جريدة الجرائد

العولمة والعنصرية الإسرائيلية!

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

طيب تيزيني

جاءت العولمة في أواخر العِقد الأخير من القرن المنصرم، لتقدم نفسها بمثابتها "قرية كونية واحدة"، تلتقي فيها شعوب العالم ضمن علاقات من الندَّية والمساواة والاحترام، بعد أن تكون هذه الشعوب قد أخذت عِلماً بضرورة العمل على اندماجها في النظام العالمي الجديد كلاً وجزءاً، فتتخلى عمَّا يجعل منها شعوباً ذوات خصوصيات معينة، وإنْ كانت نسبية، في كل الأحوال فتواريخها وهوياتها بل كذلك لغاتها ومنظوماتها القيمية وغير ذلك، أشكال وصيغ تجاوزها الزمان مع ما يجسّدها من مؤسسات وأطر وطنية وقومية مثل الدولة والثقافة ومؤسسات ومنظمات تتبع المجتمع المدني. ولم يحتج الأمر وقتاً طويلاً حتى اتضح أن القرية الكونية الواحدة المذكورة إنما هي -في أساسها- السوق الكونية الواحدة، التي على كل شيء في المجتمع أن ينصاع لها، وذلك حسب ما يُعتبر قاعدتين كبريين من قواعد تلك القرية الكونية، وهما تسليع المجتمعات والطبيعة أولاً، وتنميطها ثانياً.

في سياق ذلك اتضح الموقف "الحقيقي" -على الأقل نسبياً- للعولمة بصفتها System حيال شعوب العالم، وكان الرئيس بوش الابن قد قدم ممارسات حيَّة كأمثلة على استراتيجية الهيمنة، التي ظهرت في علاقات الولايات المتحدة مع بلدان متعددة. لقد سقط الثلج، وبان المرج: لقد بان أن مُجسِّدة ذلك النظام، الولايات المتحدة، استغلت استفرادها بالعالم، حتى حِيال حلفائها الأوروبيين، وراحت تؤلِّب مجموعات على أخرى بصيغة لا تستثني سلاحاً سياسياً أو حربياً أو ثقافياً عنصرياً وطائفياً...إلخ، وذلك في إطار التدخل هنا وهناك، وزرع الصراعات من طُرز متعددة.

وعلى امتداد سنين ظلت إسرائيل تمثل حالة "استثناء" في الخريطة العولمية السياسية والاقتصادية والعسكرية وغيرها، فظلت تحصل على ملايين الدولارات من الأميركيين دافعي الضرائب، وذلك بصيغة عسكرية ومالية وغيرها. وأتى حدث خطير منذ سنوات، وهو إلغاء القانون الدولي الذي يرى في إسرائيل دولة عنصرية مجسدة بالجدار العنصري وبإعفاء مجرمي حرب إسرائيليين من المساءلة الدولية، كما حدث خصوصاً بالنسبة إلى دعاة السلام والعدل، الذين جاءوا إلى فلسطين لتخفيف الحصار عليها...إلخ. وسوف يندهش المرءُ المراقب الموضوعي حين يضيف إلى تلك الممارسات العنصرية حدثاً جديداً يدعو للاستفزاز والاشمئزاز. ويتلخص في أن مجموعة من الحاخامات اليهود في مدينة صفد الفلسطينية، أصدرت فتوى جديدة بعد تحضير مركّز في اجتماع التقوا فيه منذ حين. وفي هذا اللقاء الذي ضم ما يقرب من 400 شخص من صفد، عمل هؤلاء على تبادل الرأي حول كيفية الحيلولة دون تحقق واندماج ما بين اليهود و"الأغيار" كما يُفهم من الفتوى.

وبشيء من التفصيل، ألحَّت الفتوى على رفض تأجير أو بيع منازل للطلاب العرب الدارسين هناك، في كلية المدينة الأكاديمية، كي لا يحدث أي احتكاك أو اندماج بين الفريقين في ما يعتبرونه "مدينتهم المقدسة". فبرأي من أصدروا الفتوى الحظرية أن أسلوب حياة "الأغيار مختلف عن أسلوب حياة اليهود". وقادهم ذلك إلى معارضة حكومتهم بفتح "مدرسة لتعليم الطب بالمدينة المذكورة. ومن شأن هذا الفتح أن الطلاب العرب سيكونون الغالبية في المدينة وفي الأكاديمية، مما يُحدث خللاً في المدينة المقدسة".

لقد نظر الصهاينة إلى الظروف العالمية المهيمنة على أنها حاضنة ممتازة لتحقيق أيديولوجيتهم العنصرية، دونما تعرّض لمساءلة من هذا الطرف أو ذاك. وبإمكاننا أن ننظر إلى هذه الحادثة الجزئية على أنها تعبير عن استراتيجية إسرائيل المراوغة حيال مطلب السلام وحل الدولتين المتساويتين.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف