جريدة الجرائد

أنتم شهود الزور

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

زيّان

إذا كان أبو الطيّب المتنبي قد رأى أن حالات الزمان على سيف الدولة شتّى أما حاله فواحد في كل حال، فإن حالات الزمان على لبنان أكثر من أن تحصى أما حاله فلا يُحسد عليه.
وليس من المبالغة القول ان حاله يُحزن كل زي وجدان، وكل من عرفه أو مرّ به أو وصلته أخبار النزالات والسجالات والتهويلات التي تحاصره من الجهات الأربع.
فهو كما تقول فيروز في احدى فراقيّاتها، مثل شجرة على مفرق طريق.
وحده. واذا كان ميخائيل نعيمة استهاب الحياة والوحدة لدى ولوجه عتبة السبعين ولا أب له يسأم، وقبله أبو العلاء المعري، فإن هذا البلد التائه في أرضه يشعر كمن لا أهل له وهو في العقد السابع.
يُقال الكثير في معاناة لبنان المزمنة والتي يُضرب بها المَثَل في الأقطار العربية. ويُقال الكثير في هذه الشعوب والقبائل التي لا تنفكّ تنتقل من حرب إلى مشروع فتنة، الى سيناريو مواجهة، الى تهديدات لا تستثني الانقضاض على النظام، والصيغة، والتركيبة، وكل ما يمثّل او كان يمثّل تميز هذه البقعة او هذه الجزيرة البرية.
فبعد سبعة عقود من استقلال ساهمت في تحقيقه بريطانيا العظمى بطرقها وأساليبها، رغبة منها في الحلول محل الانتداب الفرنسي، يلتفت اللبناني العادي ليكتشف ان لا اثر ولا خبر لذيّاك الاستقلال.
وكأننا لا نزال نفتش عن الارض، والحدود، والموقع، والهوية، والانتماء، والكيان، والذين ينتمون الى هذه البقعة التي يُفترض ان تكون هي جغرافيا الوطن.
فلا البلد صار بلداً بحدود واقعية مُعترف بها كلّها من كل المجتمعات والشرعيات.
ولا هذه الجموع المفرنقعة الواقفة على سلاحها ابداً، صارت شعباً واحداً ينتمي الى وطن واحد، وتاريخ واحد، ودستور واحد، ونظام واحد، وقانون واحد، وتراث واحد، ومصير واحد.
لا، لا شيء من هذا القبيل في هذه العصفورية، في هذه الكرنتينا، في هذه الغابة، في هذا الجحيم، في هذه العتمة.
سبعة عقود تقدم خلالها العالم والعلم سبعين مرة سبع مرات، واجتازت الشعوب أشواطاً في حقول التطور والازدهار والمعرفة.
لكن المقيمين في هذه الارض التي عشقها كل مَن زارها لا يزالون غارقين في جدالات أين منها الجدل البيزنطي حول جنس الملائكة.
فلا الدولة دولة. ولا المؤسسات صمد منها سوى الإسم لتكون على غير مسمى. ولا الادارات والمجالس والمصالح، ولا حتى الوزارات ومشتقاتها استطاعت ان ترتقي الى مستوى مسؤولياتها والمهمات الموكولة اليها.
كأنما كل شيء موقّت.
حتى النظام والصيغة والميثاق.
أما القوانين، فحدّث ولا حرج.
أما الدستور، فله في كل عرس قرص.
ولا شيء سوى التسابق على السلطة، والتنافس على الكراسي والمراتب والمغانم والمكاسب والمسالب.
وأما الفوضى، وأما التسيّب، وأما الفساد، وأما الفلتان، وأما غياب العدل والقانون والأمان، فحدّث ولا حرج.
سبعون عاما، ولا يزال اللبنانيون يحزمون الحقائب تلو الحقائب، ويملأون صدر البحر سفينا بعدما ضاق بهم صدر البر.
أما الوطن، أما هذا اللبنان الذي لم يستطع بعد سبعين عاماً أن يرسو بسفينة نموذجه الفذ على برّ ما، فإنه باقٍ رهيناً ورهينة. رهين المحبسين، ورهن رغبات من خارج وشهوات من داخل... وشبه حلم ليلة صيف.
تريدون الحقيقة أيها اللبنانيون؟ أنتم شهود الزور.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
Perfect
Roni -

this is the best article i have ever read ..well done i don''t blame the politicians i do blame the lebanese people all of them!!