قادة الجُزر العراقية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
إياد الدليمي
كشف لقاء أربيل للقادة العراقيين الذي عقد يوم الاثنين الماضي حجم التباين بين القوى والفرقاء العراقيين، حتى بات جلياً أن المسألة التي أخرت تشكيل الحكومة العراقية منذ نحو ثمانية أشهر لا تتعلق فقط بتقاسم المناصب وإنما، وهذا الأهم، بحجم التباين بين هؤلاء الساسة في كيفية التعاطي مع الملفات العراقية المتعددة والشائكة.
بل الأكثر من ذلك، من راقب ما جرى في اجتماع أربيل الذي نقل على الهواء، أدرك أنه أمام مشهد لقادة دول يجتمعون لدراسة أسباب الخلاف بين دولهم، وليس بين ساسة وطن واحد هناك خلافات تفرقهم، على أن الوطن يجمعهم بخلافاتهم.
ولو شئت الدقة، فإننا كنا أمام مشهد لقادة جزر عراقية، لا تربط بينهم رابطة، فكانوا مختلفين، وحتى العبارات التي رددوها وكانت تشي بأنها "متفقات" فإن تفسيرهم لها كان يظهر حجم التباين بينهم، ولعل على رأس تلك العبارات التي تردد صداها في الاجتماع هي "حكومة الشراكة الوطنية".
لقد كان المنظر غريبا وغريبا جدا، فبين سياسي عراقي وآخر كان هناك بون شاسع من التباين، إلى الحد الذي يخيل للمشاهد أن تلك الجلسة، رغم سعي البعض إلى إضفاء طابع الهدوء عليها، ستتحول إلى مناوشات بالأيدي.
لا أدري لماذا أهمل السادة المنظمون في أربيل وضع أعلام الأحزاب والميليشيات أمام قادة الكتل السياسية، حتى تكتمل الصورة، ويكون اللقاء معبراً بالفعل عما يجول ويدور في أروقة السياسة العراقية.
ليس من باب المصادفة أن لا تخرج لقاءات أربيل وبغداد باتفاق، بل سيكون غريبا لو أن هذه اللقاءات خرجت ولو باتفاق الحد الأدنى؛ لأننا كمراقبين سوف نبدأ بالبحث عن أسباب توصّـل ساسة العراق إلى اتفاق، وربما نسبنا ذلك إلى تدخلات أميركية وضغوط إيرانية وثالثة عربية.
نعم، في ظل التباين الذي بدا واضحا على طاولة مفاوضات أربيل بين مختلف الساسة العراقيين، صار واجبا علينا أن نقلق أكثر من ذي قبل، وصار واجبا علينا أيضا أن نقول إن المبادرة السعودية وتحت مظلة الجامعة العربية يجب أن تفعل بشكل أكبر، وأن تكون هناك ضغوط عربية على مختلف الأطراف للاجتماع واللقاء في الرياض بحثا عن مخرج ليس للعملية السياسية، وإنما للشعب العراقي الذي يدفع كل يوم من دمه وأبنائه فاتورة الخلافات السياسية بين قادته.
الخلاف الجوهري بين مختلف هؤلاء القادة، ليس على منصب وحسب وإنما على منصب وطريقة إدارة الحكم في ظل حالة من الخذلان أصابت المجتمع العراقي بعد كل هذا الوقت الطويل على إجراء الانتخابات.
المالكي المتشبث بالحكومة، قال إننا يجب أن نشكل الحكومة ومن ثم نبحث ونناقش قضايانا الخلافية، فالرجل مستعجل جدا على تشكيل الحكومة، لأنه سيكون على رأسها، بينما يرى طارق الهاشمي أن القضايا يجب أن تحل وأن تتفق عليها الكتل السياسية قبل إعلان الحكومة.
الهاشمي يطبق حقيقة أن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، فلقد أعطى موافقته عام 2005 على الدستور الملغوم والمفخخ، على أن يتم إعادة النظر في العديد من فقراته في غضون أربعة أشهر، كما نصت المادة التي أضيفت لاحقا للدستور، وها هي الأشهر الأربعة تكاد تتحول إلى سنوات خمس، دون أن تعدل مادة واحدة في هذا الدستور.
التقاطع بدا واضحا أيضا بين علاوي والمالكي، فكلاهما وإن تطابقا في مفهوم حكومة الشراكة الوطنية إلا أن تفسيرهما متباين، فعلاوي لا يريد أن يمرر حكومة برئاسة المالكي دون أن يقدم الأخير ضمانات أن لا يتحول علاوي وكتلته إلى بيادق وموظفين بيد المالكي.
ألم أقل لكم إن حجم الخلاف لا يقتصر على مناصب ووزارات فقط، وإنما حجم الخلاف في جوهر الفهم السياسي لدى قادة الكتل الحزبية في العراق لما يجب أن تكون عليه الحكومة ومهام هذه الحكومة.
نعم وللأسف، أقول إن أغلب ساسة العراق لا يفهمون من مفهوم السياسة أكثر من قشرها، بل إن أغلب هؤلاء جاءت بهم الصدف والصدف وحدها إلى دوامة العمل السياسي، فتراهم نفعيين، وصوليين، لا يفقهون سوى الركض وراء المظاهر والرواتب وتعيين الأقارب والأصدقاء في هذه الوزارة أو تلك.
يقول إبراهيم الجعفري في جلسة أربيل إن المواطن العراقي يريد من ساسته أفعالاً لا أقوالا، وكأنه بائع خضار في حي الصدرية، وليس قياديا ورئيسا أسبق للوزراء، فلماذا لم يطبق ما يقول عندما كان في أعلى هرم السلطة؟
رسالة إلى الذين اجتمعوا في أربيل وبغداد: "لقد شبعنا من سفسطتكم فإما أن تفعلوا أو تغادروا".