الآسيويةrlm;,rlm; وبقرار من الأمم المتحدة تم استفتاء المواطنين في إقليم تيمور الشرقية في عامrlm;1999,rlm; حول رغبتهم في الانفصال أو مواصلة الوحدة مع اندونيسيا حيث خلص الاستفتاء لاختيار المواطنين الانفصال وبعد نزاع مسلح نشرت الأمم المتحدة قوات حفظ سلام في تيمور الشرقية التي جري الاعتراف بها كدولة مستقلة في عامrlm;.2002rlm;
وأيضاrlm;,rlm; تجربة انفصال باكستان الشرقية عن باكستان الغربيةrlm;,rlm; وكونت الأولي دولة بنجلاديش فيrlm;26rlm; مارسrlm;1971,rlm; وتجربة انقسام كوريا إلي دولتين شمالية شيوعية وجنوبية رأسماليةrlm;,rlm; رغم امتلاك كل المؤشرات الداعية إلي الوحدة من دين ولغة وثقافةrlm;.rlm; وكذلك تجربة انفصال اريتريا عن إثيوبياrlm;,rlm; حيث تم إجراء الاستفتاء بواسطة الأمم المتحدة ونالت إريتريا استقلالها فيrlm;23rlm; مايوrlm;.1993rlm; وفي النهاية فإن هناك نماذج أخري مغايرة للاستفتاءات حول تقرير المصير لم يكن نتيجتها الاستقلالrlm;,rlm; مثل إقليم كيبك في كندا الذي ينطق معظم سكانه باللغة الفرنسيةrlm;,rlm; وصادق سكانه بفارق ضئيل بنسبةrlm;50.6%rlm; علي البقاء ضمن الأراضي الكندية في مقابلrlm;49.4%rlm; لمؤيدي الانفصال أي بفارقrlm;45rlm; ألف صوت فقط من إجمالي خمسة ملايين ناخب خلال استفتاءrlm;1995rlm; الذي أجري بكنداrlm;.rlm; وكذلك الاستفتاء حول تقرير المصير في إقليم الباسك الأسباني الذي كان متوقعا فيrlm;25rlm; أكتوبرrlm;2008rlm; واستأنفت ضده الحكومة الأسبانيةrlm;.rlm;
معني ذلكrlm;-rlm; وفق هذا المنطقrlm;-rlm; أن تجربة الاستفتاء في السودان لم تكن الأولي ولن تكون الأخيرة في العالمrlm;.rlm; وبالنسبة لنا وسواء كان في الأمر مؤامرة دولية أو أنه من طبائع الأشياء خاصة عندما تنحو الدول إلي طبائع دينية في الحكم فلا بد من بناء إستراتيجية تأخذ في اعتبارها السيناريو الأكثر سوءا الذي أشرنا له في المقدمةrlm;.rlm; ولا يوجد غبار في استمرار الإستراتيجية الحالية مع توسيعها لكي تشمل الدول الأخري التي قد لا تقبل بمد موعد الاستفتاء أو فكرة الكونفيدرالية ولكنها سوف تقبل بالتأكيد رفض العنف وإسالة الدماء لأنه سوف يخلق الظروف الملائمة للعديد من الدول الفاشلة التي تصلح قاعدة للإرهاب والجريمة المنظمة فضلا عن تدمير موارد اقتصادية ثمينة لسنوات طويلة قادمةrlm;.rlm;
ولكن تحسبا للسيناريو الأسوأ فإن شمال السودانrlm;,rlm; أو دولة السودان الشمالية لأننا لا نعرف بعد اسم دولة الجنوبrlm;,rlm; ينبغي أن تكون مركز حركتنا الإستراتيجية والتنمويةrlm;.rlm; ولا يعني ذلك أبدا تناقضا بالضرورة مع الجنوب الذي سوف تظل لنا فيه روابط ووشائج لا ينبغي التقليل منهاrlm;;rlm; وإنما يعني أن حقيقة الجوار الجغرافي المباشر تفرض نفسها سياسيا واستراتيجيا علينا لأنها سوف تكون دولة المعبر ليس فقط للمياه بل أيضا لحركة اللاجئين والإرهاب والأفكار المتطرفةrlm;.rlm; ومن ناحية أخري فإن دولة السودان الشمالية هي من الناحية الجغرافية ممتدة في العمق الأفريقي المقرب من منابع النيل والواقع علي نقاط التماس المباشر مع الدول الأفريقية الشقيقةrlm;.rlm; وفوق ذلك كله فإن شمال السودانrlm;,rlm; والذي تزيد مساحته بكثير عن مساحة مصرrlm;,rlm; يحتوي علي إمكانيات زراعية واقتصادية هائلة تحقق تكاملا طبيعيا مع الطاقة الصناعية المصريةrlm;.rlm;
تفاصيل ذلك يجدر به مقال آخرrlm;,rlm; والعقبات التي تواجه إستراتيجية تقوم علي توثيق كبير للعلاقة بين مصر وشمال السودان حتي ولو بدأت بالكونفيدرالية متعددة الوجوهrlm;,rlm; وأولها طبيعة الحكم في السودانrlm;,rlm; والحالة النفسية والعصبية التي سيكن عليها ساسة السودان بعد انفصال الجنوبrlm;,rlm; وتصفية الحسابات بأنواعها المختلفةrlm;,rlm; كلها قد تمنع ما أشرنا إليهrlm;,rlm; ولكنها قد تكون أيضا الطريق الذي يقود إليهrlm;.rlm; وبصراحة فإن السودانrlm;,rlm; سواء تمزق نتيجة المؤامرةrlm;,rlm; أو نتيجة التحول الحضاري الديني الذي ذهب إليهrlm;,rlm; فإنه بعد ضياع الجنوب سوف يكون محتاجا لمصر بقدر ما تكون مصر في حاجة إليهrlm;,rlm; وأحيانا فإنه يمكن انتزاع النصر من قلب الهزيمةrlm;,rlm; والوحدة من زمن الانفصالrlm;.rlm;

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف