ما الذي بقي أمام أوباما ليفعله؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
خيرالله خيرالله
أميركا الغاضبة هي التي صوتت في الثاني من تشرين الثاني الجاري. صوتت ضد رئيس وضعت عليه آمالا كبيرة فاذا بها تفاجأ بشخص متردد يدخل البيت الابيض ليس لديه ما يقدمه سوى الكلام الجميل والخطب الفصيحة. خلف الكلام الجميل والخطب الفصيحة لم تكن هناك سياسة ناجحة في اي مجال من المجالات. كان يهم الأميركيين قبل كل شيء تحسن الوضع الاقتصادي وتحقيق انجاز ما على صعيد السياسة الخارجية. لم يتحقق شيء من ذلك. زاد الوضع الاقتصادي سوءا وبدت الولايات المتحدة، في مختلف انحاء العالم وفي مواجهة الازمات الدولية، بمثابة نمر من ورق فعلا. بكلام اوضح، بدت قوة عظمى لم يعد يهابها احد!
كانت الانتخابات النصفية للكونغرس بمثابة امتحان حقيقي للرئيس الأميركي باراك أوباما الذي استطاع بالكاد المحافظة على الاكثرية الديموقراطية في مجلس الشيوخ. لم تكن الانتخابات تشمل سوى ثلث اعضاء المجلس الذي كان الحزب الديموقراطي يتمتع فيه باكثرية مريحة. لو شملت الانتخابات كل الاعضاء من الشيوخ، لكان الامر تحول الى كارثة كبرى شبيهة بتلك التي حلت بمجلس النواب الذي استولى عليه الحزب الجمهوري وبات قادرا على منع ساكن البيت الابيض من تمرير مشاريع القوانين التي يعتقد انها جزء لا يتجزأ مما وعد به مواطنيه في اثناء الحملة الانتخابية.
سقط باراك أوباما في الامتحان. لم يستطع السود دعمه باصواتهم التي ساعدت في ايصاله الى الرئاسة. تخلى عنه عدد لا بأس به من الليبيراليين الذين اعتبروه رمزا للتغيير. نسى الأميركيون ان من اسباب عجز اول رئيس اسود للبلاد عن تحقيق اي تقدم في اي مجال كان، التركة الثقيلة لجورج بوش الابن. في الواقع، كان اي رئيس أميركي في وضع أوباما سيواجه الصعوبات نفسها، فكيف برجل اسود، منفتح على العالم، لا همّ له سوى تأكيد انه ليس جورج بوش الابن، بل يمثل كل ما هو نقيض له.
ربما تكمن مشكلة باراك أوباما في انه لا يمتلك سياسة خاصة به. الانفتاح على العالم ليس في حد ذاته سياسة. لا وجود لشيء اسمه انفتاح من اجل الانفتاح من دون الحصول على مقابل. كذلك، لايمكن البناء على سياسة اسمها الانسحاب من العراق لمجرد القول بان العراق صار جزءا من الماضي. لا يمكن بناء سياسة على تقديم الوعود الى الفاسطينيين ثم التراجع عنها بعد اول مواجهة مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بيبي نتنياهو. مثل هذا التصرف كفيل بتدمير اي سياسة أميركية في الشرق الاوسط.
كان في استطاعة الناخب الأميركي تناسي كل هذا الفشل الذي لحق بالقوة العظمى الوحيدة في كل بقعة على وجه الخليقة لو تمكن أوباما من تحقيق انجاز ما على الصعيد الداخلي، خصوصا في مجال الاقتصاد. ففي خلال الحملة الانتخابية، كانت العناوين كلها ذات علاقة بمسائل داخلية. وقد ركز المحافظون الجدد وتيار "حفلة الشاي"، الذي يقف على يمينهم، على شخص الرئيس الأميركي الاسود ونشأته وافكاره "اليسارية" فحققوا انتصارات كبيرة في ولايات مهمة بما يسمح لهم بعرقلة اي توافق في الكونغرس في السنتين الباقيتين من الولاية الرئاسية لأوباما.
باختصار شديد، تلقى باراك أوباما صفعة قوية. ما يدل على قوة تلك الصفعة سقوط المرشح الديموقراطي لمقعد مجلس الشيوخ في ولاية ايلينوي التي كان الرئيس الأميركي يمثلها قبل وصوله الى البيت الابيض. انها المرة الاولى التي يسقط فيها المرشح الديموقراطي منذ اربعة عقود. هل من دليل اكبر من هذا الدليل على مدى تضايق الناخب الأميركي من الرئيس الاسود وغضبه على كل ما يمثله ؟
باراك أوباما ليس اول رئيس أميركي يواجه مثل هذه النكسة بعد عامين من دخوله البيت الابيض. ماذا يفعل الرؤساء في مثل هذه الحال؟ جرت العادة ان يهرب المقيم في البيت الابيض الى السياسة الخارجية ما دام كلّ مشروع قانون سيقدمه الى الكونغرس سيواجه عراقيل كبيرة. الذين يعرفون أوباما يقولون انه لن يكون اسثتناء وسيركز ابتداء من مطلع السنة المقبلة على افغانستان والعراق والنزاع العربي الاسرائيلي. سيسعى الى تأكيد ان الولايات المتحدة لا تزال قوة عظمى وانها قادرة على اتخاذ مبادرات وفرض رأيها. سيكتشف باراك أوباما انه اول شخصية عالمية تحصل على جائزة نوبل للسلام في الوقت الذي تخوض فيه حربا بل حروبا في مناطق عدة بينها افغانستان. هل هناك زعيم او رئيس دولة قادر على التكيف مع هذه المعادلة ؟
الاكيد انه سيترتب على باراك أوباما التخلي عن الاحلام الكبيرة من نوع اعادة صياغة المنطقة ونشر الديموقراطية فيها انطلاقا من العراق. ولكن مما لاشك فيه انه سيكون مضطرا لادارة الحروب التي لا تزال الولايات المتحدة متورطة فيها. سيكتشف انه لا يستطيع ادارة ظهره للعراق كما حاول في الاشهر الستة الاخيرة وانه لا يستطيع ترك "طالبان" تعيد سيطرتها على افغانستان ولا يستطيع الاكتفاء بدعوة الايرانيين الى الحوار كي لا يعود هناك برنامج نووي ايراني او تدخل ايراني في الشؤون الداخلية لعدد لا بأس به من دول المنطقة، خصوصا لبنان. سيكون باراك أوباما اكثر تشددا على الصعيد الخارجي. سيكون هدفه تأكيد انه ليس بالميوعة التي يعتقدها خصومه وانه قادر على عرض العضلات الأميركية مرة اخرى... عليه ان يفكر بكيفية محو صورة الرئيس الضعيف المتردد من اذهان الأميركيين في حال كان مصمما على السعي جديا الى الحصول على ولاية رئاسية ثانية!
التعليقات
بقى التملق
Farid -بقى لة الكثير من التملق للانظمة الداعمة للارهاب باسم الاعتدال