مسيحيو العراق... ليست «القاعدة» وحدها من استهدفهم
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
عبدالوهاب بدرخان
كان مسيحيو العراق يلوذون، تاريخياً، بالدولة. فهم أقلية، ولا حكمة في أن يتخذوا مواقف فئوية في حمأة الاستقطابات الداخلية. وفي أي حال لم تكن هناك استقطابات مربكة خلال عهد النظام السابــق، لــذا اعتــبروا اعتــباطاً من أجنحته، أو متعاونين معه، لكنهم كانوا يتعاونون مع الدولة القائمة، ولا يعني ذلك أنهم لم يكونوا يعرفون علـــلها واستبداديتها، غير أن هذا هو الخيار الوحيد المتاح أمامهم، وإلا لكان ذلك النظام سحقهم وأجهز عليهم، كما يحاول فرع تنظيم "القاعدة" العراقي اليوم، وهو المسمى "دولة العراق الإسلامية".
بعد الغزو والاحتلال لم يدرك الأميركيون انهم إزاء صراعات طائفية ومذهبية إلا بعدما دخلوا هم أنفسهم في أتون الاقتتال، بل بات على الغزاة أنفسهم أن يحسموا أمرهم بتأييد فئة ضد فئة.
ولم يفطنوا طبعاً الى الأقليات لأنهم كانوا يبحثون عمن يساعدهم في استيلاد نظام جديد من حطام الدولة والنظام السابقين.
لم يرَ الأميركيون أنهم معنيون بحماية المسيحيين، كما اعتبرت تركيا مثلاً أنها معنية بأمن التركمان وسلامتهم، أو كما تصرفت إيران ليس فقط لضمان الشيعة وإنما للتأكد من أنهم سيتمكنون من الهيمنة على النظام الوليد.
أما الأكراد فكانوا توصلوا الى الاعتماد على الذات، لكن مع ضمانات أميركية قوية لا تزال سارية. وأما السنّة فكان عليهم أن يتقبلوا حقيقة انهم الخاسر الأكبر من تغيير النظام، وإذ راحوا يستنهضون النفوذ العربي التقليدي في الدول المجاورة، فإنهم عانوا أيضاً الصدّ الأميركي لهذا النفوذ متوازياً مع صدّ آخر من قوى "العراق الجديد".
في معمعة الاقتتال الطائفي والانتخابات، المقاومة والإرهاب، وصراع الدولة المركزية المستعادة رمزياً مع دويلات المناطق في إطار السعي الى الفدرلة، فتحت ثغر كثيرة وخطيرة للتعرض للأقلية غير المتمتعة بأي حماية أو حصانة، فعانى المسيحيون منذ عام 2004.
فخسارتهم الكبرى هي ذاتها خسارة جميع العراقيين الكبرى، وتتمثل في أن الدولة لم تولد بعد، لا تزال غائبة، لا تزال طموحاً في طيات الغيب.
وعلى افتراض انها ستقوم بالملامح التي تظهر عليها اليوم، فإن حماية الأقليات ستكون آخــر همــومها، لأن شخوص هذه الدولــة جــاؤوا من تــجارب سياسية فئوية لا علاقة لها بمفهوم "الدولة لــكل مواطنيها".
لم ينفرد تنظيم "دولة العراق الإسلامية" في استباحة مسيحيي العراق، وإن كان جعل منهم أخيراً هدفاً معلناً لإرهابه، بل شمل معهم أقباط مصر للدلالة الى ارتباطه بالتنظيم الأصل الـ "بلا حدود"، ففي الأعوام الستة الماضية شهد مسيحيو العراق تجرؤات على أمنهم وأمانهم من عصابات سرقة وإجرام وابتزاز، والأخطر أنهم ارتابوا في كثير من الأحيان بأدوار تواطأت أو تورطت فيها قوى وأحزاب ذات امتدادات في النظام الجديد، ولم يجدوا في بعض الأحيان سوى اهتمام شكلي أو حتى لا مبالاة من المؤسسات الأمنية.
ولم تكن الاتهامات بالإهمال غداة مجزرة كنيسة سيدة النجاة (الأحد 31/10/2010) إلا تسجيلاً لواقع، خصوصاً ان الأجهزة الأمنية كانت على علم بوجود تهديدات صريحة باستهداف المسيحيين.
ولا شك في أن وقائع التواطؤ والتورط المباشر المتنكر بـ "القاعدة" تحتاج الى فتح تحقيق جدي لتحديد المسؤوليات ومعاقبة المجرمين الذين يفترض انهم تحركوا بأوامر من جهات ميليشيوية ذات علاقة بـ "الدولة".
ولكن أحداً لا يريد محاسبة أحد، على ما أظهر التعامل غير السوي مع ما كشفته وثائق موقع "ويكيليكس" عن ارتكابات جيش احتلال يسعى الى التطهر من ذنوبه بالانسحاب، وكذلك ارتكابات ميليشيا رئيس الوزراء سيُكافأ بتثبيته في منصبه.
عملياً التقت قوى "النظام الجديد" على اختيار مسيحيي العراق ضحية ثانية لسقوط النظام السابق بعد السنّة، أي على الانتقام منهم لأنهم تعايشوا مع نظام صدام حسين.
وبدا واضحاً ان جيش الاحتلال لم يهتم أو غضّ النظر، على رغم علمه - وعلم خبراء الأمم المتحدة - أن المناطق التي يقطنها المسيحيون تقع إما في وسط ما هو متنازع عليه أو على تخومه، وبالتالي فإن توترات النزاع ستشكل ضغوطاً هائلة عليهم.
لذلك بدأت باكراً قوافل الرحيل، بدأت صامتة وغير ملحوظة بالقادرين الذين استعدوا لمثل هذا الاستحقاق المصيري فأسسوا ملاذات في لبنان وسورية والأردن، وبدرجات أقل في عواصم الخليج، ثم تواصلت مع شبه القادرين الذين فتحت أمامهم أبواب الهجرة الى أوروبا وكندا، ولعلها ستستمر الآن بعدما أصبحت تصفية الوجود المسيحي في العراق مجرد مسألة وقت، ليس فقط بفعل جرائم القاعدة، وإنما خصوصاً بفعل غياب الدولة وانشغال أطرافها بغنائمهم غير مبالين بما يعنيهن تاريخياً وحضارياً وإنسانياً، رحيل مواطنيهم المسيحيين قسراً. على أنه يعني أولاً وأخيراً ان هذه الدولة التي يدّعون بناءها على أساس ديموقرطي، لا تحتمل التعددية ولا تعترف بها أساساً، وبالتالي فلا يمكن الاستمرار في الكذبة الى ما لا نهاية.
جاء هذا التفجر المأسوي لمسألة المسيحيين في العراق، وكأنه "رد إسلامي" على الروحية التي حرص "سينودس الشرق" على إشاعتها غداة انتهاء أعماله في الفاتيكان قبل أيام من مجزرة الكنيسة في بغداد. كان السينودس أشار تحديداً الى معاناة المسيحيين أولاً من تراجع الدولة أو ضعفها وغيابها.
وإذ جاء الرد من "القاعدة"، فهذا لا يشي فقط بأن التنظيم الإرهابي بات قطب الندّية في "صراع الحضارات" بل أصبح قادراً على حجب "الدولة" والحلول مكانها مستخفاً بكل منظومات القيم التي أمكن المجتمع البشري أن يبلورها.
وبذلك يثبت الإرهاب القاعدي انه الوريث الشرعي لمختلف الاستبدادات والانهيارات الأخلاقية والقيمية التي أصابت "مؤسسة الدولة"، وفي ما يخص العراق يتبين أكثر فأكثر أن صراع الميليشيات الخاصة بالأحزاب مع جماعات الإرهاب بات متحكماً بتخليق الدولة الجديدة حيث الأولوية لتحاصص الأرض والدولة والمؤسسات بين المذاهب والإثنيات. ولا عزاء لمن لا يملك ميليشيا في مثل هذا البلد.
في الآونة الأخيرة تداعت الأزمتان العراقية واللبنانية الى مقارنات متفاوتة الدقة. ولعل الفارق في حال المسيحيين انهم في العراق انتظروا عودة الدولة ليتعاملوا معها، ويبدو الآن انهم قد يئسوا منها لا بسبب حادثة أو حتى سلسلة حوادث تعرضوا لها، وانما لأن ملامح هذه الدولة لا تطمئن مسلمي العراق قبل أن تطمئنهم. أما في لبنان فهناك دولة تعاني من انقسام المسيحيين حولها على رغم حاجتها اليهم. وفي "النداء من أجل لبنان"، الذي صدر بعد اللقاء المسيحي الأخير في المقر البطريركي لفتت مناشدة للمسيحيين "الى استعادة الدور الذي لعبوه والانضواء تحت الثوابت للكنيسة وتحمل مـسؤولياتهم التـاريخية في الدفاع عن لبنان الكيان".
وكذلك الدعوة الى "الشركاء في الوطن" للعمل معاً و"العودة الى الدولة بشروطها لا بشروط طائفة أو حزب".
ففي اصطراع الطوائف والأحزاب تهميش للدعوة ودعوة صريحة وملحّة لشيوع الإرهاب وسيادته.
التعليقات
يا خساره
matia -سوف يندم الوطن العربي على خروج المسيحيين منه وسيفقد الكثير وستصبح بلدانه كما الصومال اليوم مبروك.
يا خساره
matia -سوف يندم الوطن العربي على خروج المسيحيين منه وسيفقد الكثير وستصبح بلدانه كما الصومال اليوم مبروك.
مع الاسف
حسين -تعرض الشعب العراقي بكل مكوناته الى عمليات ابادة جماعية على ايدي نظام الطاغية واستمر على ايدي الارهابيين المستوردين والذين دعمتهم دولا اقليمية ومجاورة للعراق وبمساعدة لوجستيه من بقايا نظام الطاغية... ومع الاسف ياتي السيد بدرخان ويتهم الدولة العراقية بضلوعها في تصفية المسيحيين احد اقدم مكونات الشعب العراقي ... والاغرب من ذلك ان ما ورد في مقاله مغالطات لا تمت للواقع الحالي وكانه يريد ان يبريء ساحة القتلة من دماء العراقيين.... سؤالي له من يعرف بيوت سكن المسيحيين في الموصل عند تعرضهم للتصفيه ومن ثم في بغدد حاليا اذا لم يكن من ازلام مخابرات النظام السابق التي لديها كل المعلومات عن كل دار سكن لانها كانت توزع شهريا اذا لم يكن اسبوعيا استمارات على البيوت في كل انحاء البلاد تحوي معلومات كاملة عن كل فرد يسكن البيت ... لهذا ان تعاون ازلام الطاغية مع القاعدة ومخابرات دول اقليمية بهذه الاعمال لتثير الراي العام الغربي ... والمعروف عن العراقيين تعايشهم مع اخوانهم من الاديان الاخرى كالمسيحيين والصابئة والايزيديين وغيرهم ولم يعرف عنا نحن العراقيين بان قام شخص بقتل جيرانه بسبب دينه ... صفات الحصافة والدراية والعدالة لاي كاتب او محلل ان لا ينسى الماضي الا اذا كان لديه هدف معين او مدفوع من جهة معينة لتشويه الحقائق واعطاء صورة مغايرة للقاريء .... هدى الله النفوس واطابها في هذه الايام الفضيله
مع الاسف
حسين -تعرض الشعب العراقي بكل مكوناته الى عمليات ابادة جماعية على ايدي نظام الطاغية واستمر على ايدي الارهابيين المستوردين والذين دعمتهم دولا اقليمية ومجاورة للعراق وبمساعدة لوجستيه من بقايا نظام الطاغية... ومع الاسف ياتي السيد بدرخان ويتهم الدولة العراقية بضلوعها في تصفية المسيحيين احد اقدم مكونات الشعب العراقي ... والاغرب من ذلك ان ما ورد في مقاله مغالطات لا تمت للواقع الحالي وكانه يريد ان يبريء ساحة القتلة من دماء العراقيين.... سؤالي له من يعرف بيوت سكن المسيحيين في الموصل عند تعرضهم للتصفيه ومن ثم في بغدد حاليا اذا لم يكن من ازلام مخابرات النظام السابق التي لديها كل المعلومات عن كل دار سكن لانها كانت توزع شهريا اذا لم يكن اسبوعيا استمارات على البيوت في كل انحاء البلاد تحوي معلومات كاملة عن كل فرد يسكن البيت ... لهذا ان تعاون ازلام الطاغية مع القاعدة ومخابرات دول اقليمية بهذه الاعمال لتثير الراي العام الغربي ... والمعروف عن العراقيين تعايشهم مع اخوانهم من الاديان الاخرى كالمسيحيين والصابئة والايزيديين وغيرهم ولم يعرف عنا نحن العراقيين بان قام شخص بقتل جيرانه بسبب دينه ... صفات الحصافة والدراية والعدالة لاي كاتب او محلل ان لا ينسى الماضي الا اذا كان لديه هدف معين او مدفوع من جهة معينة لتشويه الحقائق واعطاء صورة مغايرة للقاريء .... هدى الله النفوس واطابها في هذه الايام الفضيله
تاريخ اسود
ابو جهينة -سوف يكتب التاريخ هذا التنكيل والقتل الجماعي والمذابخ التي ترتكب بحق المسيحيين الامنين المسالمين تماما مثلما لم ينسى التاريخ المذابح التي ارتكبها الجيش العثماني ضد الارمن والسريان والكلدان في تركيا في عام 1915 وسوف لن ننسى ما حصل وسوف نحكيه ونسرده لاجيالنا جيلا بعد جيل
تاريخ اسود
ابو جهينة -سوف يكتب التاريخ هذا التنكيل والقتل الجماعي والمذابخ التي ترتكب بحق المسيحيين الامنين المسالمين تماما مثلما لم ينسى التاريخ المذابح التي ارتكبها الجيش العثماني ضد الارمن والسريان والكلدان في تركيا في عام 1915 وسوف لن ننسى ما حصل وسوف نحكيه ونسرده لاجيالنا جيلا بعد جيل
للتاريخ
شنيور المسعود -رحم الله الرجلين اللدان عرفو كيف يتعاملوا مع الشعب العراقي
للتاريخ
شنيور المسعود -رحم الله الرجلين اللدان عرفو كيف يتعاملوا مع الشعب العراقي