لبنان بيئة غير "حاضنة"
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
غسان حجار
لبنان لم يعد ملاذاًً
سبق لكثيرين من العرب أن لجأوا الى بيروت، شعراء وادباء وسياسيين عانوا الاضطهاد في بلادهم، فكان لبنان ملاذهم وكانوا يجدون في العاصمة اللبنانية هواء الحرية، ومنبر التعبير، وصحافة الانفتاح، والأهم الأهم هو الحماية، حماية النفس والجسد.
اليوم، استمع الى عراقيين هُجّروا من بلاد الرافدين، يتحدثون عن لبنان بطريقة ايجابية، انه البلد الحاضن لهم في ساعة الشدة، لكنهم لا يفكرون بالاستقرار فيه. فالاقامة فيه معقدة: المعاملات لدى الدوائر صعبة، وتحتاج الى خبرة في الرشوة، والمعاملة مع الاجانب "الفقراء" غير لائقة، والمعيشة غالية، والتسهيلات غير متوافرة، والنظام التعليمي غير مناسب لأولادهم...
والى العراقيين كل المعارضين لأنظمتهم في الدول العربية، اذ صارت الدولة اللبنانية تراعي مصالحها اكثر، بل مضت في "تطبيع" مناهض للحريات السياسية، وصار المعارضون عبئا عليها، ففضلوا اللجوء الى اوروبا.
هذا الوضع لا يؤثر في حياة الكثير من اللبنانيين، اذ اعتادوا المتغيرات في حياة مجتمعهم، لكنه في الحقيقة ينم عن تغيير وتبدل في احوال البلد، يراقبها الخارج، وقد نشعر بنتائجها وانعكاساتها مع مرور الزمن.
والخلاصة ان لبنان لم يعد مربط خيل العرب، بعد سقوط مقولة "نيال مين الو مرقد عنزة بجبل لبنان".
البيئة "الحاضنة" أنواع التلوث
شاهدنا بأم العين امس التلوث الناتج من حريق عين الرمانة والذي انتشر في كل انحاء العاصمة، ولا اعلم ما هو الشعور الذي انتاب اهل المنطقة فيما كانت الغيوم السوداء تسوّد منازلهم وتغرقهم في عتمة اضافية، بعدما عمدت مؤسسة كهرباء لبنان الى قطع التيار تحسباً لأي احتكاكات وحرائق اضافية.
حريق الأول من امس كشف عن تلوث جديد سبق الحريق الكبير. وهو تلوث الفساد والفوضى المستشرية في البنايات التي نسكنها. فهنا مستودع لزيوت السيارات، وآخر لأدوات التنظيف، وهناك كاراج حدادة وبويا، او ربما مخزن للغاز.
بالأمس سمعنا الكثير من الكلام والتنديد والاستنكار، وكله في الواقع لا ينفع في شيء اذ ستتوالى الحوادث لتطغى على خبر الحريق، وستعود الصلاحيات بين الوزارات والادارات لتتدخل مجدداً، فتعطل كل مسعى لتنظيم الأمور.
بين الحريق وآثاره السيئة على البيئة تبقى مشكلة الناس الذين احترقت منازلهم ودفعوا الى التهجير، ولو الموقت. هؤلاء الناس الفقراء الذين لن يجدوا من يساعدهم لأنهم لا يدخلون في مجالات عمل صندوق المهجرين ومجلس الجنوب، ولا أعلم اذا كانت الهيئة العليا للاغاثة قد تحركت لنجدتهم!
الازمة تكمن في رعاية الانسان اللبناني، فلا قوانين تحميه، ولا تطبيق للقوانين ان وجدت، الا اذا أطبقت عليه والزمته دفع الرسوم، وخصوصاً المتأخرات.
إنها البيئة الحاضنة كل أنواع التلوث في الاجواء وفي النفوس وفي الممارسات وفي "الثقافات"!
فهل يدفع حريق عين الرمانة مجلس الوزراء الى اتخاذ اجراءات جديّة للمواطنين؟
الدعوات الى المقاطعة دعايات مجانية
قرأت الأسبوع الماضي دعوة الى مقاطعة اللحم الاحمر، كوسيلة ضغط لضبط اسعاره في السوق اللبنانية، أي للجم ارتفاع السعر بعدما "وعدنا" بارتفاع نسبته 20%، وارفقت الدعوة الى المقاطعة بأخرى الى استهلاك اللحوم البيضاء، أي الدجاج والسمك في المدة المقررة.
دعوة تثير الشفقة... والضحك! كأن الأمور لا تخضع لأي رقابة أو قوانين، وتحتاج الى كتل ضغط تمارس على الدولة والتجار معاً، علماً أن أكثر هؤلاء لهم شركاء في السلطة ومصالح مشتركة تجعل الاستقواء عليهم أمراً بلا جدوى.
ثم ليرجع أحدنا الى التاريخ، القريب والبعيد، هل يجد ان أي شكل من أشكال المقاطعة حقق هدفه في لبنان؟ هل نذكر جيداً حملة مقاطعة البضائع الاميركية؟ ومقاطعة "ستاربكس"، وأماكن ومنتجات؟ وصولاً الى ما أبعد بكثير، أي مقاطعة إسرائيل التي كادت تصبح طرفة عربية سمجة!
لم يعتد اللبناني المقاطعة ولم تدخل هذه العادة في تقاليده، وهو يرى ان لا طائل منها، ورغم اقتناع البعض بجدوى الخطوة، الا ان هؤلاء غالباً ما يستسلمون بعد مدة قصيرة، إذ يجدون أنفسهم محاصرين بقلة المبالاة، وتالياً بالتهكم.
وبسبب انقساماتنا المجتمعية اللامحدودة، وبفضل سياسة "النكايات" الراسخة في ثقافتنا السياسية، فإن كل دعوة الى المقاطعة، يقابلها إقبال كثيف من مجموعات أخرى "نكاية" بالجهة الداعية، وتزداد فرص الدعاية المجانية للمنتج أو المحل محور المقاطعة.
الدعوة الى المقاطعة في لبنان ساقطة وفاشلة، وهي دعاية تحرم شركات الاعلان، ووسائل الاعلام، بعض المال المتأتي من كساد يسود في الايام العادية، ما يلبث ان يزول مع الدعوات الى المقاطعة.