واقع المعارضة اللبنانية والممانعة الإقليمية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
سليمان تقي الدين
عاشت ldquo;المعارضةrdquo; في أجواء تفاؤلية جداً لحساب قوتها . خرجت كلمة السر إلى العلانية: أزفت ساعة التغيير . كانت ذروة الانتعاش والزهو مع زيارة الرئيس الإيراني للبنان والتواصل مع المملكة السعودية .
فجأة قفز مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية في جولة عاجلة لبعض العواصم العربية ولبنان، منذراً بوجود خط أحمر ممنوع تجاوزه . ارتبكت ldquo;المعارضةrdquo; وانكفأت إلى خطوط دفاعية خجولة واستثمرت الوقت في ملفات ثانوية إزاء المسألة الأساس، وهي المطالبة بموقف لبناني موحد من القرار الاتهامي للمحكمة .
عجلت إدارة المحكمة الترتيبات اللوجستية لإعلان قرارها . تنادى مسيحيو الموالاة إلى بكركي وأطلقوا مواقف تحذيرية ترفض هيمنة طائفة أو حزب أو سلاح غير شرعي . لم تجتمع المؤسسات الشرعية تداركاً لتحديد موقف . عاد اللعب على الوقت سيد الموقف لدى الطرف المطلوب منه مبادرة سياسية . نشطت دوائر مجلس الأمن وصدرت تصريحات متشدّدة دفاعاً عن المحكمة، وتقارير محابية ل ldquo;إسرائيلrdquo;، وتصادمية مع سوريا وrdquo;حزب اللهrdquo; . فاز الجمهوريون في الانتخابات الأمريكية وحوصر الرئيس أوباما وتخفّف نتنياهو من الحرج، وتعثرت المفاوضات على المسار الفلسطيني، وتعطّلت تسوية تشكيل الحكومة العراقية واندلع العنف مجدداً .
اعتقدت ldquo;المعارضةrdquo; في لبنان أن الأمريكي لا يملك المبادرة وليس لديه أية خطة للمواجهة، بل هو يستجدي الخروج الآمن والمشرّف لقواته من العراق، ويحتاج إلى التعاون مع إيران وسوريا، وأن الأمريكي لا يملك في لبنان أن يعطل التسوية السورية السعودية، ولا يشجع على عدوان ldquo;إسرائيليrdquo;، أو على فوضى أمنية هنا أو هناك . بدت هذه الحسابات خطأ تماماً .
أعلن الأمريكيون أن المسألة اللبنانية هي مسألة دولية وليست عربية أو إقليمية . ربما يوافق الأمريكيون على سياسة التهدئة، بل هم يطلبونها في هذه المرحلة الانتقالية، لكنهم لا يسمحون باستثمار التهدئة لقلب موازين القوى وإطاحة حلفائهم ومواقع نفوذهم . هذا ما يفسر دعم أمريكا لمقاومة تقدم ldquo;المعارضةrdquo; وشد أزر حلفائها وعزيمة رئيس الجمهورية، وعودة الحديث عن المؤسسات الشرعية . بل إن الرئيس الأمريكي السابق خرج ليقول إن العدوان ldquo;الإسرائيليrdquo; في عام 2006 كان في أساس حماية وتطوير الديمقراطية اللبنانية .
تعاني ldquo;المعارضةrdquo; اللبنانية أزمة التناقض بين فائض القوة المادية التي يملكها أحد أطرافها وهو ldquo;حزب اللهrdquo; وبين ضعف الجبهة السياسية وشرعية تمثيلها في المدى الوطني اللبناني . بل إن هذه المعارضة لا تملك يافطة واحدة، ولا مؤسسة جامعة، ولا مشروع جبهة، ولا برنامج إدارة صراع، ولا خطة لإدارة البلد . هي موقع رد الفعل على الهجمة الدولية المتمثلة في القرار الاتهامي للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وتحصر معركتها في هذه المهمة من دون سواها . تعثرت ldquo;المعارضةrdquo; في التعاطي مع هذا الملف . تأخرت بداية وارتبكت في بلورة مفردات هذه القضية، ولم تنشئ ملفاً قانونياً متكاملاً رغم قدرتها على العمل من داخل المؤسسات . لم تستفد بعد من انفكاك بعض الأطراف عن الوقوف في صف المطالبين بالمحكمة وبأي ثمن . في مكان ما ldquo;المعارضةrdquo; برأس واحد مثقل بالمهمات ومقيّد في حركته، ويتعامل مع اللعبة السياسية بأسلوب أمني .
لم يعد الوقت في مصلحة ldquo;المعارضةrdquo;، والقرار الاتهامي قد يتعجل صدوره رغم كل الحراك الإقليمي لتأجيل هذا الصدور . قد تجد ldquo;المعارضةrdquo; نفسها محكومة بردة الفعل الفورية التي تتخذ طابعاً أمنياً بعد حال المراوحة السياسية الراهنة . هنا يبدو أن الخيار الأمني الممكن واقعياً لجهة الوسائل في مواجهة حال في الاعتراض السياسي الطائفي المذهبي، ومن الاتكاء على دعم دولي يمكن أن يأخذ أشكالاً عدّة . أزمة لبنان مفتوحة وقد ارتبطت مجدداً بالتفاهمات الإقليمية، بل بالقرار الدولي .
على هذا المستوى لا يمكن حسم أي من الملفات من دون عودة الروح إلى سياسة الانفتاح والحوار الأمريكية . لكن الظاهر الآن أن إدارة أوباما مدفوعة أكثر، أمام أزمتها، إلى التشدّد وليس إلى المهادنة . مازالت أمريكا رغم نزيفها الأمني قادرة على تحريك صراعات كثيرة وعلى أداء أدوار أمنية، إن لم تكن بواسطة الحرب فبواسطة أدوات التخريب والتفجير والاغتيال وتغذية التناقضات السياسية .
في مواجهة هذه المعطيات لا بديل عن عمل جاد صادق يحفر بقوة لإعادة بناء موقف عربي تجاه المسائل الخلافية في فلسطين والعراق واليمن والسودان ولبنان، وتجاه القلق في الدور الإيراني . إن المثلث السوري الإيراني التركي لا يكفي بمستوى تعامله الراهن على سد فراغ الموقف العربي، فهو نفسه ليس متطابقاً في النظر إلى الحلول . خلال الولاية النصفية للرئيس الأمريكي بعد عودة الجمهوريين إلى الصدارة، يعود معهم منطق المحافظين الجدد بعد أن أخفقت قوى دولية أخرى في استثمار ضعف أمريكا وأزمتها المالية .