هل انتكس أوباما حقاً؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
خالد السرجاني
مني الحزب الديمقراطي الأميركي بهزيمة قاسية في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، حيث فقد أغلبيته في مجلس النواب، وحافظ على أغلبيته في مجلس الشيوخ بفارق ضئيل، لن يمكن الرئيس باراك اوباما من تنفيذ أجندته الإصلاحية خلال السنتين المتبقيتين من ولايته الرئاسية. وقد تعاملت وسائل الإعلام العربية مع نتائج هذه الانتخابات باعتبارها تمثل نكسة للرئيس الأميركي اوباما.
وإذا كانت بعض وسائل الاعلام تعاملت مع الانتخابات باعتبارها بمثابة استفتاء على الرئيس وأداء إدارته خلال السنتين الماضيتين، فان هناك منهجا آخر قد يعطي نتائج وانطباعات مختلفة عن تلك التي تتسم بالمبالغة.
وهناك ملاحظة مهمة على انتخابات التجديد النصفي للكونجرس أن أي رئيس أميركي عادة ما يخسر الانتخابات النصفية للكونجرس التي تجرى في نصف ولايته، ولم يشذ عن هذه القاعدة سوى رئيسين فقط هما روزفلت عندما فاز حزبه بانتخابات التجديد النصفي في منتصف ولايته عام 1933 وكان ذلك وسط فترة الكساد العظيم فيما اعتبر وقتها بمثابة تأييد شعبي لسياسته في محاربة هذا الكساد.
أما الرئيس الثاني فكان جورج بوش الابن الذي كسب حزبه الجمهوري انتخابات التجديد التي جرت عام 2002 في منتصف ولايته، وكانت أول انتخابات تجرى بعد أحداث 11 سبتمبر عام 2001 وفسرت النتائج وقتها بان الشعب الأميركي أراد أن يعبر عن التفافه حول الرئيس وإظهار التأييد لسياسته الخاصة بمواجهة تنظيم القاعدة.
والحالتان تعبران عن ظروف استثنائية بما يعنى أن القاعدة العامة هي أن يخسر الرئيس انتخابات الكونجرس التي تجرى في منتصف ولايته.
وعلى عكس ما يرى الكثيرون فان نتائج انتخابات التجديد النصفي لا تعني على الإطلاق أن فرص الرئيس باراك اوباما في أن يتم التجديد له لولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية المقبلة أصبحت ضعيفة، فمعظم الرؤساء الذين خسر حزبهم انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في منتصف ولايتهم استطاعوا أن يحصلوا على تفويض من الناخبين بولاية رئاسية ثانية، وكان آخرهم كل من الرؤساء بوش الأب والابن وكلينتون، الذي خسر حزبه انتخابات التجديد النصفي للكونجرس بصورة كاسحة عندما صعد نيوت جينجرتش صاحب ما أطلق عليه آنذاك الثورة المحافظة، ولكن في الانتخابات الرئاسية التي تلت هذه الهزيمة الكاسحة استطاع الرئيس أن يكتسح منافسه الجمهوري روبرت دول،
صورة مخالفة تماما للانطباعات التي خرج بها المراقبون بعد هزيمة الحزب الديمقراطي في انتخابات التجديد النصفي. ولكي تتضح الصورة أكثر لا بد من الإشارة لعدة نقاط يمكن أن تكون كفيلة بتغيير الانطباعات السائدة حول "نكسة الرئيس اوباما" كما تطلق عليها بعض التحليلات.
ومقدمة هذه النقاط ما يتعلق بما أنجزه الرئيس اوباما خلال العامين الماضيين عندما كان الديمقراطيون يسيطرون على السلطتين التشريعية والتنفيذية. فقد أنجز الرئيس ثلاثة إنجازات أساسية. بعضها كان على جدول أعمال الحزب الديمقراطي منذ ما يقرب من أربعة عقود ولكن لم يتمكن أي رئيس ديمقراطي من تنفيذها لان جماعات الضغط المتعددة حالت دون ذلك.
وأول هذه المنجزات ما يتعلق بتطبيق نظام التأمين الصحي الذي نجح الرئيس في إقراره، وهو كان يواجه بمقاومة شديدة من لوبي شركات الأدوية والمؤسسات الصحية الكبرى، وهذه الأخيرة نظمت أكثر من مظاهرة كبرى جهزت لها جيدا ومولتها بصورة كبيرة من بدأت بها حملات ضد الرئيس اوباما وحزبه، وكان مقدمة ثمارها إعادة الحزب الجمهوري تنظيم نفسه للانتخابات التي جرت منذ أيام.
أما ثاني المنجزات فيتعلق بخطة الإصلاح المالي التي أتاحت للدولة أن تتدخل في الرقابة على المؤسسات المالية وهو أمر لم يكن احد يستطيع أن يتوقعه، وهو ما جعل معارضي الرئيس يتهمونه بالشيوعية.
وهذه المنجزات دفعت اللوبيات المعارضة للرئيس إلى تنظيم نفسها وحشد قواها في مواجهة الرئيس، وتمثل احد مظاهر الحشد في ان الانتخابات التي جرت مؤخرا كانت الأكثر إنفاقا في تاريخ انتخابات الكونجرس وكان الحزب الجمهوري هو الأكثر إنفاقا بمراحل عن الحزب الديمقراطي وكان تمويل الحزب عبر الشركات الاحتكارية الكبرى والمؤسسات المالية التي تضررت من سياسة الرئيس خلال العامين الماضيين.
وثالث إنجازات الرئيس انه أعاد التوازن إلى المحكمة العليا الأميركية بعدما كان اليمينيون يسيطرون عليها حيث عين منذ شهور قاضية ليبرالية بما أعاد التوازن الجزئي لهذه المؤسسة القضائية.
وبالطبع فان هذة الإنجازات الثلاثة دفعت اليمين الأميركي إلى توحيد صفوفه في مواجهة الرئيس وأظهرت إلى الوجود ما يسمى بحزب الشاي وهو جناح يميني متطرف داخل الحزب الجمهوري استطاع أن يحقق نجاحات انتخابية ملفتة في الانتخابات الأخيرة، ولكن على الجانب الآخر فان مؤيدي اوباما الذين استطاعوا أن يحملوه إلى سدة الرئاسة في الانتخابات التي جرت عام 2008، فقدوا حماسهم للرئيس وامتنعوا عن الذهاب إلى الانتخابات الأخيرة لأنهم رأوا أن سياسة الرئيس لم تكن راديكالية على النحو الكافي، وأنها اتسمت بالمساومات والتنازلات للحزب الجمهوري.
وبالتالي فان احد الأسئلة المفصلية التي سوف تحدد مستقبل الرئيس اوباما هو هل ستظل هذه القوى على موقفها أم أنها ستغيره بعدما ستجد أن مصالحها معرضة للخطر بسبب أداء الحزب الجمهوري في الكونجرس لأنه سيعوق الرئيس عن تنفيذ سياساته وإصلاحاته المتوقعة؟
واستراتيجية الرئيس في التعامل مع الموقف الذي نتج عن انتخابات الكونجرس ستكون فاصلة في تحديد موقفه في الانتخابات المقبلة، حيث سعى كل الرؤساء الذين سبقوه وواجهوا نفس الموقف إلى اتباع سياسة حملت الحزب الذي يسيطر على الكونجرس تبعات الوضع السياسي والاقتصادي الذي لا يرضى عنه الأميركيون فهل يفعل اوباما ذلك أيضا؟